هدى بلال – حرية برس:
شهدت سوريا في السنوات الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في نسبة العنوسة عند السوريين، بالتزامن مع ظروف الحرب والتهجير واللجوء، وانخفاض دخل الفرد، إضافة إلى أسباب كثيرة عامة.
وتعرف العنوسة بأنها التأخر في الزواج وعدم الحصول على شريك الحياة، أو غياب فرصة الارتباط بطرف يأمن الأستقرار والسكينة والحياة المشتركة، وهي صفة ليست مقتصرة على الإناث فحسب؛ بل تشمل كلا الجنسين، رغم شيوعها في المجتمع كصفة تطلق على الإناث اللواتي لم يتزوجن رغم تخطيهن سن الزواج المتعارف عليه اجتماعياً، إضافة إلى ندرة وجود الذكور الممتنعين عن الزواج أو غير المتزوجين، حتى بات البعض يظنها حكراً على النساء.
أسباب كثيرة لظاهرة العنوسة في سوريا
في ظل النقص الحاد في عدد الشباب الذكور في سوريا نتيجة الحرب التي شنها نظام الأسد ضد شعبه الثائر، حيث قتل مئات الآلاف واختفى مئات الآلاف منهم في سجون ومعتقلات الأسد، وهاجر الملايين منهم خارج البلاد، ارتفعت نسبة العنوسة بين الشباب السوري، ولا سيما في صفوف الإناث اللواتي صارت نسبتهن في سوريا أكبر بكثير من نسبة الذكور.
وتضاف إلى هذا السبب الخاص، أسباب عامة ترفع نسبة العنوسة في المجتمع السوري، حيث تدنت مستويات دخل الفرد، وصار تأمين الاحتياجات الأساسية للأسر السورية بالغ الصعوبة، وازداد تمسك المجتمع السوري بعادات وأعراف تجعل الخطوات نحو بناء أسرة جديدة عبر الزواج أمراً في معقداً، وصعباً للغاية، ولا يفوتنا أن ارتفاع مستوى تعليم الفتيات لدى السوريات تسبب في رفع سن الزواج المتعارف عليه اجتماعياً، وهو ما يقتضي النظر إلى مرحلة العنوسة من زاوية مختلفة تقتضيها ظروف الفتيات والشباب الذين آثروا إكمال تعليمهم الجامعي والعالي.
ورغم نهي الشرع عن المغالاة في المهور، وهو أحد الاسباب الرئيسية للعزوف عن الزواج عند الشباب، فإن المجتمع لم يتكيف بشكل مناسب مع الظروف الاقتصادية الصعبة، ولم تشهد عادة المغالاة في المهور الكثير من التغيير، رغم أن المجتمع السوري، عرف مؤخراً تفهماً نسبياً للظروف الصعبة، وباتت العائلات أقل تشدداً في فرض المهور، وما يلفت النظر أن قانون الأحوال الشخصية السوري وقف موقف المتفرج من ظاهرة غلاء المهور، وترك الأمر لتقدير المجتمع، عبر النص على أنه: “لا حدّ لأقل مهر ولا أكثره”.
الأثر النفسي للعنوسة.. وحدة وخوف من المستقبل
ورغم ما تشكله ظاهرة العنوسة من مخاطر على المجتمع والتنمية فيه، فإن الجانب النفسي يبقى الأكثر والأعمق أثراً لدى الفئة التي “فاتها قطار الزواج”.
تقول أحلام (40 عاماً) لـ “حرية برس”: “ألفيت نفسي في هذا العالم وحيدة وقطار العمر يمضي سريعاً، ولم يكن يعنيني تأخري في الزواج ،لأنني آثرت الاعتناء بوالدي المريض، ولكن مع تقدمي بالعمر؛ أدركت أنني بحاجة للشريك، وبين واجبي وأمنياتي أقف حائرة، فكيف لي أن أكون أنانية وأنا المعيل الوحيد لأبي وعائلتي؛ وماذا عني أنا!!؟ هل علي أن أبقى وحيدة، وأنا كالعادة .. أصد من يأتيني خاطبا بعبارة :(مافي نصيب)”.
أما آمنة (٣٨ عاماً) فتقول لـ “حرية برس”: “لقد نشأت في بيئة ريفية مرهونة بعادات وتقاليد قاسية، حيث أنني لا ينبغي أن أتزوج سوى بابن عمي.. لكنني عندما كبرت رفضت الزواج منه؛ لأنني كنت أشعر تجاهه كما لو أنه أخي”.
وتضيف آمنة: “لم يتقبل عمي وابنه الأمر، وتزوج ابن عمي، لكنهم منعوا أي شاب من خطبتي انتقاما مني.. منذ عامين فقط عاد عمي إلى رشده؛ وأخبرني بأنني حرة إن أردت الزواج.. لكنني كنت قد بلغت من عمري ٣٦ عاماً، ولم يعد يتقدم لخطبتي سوى الأرمل أوالمسن أوالعاجز”.
للمجتمع وثقافته الأثر الأكبر في انتشار العنوسة
وعن أسباب إنتشار ظاهرة العنوسة قالت الباحثة الاجتماعية سارة عنبر لـ “حرية برس”: “تختلف المجتمعات بتحديد سن العنوسة للفتاة، وأنا أقول أن السن المحدد لدخول الفتاة بما يسمى “مصطلح العنوسة ” يرجع الى طبيعة المجتمع الذي تنتمي إليه، وثقافته”.
وتوضح الباحثة الاجتماعية: “أسباب العنوسة عديدة ومستمرة، ومتغيرة بنفس الوقت، فبشكل عام أسبابها قد تكون في الشكل الخارجي؛ قد تكون الفتاة غير مرغوبة بالمقاييس الجمالية التي يحددها المجتمع الذي تعيش فيه أو المستوى الإجتماعي الذي تعيش ضمنه الفتاة، و المستوى الفكري الذي وصلت له الفتاة، وربما مرور الفتاة بعدد من التجارب السلبية العاطفية؛ مما أدى لإمتناعها عن الزواج”.
وتضيف عنبر: “قد يكون من الاسباب أيضاً وضع الفتاة مقاييس غير واقعية لحياتها المستقبلية لا تتناسب مع بيئتها، ولعل كثرة الطلاق الموجود حولها يجعلها تتردد، ولا ننكر أن كثرة عدد الإناث مقارنة بالذكور تجعل واقع العنوسة أمراً طبيعياً وحتمياً، بالإضافة للوضع المادي المرتفع للأسرة مما يمنعها من الزواج لأسباب إرثية، كما إن استقلالية الفكر ورفض فكرة السيطرة عند الفتاة؛ وأن تكون الفتاة منفتحة بشكل كبير بمجتمع منغلق؛ بالتالي يتم استبعادها من الزواج”.
وعن كيفية الحد من ظاهرة العنوسة قالت المرشدة النفسية عبيدة رضوان لـ “حرية برس”: يكمن الحل في معالجة ظاهرة العنوسة من خلال مساعدة الشباب الذين هم في سن الزواج؛ وتقديم الدعم المادي الذي يمكنه أن يؤهلهم للزواج، فكثير منهم قد يضرب عن الزواج بسبب الضيق المادي.
وتضيف المرشدة عبيدة رضوان: “غلاء المهور سبب أساسي، ولابد ان يكون هناك جلسات توعوية للأهالي للحد من ظاهرة غلاء المهور والطلبات التي تكاد تفوق قدرات الشباب على توفيرها، وكذلك فتح مراكز لتشغيل الشباب، وتوفير فرص العمل”.
وعن الطرح الذي يتحدث مروجوه عن أن تعدد الزوجات في هذه الحالة يشكل حلاً، قالت رضوان: “لا أنصح بتعدد الزوجات، لان هذا الأمر يمكن أن يزيد من المشاكل وحالات الطلاق وتشتت الاولاد وتشردهم ويمكن أن يخلق تعدد الزوجات مشاكل نحن بغنى عنها، بدل أن نجد الحل لمشكلة يمكن أن نقع بمشاكل أخرى”.
Sorry Comments are closed