أزمة حليب الأطفال تفضح عجز الأسد اقتصادياً

فريق التحرير20 يناير 2019آخر تحديث :
استمرار انقطاع حليب الأطفال لشهر عن أطفال مدينة الرستن في ريف حمص الشمالي – عدسة علي عز الدين

محمد العبد الله- حرية برس:

تتوالى الأزمات الاقتصادية في مناطق النظام السوري، فبعد أزمة المازوت والغاز ومشاكل انقطاع التيار الكهربائي ساعات طويلة، برزت خلال الأيام الماضية أزمة خانقة في حليب الأطفال، بعد فقدانه في أغلب مناطق النظام، ما أثار استياء الموالين، وزاد التساؤلات عن سبب عجز الأسد عن تأمين حليب الأطفال، واحتمال وجود أصابع روسية في تلك الأزمات الاقتصادية.

وذكرت صفحات موالية للأسد أن المحلات التجارية والصيدليات في مناطق النظام، شهدت انقطاع حليب (البودرة) للأطفال من عمر يوم إلى سنة، بشكل شبه كامل.

وفي المقابل، زعم نقيب الصيادلة في حكومة النظام، “محمود الحسن”، أن ذلك الأمر عار عن الصحة، وأن المشكلة تقتصر على بعض الأنواع فحسب، ويوجد لها بدائل محلية، مشيراً الى أن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، أدت الى تأخير عملية وصول شحنة حليب الأطفال المستوردة من طهران.

عجز على عجز

وحول سبب أزمة حليب الأطفال، قال الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، لحرية برس: إن “كثيراً من الشركات عزفت عن التعامل مع النظام، ولا سيما الشركات التي كانت تمده بالسلع ومن ضمنها حليب الأطفال، خوفاً من أن تطالها العقوبات، وهذا جعل الأسد يزداد عجزاً على عجز، فهو عاجز أصلأ من الناحية المالية بسبب قلة الاحتياط لديه”.

وأضاف الكريم، أن “العجز الثاني الذي يعاني منه النظام،
الذي كان سبباً إضافياً في خلق أزمة حليب الأطفال،
يعود الى أن المصارف ترفض إجراء تحويلات مالية إلى النظام،
فضلاً عن عدم منحه أي تسهيلات ائتمانية، كما أن
الشركات المورّدة باتت تطلب سعراً مضاعفاً لقبول التعامل
مع الأسد، وهو ما أضاف عجزاً إلى عجزه المالي”.

ولفت الكريم إلى أن “هناك سبباً هاماً أيضاً له دور في خلق أزمات الأسد الاقتصادية، بما فيها أزمة حليب الأطفال، حيث لم تكن هناك أزمات جوهرية تواجه الأسد عندما كانت هناك معارضة في دمشق وريفها”.

وبرر الكريم ذلك بأن “كل الدعم المالي الذي كان يتجه سابقاً إلى مناطق المعارضة كان ينتهي عند النظام، حتى السلع التي كانت تصل إلى المعارضة كان لابد أن تمر على حواجز الأسد التي كانت تأخذ حاجتها وتبيع الباقي، رغم أنها مساعدات مجانية مخصصة لسكان المعارضة ومنها حليب الاطفال، لكن سيطرة النظام على معظم المناطق السورية، خاصةً الغوطة ودرعا، جعله يخسر كثيراً من موارده التي كانت تغطي حاجاته مجاناً، وهذا الأمر بات يخلق أزمات يومية للنظام”.

بدوره قال عضو المنتدى الاقتصادي السوري، “ملهم جزماتي”، لحرية برس: إن “انقطاع مادة الحليب أمر مفتعل، فكما هو معلوم أن هذه المادة تصدّر إلى الأسواق السورية المحلية قادمةً من إيران بشكل أساسي، وادّعى النظام أن العقوبات الأميركية على طهران هي السبب الرئيس لتأخر وصول شحنات الحليب إلى سوريا، في حين أن خطوط الإمدادات العسكرية من إيران لم تتوقف أو حتى تتأثر بهذه العقوبات”.

وأضاف جزماتي أنه “من مصلحة الأسد انقطاع حليب الأطفال من الأسواق السورية، ليشغل المواطنين السوريين، ويمنعهم من التفكير في شؤون وطنهم وواقعهم السيء الذي يعيشونه”.

بدوره قال المحلل الاقتصادي “منير الفقير”، “إن “النظام يعاني من أزمات اقتصادية كثيرة، ويحاول الترويج إلى أن العقوبات تؤثر على الشعب بالدرجة الأولى، خاصةً الأطفال، كي يغطي على فشله في تأمين المواد الأساسية، وفشله بشكل عام اقتصادياً، واعادة الأمن والإصلاح الاجتماعي بعد سيطرته على معظم المناطق السورية، بمعنى أن أزمة حليب الأطفال تؤكد فشل الأسد في إدارة كثير من الأمور بعد نهاية الحرب، وتفضح عجزه الاقتصادي”.

ابتزاز ايراني

تخفي أزمة حليب الأطفال وراءها خلافات بين الأسد وايران،
وقال ملهم جزماتي: إن “طهران تسعى إلى قطع توريد حليب
الأطفال إلى نظام الأسد، أو على الأقل تأخير وصول الشحنات، وذلك كي تذكره بأنه لولاها لما استطاع الوقوف أمام مؤيديه قبل معارضيه”.

في حين قال يونس الكريم إن “سوريا كانت تستورد 3911 طناً شهرياً من حليب الأطفال المعلّب، أي ما قيمته 35 مليون دولار، بحسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء لعام 2009، وكان يأتي من مصادر مختلفة أوروبية وآسيوية، وحتى من دول أميركا الجنوبية، أما الآن فبات النظام يعاني من عجز مالي كبير، بحيث أن احتياطي النقد لديه، حسب صندوق النقد الدولي، لا يتجاوز 700 مليون دولار، وهو لا يكفي لتغطية نفقات الاستيراد أكثر من ثلاثة أشهر”.

ويضيف يونس الكريم أن “نظام الأسد عاجز عن تلبية احتياجات المواطنين، فالدورة المالية للنظام أصبحت طويلة بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين في مناطق سيطرته، حيث يكون سعر الحليب لدى استيراده أعلى من السعر العالمي، ما يجعل سعره باهظاً عند طرحه في الأسواق، وهذا يمنع الناس من شرائه، وبالتالي على نظام الأسد أن يقوم بدعمه ليخفض سعره، ولأن الأخير لا يملك النقد الكافي، فهذا يجعله يتحاشى الاستيراد من الدول التي كان يستورد منها سابقاً”.

وأشار الكريم الى أنه “في ظل هذا الواقع يلجأ الأسد إلى الاستيراد من إيران بسبب انخفاض تكاليف الاستيراد، ووجود خط ائتماني معها، لكن طهران تلجأ إلى ابتزاز النظام السوري وتطالبه بتفعيل كثير من العقود التي وقعتها معه سابقاً، مقابل إمداده بحليب الأطفال، ما يساهم في تأخير وصول الشحنات إلى مناطق النظام”.

وزعم نقيب الصيادلة في حكومة النظام، “محمود الحسن”، قبل أيام، أن شحنة من حليب الأطفال وصلت الى الموانئ السورية وسيجري توزيعها في الأسواق السورية خلال أيام، مشيراً إلى أن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران أدت الى تأخير عملية وصول الشحنة، لكن صفحات موالية أكدت عدم وجود أي بوادر انفراج بخصوص أزمة حليب الأطفال.

وذكر الحسن أن هناك مقترحاً من نقابات الصيادلة والأطباء بضرورة بناء معمل لحليب الأطفال في سوريا، كحل جذري للمشكلة.

لكن يونس الكريم يرى أن “مقترح بناء معمل حليب للأطفال هو فكرة قديمة منذ عام 2010، وهو اقتراح غير مجدٍ اقتصادياً، لضعف القدرة الشرائية ومحدودية السوق، إضافةً الى أن العقوبات المفروضة على النظام ستمنع حصوله على شهادات تخوله بيع منتجاته من الحليب”، مشيراً الى أنه “حتى لو تمكن النظام من حل أزمة الحليب لاحقاً ستبدأ أزمات أخرى، كون الاحتياطي النقدي لديه غير قادر على تلبية احتياجات السوريين في مناطق سيطرته”.

مصلحة روسية

وفي ظل توالي الأزمات الاقتصادية على النظام السوري، تزداد التساؤلات حول موقف روسيا من ذلك، كونها الحليف الرئيس للنظام السوري، وسبب عدم تدخلها لمساعدة الأسد، وإن كانت صاحبة مصلحة في خلق تلك الأزمات.

ويرى يونس الكريم أنه “كل ما زاد العجز المالي للنظام، سيضطر إلى التوقيع على كثير من العقود التي كان يرفض التوقيع عليها سابقاً، كما أن زيادة الضغوطات على المواطن السوري، تجعل من يورّد السلع للسوريين محل ثقة بالنسبة إلى  الشعب وبالتالي يحصل على ولائه، وبذلك يفقد الأسد كثيراً من حاضنته، ما يجعله في مرحلة صعبة جداً”.

وأضاف الكريم: “كل ما يحصل من أزمات وضغط داخلي على النظام، سيدفع الأخير إلى الرضوخ إلى الشروط الروسية، لكن في الوقت نفسه، يعوّل الأسد على عودة العلاقات مع الإمارات وربما السعودية لاحقاً، وهو ما يدفعه إلى المكابرة على نفسه والصبر، حتى عودة العلاقات مع دول الخليج، بحيث يستطيع النظام السوري الحصول على قروض ائتمانية تساعده في حل مختلف أزماته الاقتصادية وتلبية احتياجات مواطنيه”.

وفي سياق متصل، قال ملهم جزماتي: إن “روسيا ترغب في تقديم الأسد تنازلات مستمرة، فهي لا تود تحقيق استقرار اجتماعي أو سياسي في سوريا، فالفوضى والحاجة هي التي سهّلت دخولها إلى سوريا، وبالتالي تريد جعل الشعب السوري يعيش دوماً بالحد الأدنى من مقومات الحياة حتى لا يستطيع المطالبة بحقوقه المشروعة”.

بينما قال المحلل الاقتصادي منير الفقير لحرية برس:
إن “موسكو مستفيدة من أزمات النظام الاقتصادية، فهي تسعى
إلى إبراز تلك الأزمات ومعاناة الشعب السوري أمام المجتمع الدولي،
لدفعه الى المساهمة في إعادة الاعمار، فروسيا تبحث عن استراتيجية آمنة للخروج من سوريا عبر شرعنة نظام الأسد، ولن يتحقق
ذلك إلا من خلال التمكين الاقتصادي للنظام، ولن يحدث
هذا التمكين، إلا في حال ضخ أموال إلى الأسد لمساعدته
في اعادة الاعمار التي تتيح له استعادة الشرعية”.

حلول بديلة

وخلقت أزمة حليب الأطفال مشكلة كبيرة لدى السكان في مناطق النظام، وقالت أم أيهم المقيمة في جرمانا، في ريف دمشق، لحرية برس: إن “تأمين حليب الأطفال بات أمراً شديد الصعوبة، فأغلب الصيدليات لم يعد لديها حليب للأطفال تحت عمر السنة، ويكون سعر العلبة مرتفعاً في حال توفره، فسعر حليب الأطفال (نان 1) كان 2700 ليرة سورية، أما الآن أصبح سعرها 6 آلاف ليرة”.

وأضافت أم أيهم: “طفلي بحاجة الى علبة حليب كل خمسة أيام، ما يعني أني أصبحت بحاجة الى دفع 36 ألف ليرة سورية ثمن حليب شهرياً، وهذا مبلغ باهظ للغاية، وهو ما دفعني إلى الاعتماد على الحليب البقري كباقي الناس، رغم أنه غير مناسب صحياً لطفلي، وقد يسبب التهاب أمعاء وإسهال، لذلك أضيف الماء إليه لتقليل نسبة الدسم فيه، فيصبح أخف على معدة طفلي”.

بدوره قال مصطفى، المقيم في دويلعة في دمشق، لحرية برس: إنه “حين سأل أحد الصيادلة عن سبب ارتفاع سعر حليب الأطفال، ذكر أنه يدخل من لبنان إما عن طريق الأهالي أو تهريب عبر سائقي شاحنات النقل، لذلك يصل ثمن العلبة الى 8 آلاف ليرة، حيث أن حواجز النظام تتقاضى أتاوات مقابل السماح بمرورها، وفي الوقت نفسه، تصل بعض علب الحليب من المناطق المحررة في الشمال السوري، ويكون سعرها أقل ليتراوح ما بين 5-6 آلاف ليرة سورية”.

وشهدت أسواق النظام غياب كثير من أنواع حليب الأطفال، وخاصة “نان، ألبين، بيبلاك، بيوميل، نيترو بيبي، ومامي لاك”، وهذه الأنواع هي الأكثر استهلاكاً، وفي الوقت نفسه، توقفت كثير من المراكز التابعة “للهلال الأحمر” عن توزيع حليب الأطفال المجاني للفقراء بحجة عدم توفره.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل