عصا البشير والثقب الأسود

معاذ عبد الرحمن الدرويش16 يناير 2019آخر تحديث :
معاذ عبد الرحمن درويش

كانت الحكومات العربية تتهيأ للاحتفال بالقضاء على ثورات الربيع العربي، وتستعد لمكافأة نظام الأسد المجرم في انتصاره على الثورة السورية، أعتى وأقوى ثورات الربيع العربي، الثورات التي هزت العروش، وخلعت أربعة من إخوانهم، بينما كان بطلهم الأسد، المجرم الوحيد الذي صمد في وجه العاصفة، حيث أنقذ نفسه أولاً، وأنقذهم من الهلاك ثانياً.

وتعبيراً عن امتنانها، أرسلت الأنظمة العربية رسولها، ولم يجدوا رجلاً يلائم هذه المهمة أكثر من البشير، رئيس السودان، لكي يطير بشيراً إلى بشار الأسد، يدعوه لكي يستعد ويتهيأ للاحتفال تحت قبة الجامعة العربية مع أشقائه وإخوانه، كي يتوجوه بإكليل النصر على أعدائهم من الشعوب، ويعلقوا على صدره أوسمة النصر.

إلا أن السحر انقلب على الساحر، حيث ذهب البشير محملاً بالبشائر، إلا أنه يعود بالنذر، و أي نذر أكثر شؤماً من عودة اشتعال ثورات الربيع العربي من جديد، وكأن البشير حمل رائحة الثورة، وعاد بها إلى شعبه، كيف لا وتراب دمشق لا يزال رطباً بدماء عشرات آلاف الشهداء!

وما إن عاد البشير الى أرض السودان، حتى اندلعت المظاهرات، وهبت الجموع بشكل غير مسبوق من حيث القوة والأعداد والهدف، وهي تمتد و تشتعل أكثر يوماً بعد يوم. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل سيكون السودان هو الثقب الأسود الذي سيحرج ويهدد الأنظمة العربية من جديد، ويلتهم الثورات المضادة، كي يعود الربيع العربي مزدهراً، بعد اطمئنان الدكتاتوريات إلى خمود ذلك الجحيم؛ علماً أن الثورة السورية لا تزال مشتعلة ملتهبة رغم انحسار مساحتها الجغرافية؟

ما تزال الثورة تحتفظ بقاعدتها البشرية،  سواء في الشمال المحرر، أو في دول الجوار، حيث تؤكد الإحصاءات وجود أكثر من ستة ملايين لاجئ، يتوزعون بين تركيا ولبنان والأردن والعراق، ورغم أنهم يعيشون ظروفاً معيشية قاسية جداً، إلا أنهم يفضلون الموت والجوع والبرد، على العودة إلى أحضان نظام الأسد المجرم، ومن المبشر بالخير، وجود حالات تململ واضحة في مناطق النظام نتيجة سوء المعيشة التي باتت لا تقل قسوة عن معيشة سكان المخيمات.

قد يرى بعض المراقبين أن الثورات المضادة انتصرت، والحقيقة أن ثورات الربيع العربي انحنت قليلاً أمام عاصفة الثورات المضادة، لكني أعتقد أن ثورات الربيع العربي ستعود أكثر قوة، فالثورات المضادة لم تكن أكثر نجاحاً من الأنظمة الديكتاتورية المخلوعة، وعندما يحصل أي تغيير في الواقع أو الظروف، ستعود الثورات أقوى من السابق. و من يدري لعل شرارة العودة تنطلق من السودان، ويكون هو الثقب الاسود الذي سيلتهم الثورات المضادة.

فليرسلوا البشير لعله يشق بعصاه في وسط بحر دماء السوريين يابسة لهم، لكن من يدري، فربما تكون عصا البشير سبباً في غرقهم و هلاكهم.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل