مصطفى عباس – حرية برس
يبدو أن الزخم بدأ يعود إلى حراك أصحاب السترات الصفراء في فرنسا، بعد فترة من الاستراحة، وهي فترة أعياد الميلاد ورأس السنة، بينما دعا الرئيس ايمانويل ماكرون إلى حوار وطني كبير من المزمع إجراؤه يوم الثلاثاء 15 يناير الجاري، ولكن المحتجين لا يلقون بالاً لهذا الحوار، وهم عازمون على المضي قدماً في حراكهم حتى إسقاط ماكرون وحكومته، ولكن ماكرون وداعميه لن يقفوا مكتوفي الأيدي، بل سينظمون هم الآخرون مسيرة لدعم ساكن الاليزيه في السابع والعشرين من هذا الشهر، وستنطلق من ساحة الجمهورية نحو ساحة الباستيل في محاولة لمحاكاة المسيرة المؤيدة للجنرال ديغول بعد ثورة مايو 1968، فكيف غطت الصحافة الفرنسية ما جرى على أرضها؟
انتصار المسؤولية
صحيفة لوفيغارو الليبرالية عنونت ” احتجاجات قوية لأصحاب السترات الصفراء في أسبوعهم التاسع.. على الأقل 84 ألف متظاهر”.
وتضيف الصحيفة أنه على عكس الأسبوع الماضي الذي بالكاد تجمع فيه 50 ألف محتج وكان العنف والاشتباكات مع الشرطة هما السائدين، إلا أن الوتيرة ارتفعت هذا الأسبوع ليصل عدد المحتجين إلى نحو 84 ألف محتج، على الرغم من الرسائل المشددة التي حذرت عبرها الحكومة من أعمال عنف جديدة، فيما تم اعتقال نحو 244 شخصاً، تم الاحتفاظ بـ 201 منهم. وقال وزير الداخلية الفرنسي: كريستوف كاستنر أن الـ 80 ألف من ذوي السترات الصفراء قد مروا بسلاسة وهدوء، بدون حوادث جسيمة، وأشاد الوزير بما أسماه انتصار المسؤولية على إغراء المواجهة.
التخريب ليس بجديد
وفي عنوان آخر لذات الصحيفة المحافظة تساءلت ” من أين يأتي مصطلح المخربون” وتضيف الصحيفة أنه في الأسابيع الأخيرة اتسمت مظاهرات “السترات الصفراء” بأعمال عنف منظمة، بعض هذه الأعمال يرتكبها من باتوا يسمون المخربون أو المكسرون، وهي اسم فاعل يرجع للفعل كسر. والمخرب هو الشخص الذي يدمر بشكل متعمد الممتلكات الخاصة أو العامة، ويعطي المقال نبذة سريعة من سلوك التخريب أثناء التظاهرات منذ القرن السادس عشر إلى الآن.
تحويل الغضب إلى حلول
وفي عنوان آخر كتبت لو موند ” الحوار الكبير.. ماكرون يريد إعادة الروح إلى المسيرة الكبرى لحملته” وتضيف الصحيفة انه على مدى شهر كامل تحمل ماكرون رسالته وأنضجها، وتناقش بها إلى أن أخرجها للعلن تحت مسمى رسالة للفرنسيين، وهي التي وعد بها خلال خطابه في العاشر من كانون الأول خلال خطابه المتلفز للإعلان عن خطة من عشرة مليارات يورو لمواجهة غضب “السترات الصفراء”، وطالب ماكرون بتحويل الغضب إلى حلول.
عقد جديد للفرنسيين
وتتابع الصحيفة أن رئيس السلطة التنفيذية يسعى طمأنة الفرنسيين إلى أنه سيستخلص من المشاورات نتائج جديدة “إن مقترحاتنا سوف تبني عقدًا جديدًا للأمة، وهيكلًا لعمل الحكومة والبرلمان، فضلاً عن مواقف فرنسا على المستوى الأوروبي والدولي. سأقدم تقريري لكم مباشرة في الشهر التالي لنهاية الحوار الوطني “. ليضيف: “هذه هي الطريقة التي أعتزم من خلالها تحويل الغضب معكم إلى حلول”. واقترح الرئيس الفرنسي في رسالته التركيز خلال هذا النقاش على أربعة مواضيع رئيسية: الضرائب والإنفاق العام والتنظيم الحكومي والخدمات العامة والانتقال البيئي والديمقراطية والمواطنة. على ان يوجه رئيس الدولة أسئلة للفرنسيين عن كل موضوع.
مع هذه المبادرة، يريد إيمانويل ماكرون استعادة روح المسيرة الكبيرة التي نظمها خلال حملته الانتخابية ويقول أحد أقاربه. من يستمر: “إن ماكرون يرتبط بالمجازفة والجرأة لأن هذا الحوار الوطني محفوف بالمخاطر، فنحن لا نعرف ماذا سيتمخض عنه”.
كراهية الإعلام
وفي عنوان آخر كتبت ذات الصحيفة مقال رأي تحت عنوان ” الستر الصفراء.. كراهية الإعلام ليست مسألة جديدة” وتوضح أن الأقلام محاصرة، حيث تم منع الصحف اليومية من الظهور، وهوجم صحفيون في الشارع لمدة شهرين من الاحتجاجات، حيث يرتكب كل يوم أعمال عنف جديدة ضد وسائل الإعلام وممثليها. بالنسبة للجزء الأكثر تطرفًا في هذه حركة السترات الصفراء يبدو أن إهانة الصحفيين أو ضربهم قد أصبح بمثابة طقوس، ففي تولوز وروان اضطر صحفيون من عدة قنوات إخبارية إلى الفرار هربًا من محاولات قتل متعمد.
هذه الكراهية للإعلام ليست جديدة، وعدم الثقة في الصحافة قديمة قدم الصحافة نفسها. منذ ظهورها قبل أكثر من أربعة قرون، أصبحت الصحافة بالفعل هدفا للهجمات المستمرة. في فرنسا كما في أي مكان آخر، اعتُبر الصحفيون منذ البداية وضيعين في نظر العامة، ولكنهم أيضاً أحرار من قبل السلطة السياسية. كما أنهم كانوا محسودين من قبل رجال الأدب الذين رأوا فيهم منافساً لا يطاق. وفولتير الذي يُقدّم اليوم كأب للصحافة الحرة، كثيراً ما قدم وأظهر حتى وفاته كراهية لهذه المهنة تشبه كراهية الرجل شبه المهووس.
ماكرون مزعج في موقفه وسلوكه
صحيفة ليبراسيون اليسارية عنونت ” ماري لو بين تقوّي النزعة ماكرون أوروبياً”.
بدأت أسهم رئيسة التجمع الوطنى بالارتفاع خلال الاستطلاعات منذ بداية الاحتجاجات التي يقودها أصحاب الستر الصفراء، وهي في صعود أوربياً خصوصاً في ظل الانتخابات الأوروبية، التي بدأت لوبين حملتها الدعائية الأحد.
ويلاحظ المراقبون أنه داخل ما يسمى بيت التبادل عقد إيمانويل ماكرون الاجتماع الأول لخطته للعمل في 12 تموز 2016. وعلى الرغم أنه لم يكن قد أعلن نفسه مرشحاً للرئاسة، وهو ذات المكان الذي تلقت فيه لو بين هزيمتها بعد ثمانية عشر شهراًمن قبل ماكرون، لذلك اختارت صالة في باريس لعقد ” المؤتمر الكبير” للتحضير للانتخابات التي لا يمكن أن يخسرها التجمع الوطني (الجبهة الوطنية ) سابقاً.
وتتابع الصحيفة أن مارين لوبان هي السياسي الوحيد الذي يصعد في استطلاعات الرأي منذ بداية أزمة السترات الصفراء (تأمل في استمرارها حتى الانتخابات) فقد أخذت الاحتجاجات كمثال يحتذى للحركة ، حيث تقول عن ماكرون ” هو المسؤول الوحيد عن هذا الوضع، وعن خلق الاختلاف والتفاوت الطبقي، فضلاً عن الانفصال البشري لرئيس مزعج في موقفه، ومزعج في سلوكه و غير كفؤ في وظائفه”.
Sorry Comments are closed