المندسّون والطغاة

سلام الكواكبي25 ديسمبر 2018آخر تحديث :
المندسّون والطغاة

تستمر الاحتجاجات الشعبية في السودان على فساد السلطة القائمة ونتيجة مباشرة لارتفاع الأسعار وفشل السياسات الاقتصادية التي ساعدت رأس السلطة على مراكمة ما يعادل التسعة من مليارات الدولارات الآتية من المال العام حسب ما ذكرته صحيفة الليبراسيون الفرنسية. وعلى الرغم من أن الرئيس السوداني عمر حسن البشير مُدانٌ منذ سنة 2010 من قبل محكمة الجنايات الدولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور السوداني، إلا أنه حظي بإعادة انتخابه رئيساً على البلاد لمرتين حيث حصل في المرة الثانية على 94,5 في المئة ويدرس حزبه حالياً تعديل الدستور، الذي يحدد الفترات الرئاسية بمرتين، ليصار له الترشح مجدداً.

ويُسجّل لعمر البشير بأنه أول رئيس دولة على رأس عمله تُصدر محكمة الجنايات الدولية قرار الجلب بحقه وتطالب بتسليمه بناءً على ملفات ووثائق تكفي لزجه في السجن لمئات السنين كما ذكر المحققون حول القضية حينذاك. ومع ذلك، لم تمنعه مذكرة الجلب الدولية تلك من السفر بعد هذا التاريخ. وقد شارك في مجمل لقاءات القمة التي عقدها الاتحاد الأفريقي بعد 2010. وقد تم استقباله في عشرات الدول بما فيها الصين. وكانت آخر زيارة له إلى دمشق للقاء بشار الأسد والدعوة إلى “عودة” النظام السوري إلى “الحظيرة” العربية.

وقد سارع الإعلام الروسي إلى الترحيب بهذه الزيارة التي تم تأمينها عبر ناقلة عسكرية أرسلتها موسكو. وعبرت الخارجية الروسية عن “الأماني بأن تكون تساهم الزيارة في عودة سوريا إلى الجامعة العربية” بعد أن جرى تعليق عضويتها في تشرين الثاني من سنة 2011.

الدور الروسي أساسي في دعم النظام السوداني، وبالتالي فهو يُملي عليه ما يرغب. وكان الرئيس الملاحق دولياً أن زار موسكو أيضاً في تشرين الثاني من سنة 2017، من أجل اللقاء بفلاديمير بوتين. كما تقاربت السودان من تركيا ومن المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة وحصلت على دعم مادي مهم ذهب جُلّه في جيوب الحكام كما هي العادة التي تحترمها جُلُّ الأنظمة المستبدة. ومؤخّراً، استفاد نظام البشير من “البراغماتية” الغربية في معالجة مسألة الهجرة والسعي الحثيث للحدّ منها باتجاه دول الشمال، ولو على حساب حقوق الإنسان والمعايير الأخلاقية ودعم السلطات المستبدة، ليفتح قنوات تواصل على مستويات مختلفة مع عدد من البلدان الأوروبية المفتاحية.

إن الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت إثر زيادة أسعار الخبز وبعض السلع الأساسية الأخرى، أتت في ظل أزمات اقتصادية متعاقبة وصل فيها معدل التضخم إلى ما يُقارب 70 في المئة وأدى إلى انهيار سعر صرف الجنيه السوداني أمام الدولار. بالمقابل، فقد مارست أجهزة الأمن، في هذه الدولة التي يسميها الباحث السوداني حيدر إبراهيم بـ “الأمنوقراطية”، عنفاً أدّى، كما صرّح زعيم المعارضة السودانية الصادق المهدي، إلى مقتل أكثر من عشرين متظاهراً. وتبنّت أجهزة الحكم، كما في الشقيقات من دول الربيع العربي، لهجة التخوين والاتهام بالتآمر بحق المدنيين، معتبرة بأن هناك مخطط خارجي لزعزعة “استقرار” البلاد ويقوم على تنفيذه “مندسّون” طبعاً.

وفي إعادة إنتاج سيناريو الحركات الاحتجاجية التي اندلعت في دول عربية أخرى منذ سنة 2010، والتي أدت إلى ثورات، سرعان ما أجهضتها انقلابات عسكرية أو ثورات مضادة أو حروب دموية، عدا “النجاح” التونسي النسبي، فقد استند الحَراك بداية على مطالب معيشية وسرعان ما تحوّل إلى مطالب سياسية تدعو إلى تغيير النظام وإحقاق العدل والحرية. وقد ووجه بالعنف المتأصل في الأنظمة الانقلابية فاقدة الشرعية.

من المهم الإشارة إلى أن أمنوقراطية النظام السوداني المتمرّسة لم تتمكن من وأد الحَراك السياسي والنقابي طوال سنوات البشير التي تمتد منذ انقلابه سنة 1989 والذي حظي حينذاك بدعم من الجبهة الإسلامية القومية المنشقة عن جماعة الإخوان المسلمين. وقد شهدت السودان خلال السنوات الماضية الكثير من النشاطات السياسية التي تصدرتها إما قوى إسلامية أو يسارية، تعرضت قياداتها للاعتقال والنفي، ولكنها استطاعت أن تؤسّس لوعيٍ سياسي شعبي قلّ نظيره في الدول العربية الأخرى. ويمكن تلمّس هذا الوعي من خلال بعض النشاطات السياسية المعارضة كما من خلال بعض الصحافة التي تتعرّض للتضييق ولكن يتمكن بعضها من عكس الواقع القائم. كما تتمتع البلاد بنخب سياسية إسلامية ويسارية تكاتفت بنسب متفاوتة إثر انقلاب البشير الثاني على الإسلاميين الذين أوصلوه للحكم.

فساد، واعتماد كامل على المساعدات، وقمع ممنهج، وبلاد كانت تعتبر مخزوناً عالمياً للحبوب وصارت تابعة اقتصادية، وجنوب انفصل وأقاليم تسعى للانفصال، وهوية عربية / أفريقية متداخلة ومعقدة لم تحصل من الشقيقات العربيات إلا على الإهمال، هي السودان اليوم التي يريد شعبها الحياة بكرامة ولا بد أن يستجيب له القدر ولو بعد حين.

المصدر تلفزيون سوريا
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل