اللاذقية – خاص حرية برس:
تسبب قصف قوات الأسد لجبلي الأكراد والتركمان بريف اللاذقية الشمالي خلال السنوات الماضية بحرق ما يقارب 70% من الغابات والأراضي الزراعية التي كان يعتمد معظم سكان المنطقة عليها في دخلهم، وبسبب غياب الاستقرار وفقدان معظم المدنيين لمصدر دخلهم الأساسي تحول الكثير منهم للعمل في قطع أشجار الغابات المحترقة وبيع حطبها لتوفير ما يحتاجونه من مال للعيش، مما أدى إلى تحول تلك المناطق من مصايف تشتهر بكثافة غاباتها وجمال مناظرها إلى جبال جرداء.
جريمة بحق الثروة البيئية
لكن ما يحدث هذا العام مختلف عما جرى خلال الأعوام الماضية بحسب ما أكد عدد من الأهالي لـ”حرية برس”.
“أبو محمد” أحد سكان جبل التركمان قال إن هناك بعض الفصائل العسكرية قطعت كميات كبيرة من الأشجار الخضراء التي لم يطلها القصف ولم تحرقها النيران، لتكمل ما بدأه نظام الأسد من تدمير لغابات المنطقة، من دون أن يتمكن أحد من إيقافها.
وبحسب “أبو محمد” فإن أبرز الفصائل التي تعمل على قطع الغابات الخضراء “الحزب الإسلامي التركستاني” (فصيل إسلامي قدم منتسبوه من تركستان)، بهدف توفير مصدر لتمويل نفسه، وأشار إلى محاولة بعض الفصائل المنتشرة بريف اللاذقية منع “الحزب” عن قطع الأشجار الخضراء دون جدوى.
وأردف المصدر بالقول إن الفصيل قطع ما يزيد عن 1000 طن من الأشجار الخضراء من غابات جبل التركمان التي لا تزال تحت سيطرة الثوار، وذلك في الأشهر الماضية فقط، دون أن يتمكن من إخراج شيء من الكمية المقطوعة حتى الآن بسبب خلافات بينه وبين فصائل ثانية كانت قد منعت تجارة الحطب وتحديداً الأخضر منه في وقت سابق.
كميات “عالقة”
وفي حديث لـ”حرية برس” قال (أبو زيد) وهو قائد عسكري في صفوف الجيش الحر بريف اللاذقية إن الفصائل العسكرية عملت خلال الفترة الماضية على نشر عدد من الحواجز على مدخل جبل التركمان لمنع عملية قطع الحطب والأشجار منه، بسبب قربه من مراصد نظام الأسد ولما يشكله هذا العمل من خطر على مستقبل المنطقة الحيوي.
واتفقت الفصائل بحسب “أبو زيد” على أن يقطع كل فصيل حاجته وحاجة عناصره من حطب للتدفئة في فصل الشتاء -لا للتجارة- وأن لا تتجاوز الكمية المقطوعة 100 طن، مضيفاً أنه تم منع تجار الحطب من الدخول للمنطقة كونها منطقة عسكرية تشهد اشتباكات بشكل مستمر.
وأوضح محدثنا أنه تم تحديد فترة يومين لكل فصيل ريثما يخرج حاجته من الحطب من جبل التركمان وهذا ما رفضه “الحزب الاسلامي التركستاني” لسبب أساسي أنه قطعة كمية كبيرة بهدف التجارة ولا يمكنه أن يخرجها خلال يومين بل يحتاج لوقت أطول من ذلك بكثير.
وأضاف: قوبل تصرف “الحزب التركستاني” بغضب من قبل أغلب الفصائل العاملة في الساحل لما فيه من جريمة بحق الغابات، وبقي الحطب الذي قطعه الحزب في جبل التركمان إلى الآن دون الوصول لحل بين الفصائل.
وحاول “حرية برس” التواصل مع قادة بالحزب التركستاني ولم يحصل على رد.
انعدام المسؤولية
يقول “أبو خالد” وهو تاجر حطب من المنطقة: بعد قطع أغلب الأشجار المحترقة خلال السنوات الماضية يعمل الأهالي هذا العام على قلع جذور الأشجار من الأرض وبيعها لتأمين احتياجات أسرهم، وأغلب من يعمل في قطع الحطب هم الأهالي المهجرون من قراهم الذين يسكنون الخيام ولا يملكون عملاً آخر.
وينقل التجار بحسب “أبو خالد” الحطب إلى مناطق إدلب وريفها ليبيعوه هناك، أما عن الحطب الأخضر فقال محدثنا: لا نعمل به، تصادر الفصائل الحطب الأخضر ولكن في حال أعلنت الفصائل نيتها بيع الحطب الأخضر نقوم بشرائه وبيعه لمعامل الخشب ومراكز تصنيع الأثاث المنزلي.
وعما يحدث في جبل التركمان قال: في حال أخرج الحزب التركستاني ما قطعه من حطب من جبل التركمان ونقله إلى حدود إدلب بالتأكيد سأشتري منه فهدفي هو الربح وبالنهاية لقد قاموا بقطعه، ويستطرد قائلاً: رغم حزني على ما فعلوا لكنها فرصة جيدة لكسب المال حيث إن الفصائل يمكن أن تبيع الحطب بسعر مغرٍ وهنا تكون فرصتنا لتحقيق مرابح إضافية.
جهود لإحياء الغابات
من جهتها تعمل عدد من المنظمات المحلية على حماية ما تبقى من غابات ريف اللاذقية لما تشكله من أهمية للمنطقة، وفي هذا الإطار أطلقت عدد من منظمات المجتمع المدني تحت إشراف منبر الجمعيات السورية حملة قبل مدة تحت اسم “فليغرسها” بهدف زراعة مليون شجرة في غابات ريف اللاذقية وريف إدلب الغربي التي تعرضت للحرق والتخريب.
وذكر “محمد” أحد العاملين ضمن الحملة في حديث لـ”حرية برس” أن الحملة هدفها “إعطاء الحياة مليون غرسة وإعادة الغطاء النباتي للمنطقة، منطلقين من قول الرسول الكريم إذا قامت القيامة و في يد أحدكم فسيلة فليغرسها، وفي حال استقر الوضع خلال الفترة القادمة سيكون وجود الأشجار الصغيرة بداية الطريق لإعادة ما دمره نظام الأسد خلال السنين الماضية”.
وعن آلية عمل الحملة أشار المصدر إلى أن الحملة تضم ما يزيد عن 120 متطوعاً يعملون على تشجير الغابات المحترقة بالإضافة لقيام الحملة بإنشاء مشتل أشجار خاص بها قدرته الإنتاجية تقارب 5000 غرسة كل ثلاثة أشهر، إضافة لوجود عدد من المصادر الثانية التي تتلقى منها الحملة الغراس.
يذكر أن القصف العنيف من قبل قوات الأسد لمناطق ريف اللاذقية خلال السنوات الماضية تسبب بتعطيل أغلب مقومات الحياة، علاوة على تهديد الثروة البيئية، وقد تعرضت معظم المرافق العامة لتدمير كامل أو جزئي من مشافٍ ومحطات مياه وطرق مواصلات، في حين تعمل بعض المنظمات على إعادة تفعيل وإصلاح بعضها لتوفير الخدمات للمدنيين.
عذراً التعليقات مغلقة