هدى بلال – حرية برس:
لم يعد خافياً على أحد ما أحدثته الثورة الرقمية في العالم من قفزات هائلة، هي بمثابة ثورة حقيقة، قربت البعيد، وجعلت المستحيل متداولاً، على كافة الأصعدة المعرفية والعلمية والإجتماعية.
فما كان يحتاج الإنسان للوصول لمعرفته جهداً جهيداً، وبحثاً متواصلاً ، يكلف الباحث عمراً وجهداً مضنياً، بات الحصول عليه في غاية السهولة وبلا تعقيدات، فالمعلومة باتت متاحة للجميع، وبمقدور أي متصفح أن يكتب عنواناً صغيراً على محرك البحث في الشبكة العنكبوتية، أوما يعرف بشبكة الانترنت، لتطل عليه الأجوبة المتنوعة، والخطط المتعددة.
هذه الثورة في المعلومات والاتصالات، المتكاملة الجوانب، تتطور كل يوم، بل كل لحظة، وتنفتح فيها آفاق جديدة لكل حديث، ومن ذلك الهواتف الذكية وبرامج الاتصال الالكترونية، أو ما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي، كسناب شات والانستغرام وقنوات اليوتيوب، وهي نوافذ للإنسان نحو العالم، تشهد إقبالاً كبيراً، ومرضياً أحياناً من كافة الشرائح العمرية، وخاصة الشباب الصغار، من كلا الجنسين.
ويشكل الانجذاب من قبل فئة المراهقين لهذه البرامج والتطبيقات ظاهرة، تبدو عند البعد مشابهة للإدمان، وتثير أسئلة كثيرة، من أبرزها السؤال عن الاسباب التي تدفع المراهقين لإدمان تلك البرامج؟
الناشط في حقوق الإنسان تامر تركماني لـ “حرية برس” أن جيل الشباب في سوريا لم يكن يمتلك سابقاً، قبل الثورة السورية، الخبرة الكبيرة في استخدام السوشيال ميديا “وسائل التواصل الإجتماعي” وخاصة اليوتيوب، إذ لم يكن من السهولة توفر أجهزة حاسوب؛ ولاشبكة أنترنت قوية، ولا آلات تصوير، ولم يكن إنشاء قنوات يوتيوب يلقى تشجيعاًمن الأهالي، بسبب الخوف من الرقابة الشديدة التي يفرضها النظام وأجهزته الاستخباراتية على مواقع النت”.
ويضيف تركماني: “أما اليوم فالإقبال على متابعة الانترنت صار أكبر، عموماً، وإنشاء قنوات اليوتيوب، خصوصاً، سهل جداً؛وخاصة بعد انتشار أجهزة الهواتف المتطورة ؛ التي تحتوي على كاميرات عالية الجودة في التصوير، إضافة إلى برامج المونتاج، تلك الأشياء جعلت الشباب الصغار يثقون بأنفسهم، ويبنون عالمهم الإفتراضي كما يحلمون، وباتت قنوات اليوتيوب الخاصة بهم هي عنوان شخصياتهم، مهما كانت نوعية المواد التي تعرض فيها، كما أن توفر الانترنت بشكل شبه مجاني حفزهم على المضي قدماً، وطرح أفكارهم وبلورتها بشكل سهل”.
وتكشف الخبيرة النفسية سارة عنبر لـ “حرية برس” عن أسباب كثيرة تقف وراء انتشار قنوات اليوتيوب والفيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي كافة، بين الشبان الصغار السن، أوما يعرف باليافعين: “الشباب في هذه المرحلة يمرون بمرحلة نضج فكري ونفسي وحركي وجسمي، وبالتالي هم يتمسكون بأي حبل أو أي خيط يهدف للإستقرار في حياتهم المهنية والإجتماعية والتعليمية، وفي غياب الحياة المهنية؛ فإن هذه الفئة من الشباب تهدف من تصوير ونشر هذه الفيديوهات وانشاء القنوات لأثبات الذات أو لإرواء الفضول”.
وتضيف سارة عنبر: “فئة الشباب في هذه المرحلة الحرجة من السن تميل إلى تقليد وتجريب عدة أشياء في وقت واحد، كقص الشعر بشكل غريب؛ أوالرقص في الشارع؛ أو مايعرف برقصة الكيكي”، وتلفت الخبيرة عنبر إلى ضرورة عدم رفض هذه الظاهرة بشكل جذري طالما أنها لاتؤذي الشاب أو الشابة أوتحرفه عن مساره الأخلاقي.
وتوضح عنبر أن بعض الشبان الذين يدمنون وسائل التواصل الأجتماعي بكافة برامجها غالباًمايعانون من فراغ روحي واجتماعي، زإنه و للحد من هذه الظاهرة؛ فإن “علينا بث رسائل توعوية غير مباشرة في وسائل التواصل الاجتماعية نفسها، وعلينا أن نطور أساليب ووسائل التعليم المتضمنة رسائل تربوية أخلاقية، وخاصة في تعليم هذه الفئة من الشبان والشابات لجذب انتباههم بشكل غير مباشر”.
وعن رأيها في أسباب اندفاع الشباب اليافعين لإنشاء قنوات يوتيوب خاصة بهم، تقول المختصة النفسية كوثر عيسى أن السبب وراء ذلك يعود لغياب الأهل عن متابعة ومراقبة أطفالهم من الناحية النفسية والفكرية، فالطفل في هذه السن كما تقول كوثر عيسى، “ذو مشاعر متقلبة، و إذا لم يجد من يحتوي تلك المشاعر من أهله، فانه يلجأ الى طريقة للتعبير عن مشاعره، حتى وإن كان الطريق والاسلوب خاطئاً. وعليه فإن غياب الاهل نفسياًواجتماعياً هو من يدفعهم لتفريغ طاقاتهم”.
وتوضح الخبيرة كوثر عيسى أن قنوات اليوتيوب والانترنت تعتبر متنفساً للتخلص من الضغوطات والنتائج السلبية للحرب، وشددت على ضرورة أن يحتوي الاهل أبنائهم في هذا العمر، ﻷنهم يمتلكون طاقة غير محدودة نفسية حسية حركية فكرية.
وأضافت عيسى: لكي نحد من هذه الظاهرة فإن علينا زج هؤلاء الشبان اليافعين في برامج تمكين تعليمية وتربوية وخاصة في أوقات العطل الصيفية لتعزيز قدراتهم واستغلالها بشكل صحيح.
عذراً التعليقات مغلقة