أمجد الساري – حرية برس
تتواصل المعارك العنيفة بين تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ومليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة من قوات التحالف الدولي، في آخر جيب يسيطر عليه التنظيم شرق نهر الفرات، حيث تحاول “قسد” منذ عدة شهور، القضاء على التنظيم وطرده من آخر معاقله شرقي ديرالزور.
وعلى الرغم من الإمكانيات العسكرية الكبيرة التي تملكها قوات التحالف الدولي، وكثافة التمهيد الجوي والمدفعي للقوات المهاجمة، إلا أنها فشلت حتى هذه اللحظة في السيطرة على آخر جيوب التنظيم، بل وتكبدت مليشيا “قسد” خسائر فادحة في الأرواح والعتاد جراء المعارك التي خاضتها ضد تنظيم “داعش” في عدة مناطق.
مصادر خاصة لحرية برس أكدت وصول تعزيزات عسكرية كبيرة لمليشيا “قسد” إلى أطراف مدينة هجين الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش، بهدف شن عملية عسكرية كبيرة على مناطق التنظيم، ومن بين التعزيزات، عناصر يتبعون لـ”جيش الثوار” و”مجلس منبج العسكري”، حيث بدأت المعركة صباح اليوم بهجوم كبير لتلك القوات على مناطق التنظيم، وسط أنباء عن تقدم القوات المهاجمة وسيطرتهم نارياً على مشفى مدينة هجين.
لا حسم في الوقت القريب
وحول الأسباب التي منعت قوات التحالف الدولي من بسط السيطرة على آخر معاقل “داعش” شرقي الفرات حتى اللحظة، قال الصحفي صهيب الجابر الناطق باسم “شبكة فرات بوست” لحرية برس إن “التحالف الدولي وبالرغم من إعلانه عن بدء المرحلة الأخيرة من العمليات العسكرية برفقة “قسد” للقضاء على تنظيم داعش، إلا أنهم “غير منطقيين” في هذا الإعلان والبروبوغاندا الإعلامية، والسبب بسيط جداً، هو أنهم “غير قادرين” عملياً على القضاء على التنظيم على الأقل في العام المقبل ولربما إلى أكثر من ذلك، بسبب تفوق التنظيم عسكريا، فضلا عن وجود أوراق ضغط بحوزة التنظيم.
وأشار الجابر إلى وجود أكثر من 800 مختطف بيد التنظيم، بينهم صحافيون وشخصيات مهمة ورهبان يفاوض عليهم الفاتيكان، مضيفاً بأن الأخير وجه تعليمات صارمة للتحالف بعدم إلحاق أية أضرار بالرهائن المتحتجزين لدى “داعش”، كما أن التنظيم لا يكترث لمسألة الحفاظ على خارطة السيطرة والنفوذ، وإنما يتبع استراتيجية تنظيم القاعدة المعهودة في القتال بطريقة “الذئاب المنفردة” أو الخلايا النائمة في مناطق خارجة عن نفوذه وسيطرته، وطوال الفترة الماضية كان التنظيم يقاتل “في ساحة الخصم” حتى عندما كانت جحافل “قسد” على مشارف هجين آخر المدن الخاضعة لسطوته.
وبحسب هذه المعطيات فإن موقف التحالف وقسد حرج وسيحرجون أنفسهم أكثر فيما إذا تابعا الإعلان عن “المرحلة الأخيرة.”
وأضاف الجابر “التحالف أعلن عن حملة القضاء على داعش حتى اللحظة أربع مرات، وجميع هذه الحملات انتهت بالفشل، وجميع التعزيزات إلى المنطقة كان مصيرها الخسارة ومقتل وهرب مئات العناصر خلال المعارك، وحتى التعزيزات الأخيرة من “جيش الثوار” من المتوقع أن تفشل في تحقيق غاية التحالف الدولي”.
بدوره اعتبر الصحفي محمد حسان أن قيام التحالف بالاستعانة بجيش الثوار ومجلس منبج العسكري وإشراكهم في المعارك، يدل على جدية التحالف في مسألة القضاء على “داعش”، لكن المعطيات الموجودة على الأرض تشير إلى أن المعركة ستكون طويلة الأمد ويمكن أن تستمر لستة شهور وذلك لعدة أسباب أهمهما، أن التنظيم مجبر على القتال في هذه المناطق لأنه ليس لديه أية خيارات أخرى، الأمر الآخر وجود مقاتلين أجانب ضمن صفوف التنظيم، فهم يقاتلون بشكل مستميت حتى يحصلوا على شروط معينة، يقومون بموجبها بعقد صفقات مع التحالف الدولي على غرار ما حصل في مدينة الرقة.
وأضاف حسان في حديث لحرية برس “بالنسبة للشروط، قد يشترط التنظيم على التحالف الدولي، خروجاً آمناً لعناصره إلى مناطق أخرى، ولكن هذا الأمر قد يكون صعباً نوعاً ما، بسبب تواجد نظام الأسد والروس في الجهة المقابلة لمناطق داعش، ولن يسمحوا لعناصر التنظيم بالدخول إلى مناطقهم، أما بالنسبة للطرف العراقي، فلا يمكن للحكومة العراقية أن تسمح بعودة داعش مرة أخرى إلى العراق، وبالتالي فإن الحل الوحيد هو الحسم العسكري بشكل كامل، بحيث يتم تأمين عوائل التنظيم، وتسليم المقاتلين الأجانب لدولهم، وهذه المعركة إما أن تثمر عن القضاء على التنظيم كليّاً في مناطق شرقي الفرات، أو تثبت فشل التحالف وقسد عسكرياً وبالتالي فإن بقاء التنظيم سيمتد لفترات أطول وسيتمدد إلى مناطق جديدة أخرى”.
وأشار حسان إلى أن “الاستراتيجية التي يتبعها التنظيم في قتاله ضد مليشيا “قسد” صعبت المهمة على التحالف الدولي، فالتنظيم عمل على اختراق مناطق سيطرة مليشيا “قسد”، عن طريق خلاياه المنتشرة بشكل كبير في تلك المناطق، حيث نفذت عمليات اغتيالات وتفجيرات بحق عناصر وقادات من “قسد”، الأمر الذي تسبب بحدوث حالة من الفلتان الأمني وعدم الشعور بالأمان بالنسبة للأهالي”.
سياسة الأرض المحروقة
ومع فشل قوات التحالف الدولي في السيطرة على آخر معاقل داعش، كثّفت طائرات التحالف الدولي من غاراتها الجوية بعضها بالقنابل الفوسفورية المحرمة دولياً، على مناطق هجين والشعفة والسوسة الخاضعة لسيطرة التنظيم، الأمر الذي تسبب بحدوث عشرات المجازر بحق المدنيين، فضلاً عن تدمير المشافي والأسواق والأماكن السكنية بشكل عشوائي دون الاكتراث لحياة المدنيين.
وفي هذا الصدد يرى “الجابر” أن ما يحدث فعلياً هو تنفيذ لسياسة الأرض المحروقة من قبل قوات التحالف الدولي، وهذا يأتي انطلاقاً من حالة الضعف التي يعيشها المهاجمون، مشيراً إلى حدوث عشرات المجازر راح ضحيتها مئات المدنيين خلال الأسابيع الماضية في السوسة، الشعفة، البكعان وأطراق هجين، واصفاً ما يحدث بالصورة الكارثية التي لا يمكن أن تتكرر عبر التاريخ “تصفية جماعية” يذهب ضحيتها المدني أولاً، ويتضرر منها التنظيم بشكلٍ بسيط لا يذكر.
وأضاف الجابر “الإحصائية الأخيرة التي وثقناها بينت استشهاد أكثر من 200 مدني خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني معظمهم على يد التحالف وقسد، ومن بقي من الأربعين ألف مدني في المناطق الخاضعة لسطوة داعش ما يزالون يواجهون الإعدامات الميدانية، التجويع، الحصار المطبق، وانتظار حتفهم المحتم في ظل هذه الانتهاكات من جميع الأطراف، وحتى من يحاول الفرار من هجين ومحيطها يتوجب عليه الزحف لمسافة 3 كم، على مرمى نيران قسد وداعش والتحالف كي يجد نفسه في نهاية المطاف -إن استطاع النجاة- معتقلاً في معسكرات اعتقال أقل ما يقال عنها أنها عنصرية”.
وكانت عشرات العائلات قد خرجت في الأيام الماضية من مناطق سيطرة “داعش” عن طريق معبر العلواني إلى مناطق سيطرة مليشيا “قسد”، حيث تم احتجازهم واقتيادهم إلى حقل العمر النفطي للتحقيق معهم، قبل أن يتم تحويلهم إلى أحد المخيمات في التابعة لتلك المليشيا في ريف ديرالزور الشرقي.
الجدير بالذكر أن عشرات الآلاف من المدنيين يتواجدون داخل آخر جيب يسيطر عليه تنظيم “داعش” شرقي الفرات، ويعانون أوضاعاً إنسانية كارثية للغاية بسبب استمرار الحصار الخانق، واستمرار العمليات العسكرية على مناطق سيطرة التنظيم، واستمرار القصف العنيف من قبل طائرات التحالف الدولي، الذي أسفر عن حدوث عدد من المجازر، وسقوط أكثر من 850 شهيد مدني، منذ انطلاق معركة “دحر الإرهاب” التي أطلقتها مليشيا “قسد” ضد تنظيم “داعش” بغية طرده من آخر معاقله شرقي سوريا.
عذراً التعليقات مغلقة