هل ترغم العقوبات الأمريكية إيران وميليشياتها على الخروج من سوريا؟

فريق التحرير13 نوفمبر 2018آخر تحديث :
عناصر من مليشيات مدعومة إيرانياً شرقي دير الزور – أرشيف

أحمد زكريا – حرية برس

تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية أن بقاء قواتها في سوريا هدفه القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وضمان عدم عودته، إضافة إلى ضمان خروج إيران وقواتها من سوريا، والعمل على الوصول إلى حل سياسي بموجب القرار رقم 2254.

وكان ممثل الولايات المتحدة الخاص بشأن سوريا السفير “جيمس جيفري”، قال في مؤتمر صحفي عبر الهاتف، قبل أيام، من “فيينا”: نتحدث عن إيران باستمرار كهدف مواز لهزيمة “داعش” لأننا نعتبر المسألتين مرتبطتين بشكل وثيق من جوانب عدة”. وأضاف: “نحن نعتبر سحب إيران للقوات ضرورياً جداً لصون السلام”.

وسبق تلك التصريحات، دخول “العقوبات الأمريكية” التي فرضتها على إيران حيّز التنفيذ، أوائل الشهر الحالي، لتكون تلك العقوبات الثانية من نوعها عقب انسحاب طهران من الاتفاق النووي، في وقت تأمل فيه واشنطن أن تجبر تلك العقوبات إيران على تغيير سلوكها الذي وصفته بالخبيث في عموم المنطقة.

وتطال العقوبات الأمريكية المؤسسات والموانئ والأساطيل البحرية الإيرانية، بهدف تقليص قدرة إيران على متابعة أنشطة تهريب السلاح إلى الدول المجاورة من أجل زعزعة استقرارها، بالإضافة لقطاعات الشحن والطاقة والمالية، يضاف إلى ذلك إدراج 700 اسم جديد على صلة بإيران ضمن القائمة الأمريكية السوداء.

ويتساءل مراقبون ومحللون سياسيون، إنه وبعد بدأ الولايات المتحدة تنفيذ حزمة من العقوبات الجديدة ضد إيران، ومن أبرزها منعها من تصدير نفطها، هل سيجبر ذلك إيران على سحب قواتها من سوريا؟ خاصة وأن من الأهداف التي أعلنتها أمريكا من خلال تلك العقوبات أنها تريد الضغط على إيران من أجل سحب ميليشياتها من سوريا، وتغيير سلوك النظام الإيراني، والتوقف عن زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.

لغة المصالح سيدة الموقف

الكاتب والمحلل السياسي “أحمد مظهر سعدو” يرى أن الإدارة الأميركية كان همها الأساس تحجيم الدور الإيراني في المنطقة، الذي تجاوز كل حد عبر تدخل إيران في العديد من المواقع والساحات العربية، وأضحى يقترب أكثر وأكثر من (الحدود الإسرائيلية الآمنة)، كما هو مفترض، وقد أصرت الإدارة الأميركية في غير اجتماع مع الروس على ممارسة الضغوط الروسية لخروج الإيرانيين من سورية، ومن ثم عودة إيران إلى حدودها الجغرافية، دون استمرارها والخروج من أجل تصدير ثورتها، التي باتت مقلقة للأمريكان، ولكل دول المنطقة الحليفة للأمريكان أو الصديقة لهم.

وأضاف في حديثه لحرية برس: إن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط وخاصة في سورية، يهمها تأمين مصالحها ومصالح وإسرائيل أولاً، ولا هم آخر لديها، فإن استطاعت دولة “الملالي” الإيرانية، تقليص نفوذها، أو على الأقل التفاهم مع الأمريكان عبر وقف هذه التمددات المتواصلة، بحيث تكون تحت التوجيهات والأنظار الأميركية وليس خارجها، وقتها لا أعتقد أن ذلك سيشكل مشكلة للأمريكان، وبالتالي فإن من يقرأ السياسات الإيرانية يجد أنها ليست مبدئية ولم تكن كذلك، ولا يهمها أيضاً سوى بقاء الأخطبوط الإيراني، حتى لو تحالف مع الشيطان الأكبر.

واستبعد ” مظهر سعدو” أن يكون الهدف من تلك العقوبات هو القضاء على إيران، لافتاً في الوقت ذاته إلى لغة المصالح والتي هي سيدة الموقف وقال: إن العقوبات الأميركية لم تكن غايتها إنهاء إيران، أو اسقاط الكيان الإيراني، بل عودة إيران الى المظلة الأميركية، وليس ذلك على الإيرانيين بمستحيل، وهم من لهم الباع الكبير في ذلك، وفضيحة (إيران غيت) ليست بعيدة عنا، كما أن الاتفاق (تحت الطاولة) مع البريطانيين إبان حرب الخليج والعدوان الأميركي البريطاني على العراق، وإسقاط نظام صدام حسين، والذي أدى إلى توافق بريطاني إيراني على اقتسام الجنوب العراقي. لكن ذلك مرهون بتغير جديد واستدارة في السياسة الإيرانية، وهذا ليس خارج التوقعات، ولا بعيداً عن متناول اليد في السياسة الإيرانية أو الأميركية.

أمريكا غير جادة في موقفها ضد إيران

وكان مبعوث الرئيس الأميركي إلى سوريا “جيمس جيفري” قال في تصريحات صحفية: إن إدارة “ترامب ” تركز الآن، أولاً وقبل كل شيء، على عكس الصفقة النووية من أجل وضع إيران تحت ضغوط مالية. وتركز ثانيا على مواجهة نشاطات إيران بشكل نشط أكثر، لا سيما في العراق وسوريا واليمن، وهذا محور تركيز الكثير من سياستنا في الشرق الأوسط الآن.

وفي هذا السياق، قلل الباحث في الشأن الإيراني “حسن راضي” من جدية أمريكا في سياستها تجاه إيران في المنطقة وقال: إن أمريكا غير جادة وما تزال غير جادة بما يخص سحب إيران لميليشياتها من المنطقة، بل إن أمريكا تتعامل مع إيران وميليشياتها في العراق مثلاً وفي مناطق أخرى من أجل الوصول إلى أهداف مشتركة تحت غطاء محاربة الإرهاب وغير ذلك.

واعتبر “راضي” في تصريحات لحرية برس: أن الشروط التي وضعتها أمريكا وعددها 12 شرطاً، والتي تتضمن سحب إيران ميليشياتها من المنطقة وبما يخص الارهاب وغير ذلك، أدوات للضغط على طهران للوصول إلى هدفين أساسيين: الأول فيما يخص الملف النووي أي اتفاق جديد مع أمريكا، والهدف الثاني ايقاف وتجميد برنامجها الصاروخي وخاصة “الصواريخ الباليستية”، وبالتالي إجبار إيران على تغيير سلوكها في التعامل مع أمريكا.

واستبعد الباحث في الشأن الايراني أن تمارس أمريكا ضغوطاً فيما يخص التواجد الايراني في سوريا والعراق، خاصةً وأن القيادي في القوات الإيرانية “قاسم سليماني” على قائمة ارهاب أمريكا ونراه يصول ويجول في سوريا والعراق، على حد تعبيره، مضيفاً أن كل القضايا التي تطرحها أمريكا لفرض شروط على طهران ليس أكثر.

ولفت “راضي” إلى أن من سيطرد إيران وميليشياتها من سوريا هم السوريون وحدهم، وبعد تغير نظام الأسد من الممكن أن يأتي نظام وطني فيطرد كل الأجانب بمن فيهم الميليشيات الايرانية من سوريا، وغير ذلك فإنه لا الولايات المتحدة ولا أي جهة أخرى راغبة بطرد إيران من المنطقة، على حد تعبيره.

وأعرب “راضي” عن اعتقاده بأن النظام الإيراني هذه المرة لن يتمكن من مواجهة العقوبات، كون الوضع الاقتصادي والأمني والإنساني والسياسي على حافة الهاوية، والنظام الايراني لا يمتلك حلولاً إلا الخضوع للشارع الايراني.

وأكد أنه بالنتيجة النهائية على المدى المتوسط وليس القريب، فالنظام الايراني إما سيخضع للشروط الأمريكية وإما سيواجه الانهيار الداخلي نتيجة الصراعات الداخلية بين تيارات النظام، ونتيجة الاحتجاجات والمظاهرات الداخلية.

التواجد الإيراني في سوريا لا يحكمه منطق العقوبات

الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية “معن طلاع”  أعرب خلال حديثه لحرية برس، عن اعتقاده بأن الربط أمريكياً بين العقوبات والتموضع الإيراني في سورية هو ربط غير موضوعي؛ ويؤكد على عدم تماسك الاستراتيجيات الأمريكية التي اتسمت في العقد الأخير بأنها شديدة التحول والتغير؛ فمن جهة أولى ولمن يدرك مدلولات حركية طهران في سورية التي باتت جزءاً عضوياً ونوعياً في هيكلية النظام وشبكاته المتحكمة في المستويات الأمنية والعسكرية والاقتصادية وحتى السياسية؛ فإن أي عقوبات إن لم ترافقها إجراءات صلبة تجاه نظام الأسد فهي فاقدة الأثر، فطالما الأخير يسير باتجاه حلوله الصفرية دون اعتراض فإن مشروع طهران يسير نحو غايته المرجوة إيرانياً.

ومن جهة ثانية فإن التموضع العسكري والأمني الإيراني في سورية لا يحكمه فقط منطق العقوبات، بل العديد من القضايا المرتبطة بالعراق وفواعله المحلية المرتبطة بالإدارة الإيرانية، والمرتبطة باستراتيجية موسكو وعودتها النوعية إلى المياه الدافئة؛ موسكو التي لا تزال ترى في طهران حليفاً ضرورياً في هذه الفترة ولطالما صرحت بعدم رغبتها في تحجيم الدور الإيراني، سواء بحكم الضرورة والهشاشة العسكرية للنظام لا سيما بموارده البشرية؛ أو بحكم قدرة إيران على “ملء الفراغ” في معظم مناطق الجغرافية السورية، باستثناء مناطق المعارضة.

وأضاف، إنه وبعيداً عن منطق تخفيف الأثار الاقتصادية لتلك العقوبات؛ فإن قراءة أبعاد اتخاذ هذا القرار وتداعياته المحتملة على مكانة ايران في سورية؛ فإن هذا القرار سيكون فاقداً للأثر إن لم يرتبط بإعادة تعريف الولايات المتحدة لصراعات المنطقة وفهم مسبباتها وفهم المداخل الرئيسية للاستقرار، فإنه سيبقى قراراً نشهد آثاره على الداخل الإيراني دون أثر واضح على تموضع طهران الذي بات أكثر نوعية ومرتبطٌ بارتباط حكومات لبنان وبغداد ودمشق، التي أضحت تسير ببوصلة إيرانية ووفقاً للعديد من الشبكات المحلية المدعومة ايرانياً، تلك الشبكات التي تعنى بدرجة رئيسية بالعبث بمعادلات الأمن المحلي والإقليمي.

عقوبات ستؤثر على الشعب الإيراني

وترافقت حزمة العقوبات بتطورات تمثلت بإعفاء أمريكا ثماني دول من العقوبات النفطية التي فرضتها على إيران، وهي “الصين والهند واليونان وإيطاليا وتايوان واليابان وتركيا وكوريا الجنوبية” وذلك بصورة مؤقتة.

في مقابل ذلك، توعد الرئيس الإيراني “حسن روحاني”، بالالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، تزامناً مع دخول الحزمة الثانية منها حيز التنفيذ، معتبراً أن تلك العقوبات غير مشروعة وظالمة لأنها تخالف القوانين الدولية، على حد وصفه.

وفي هذا السياق، رأى “يمان دابقي” الباحث في “مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية” أن فرض العقوبات الاقتصادية بالحزمة الثانية على إيران لن تؤثر إلا على الشعب الإيراني، فإيران لديها كل الإمكانات للالتفاف على العقوبات، ما يعني أن هدف ترامب جنيُ مكاسب اقتصادية قبل أهدافه السياسية وهي الحصول على مصادر الطاقة بأبخس الأثمان، والسعودية مثال واضح، إضافة إلى الدول المستثناة الثمانية والتي تُعد رخصة ترامب مقدمة لإيران ورئة التنفس للاقتصاد الإيراني ما يعزز طرح عدم مبالاة ترامب بنفوذ إيران في سورية والأخيرة ماضية في سياسة التمدد الشيعي آخرها جنوب سورية وبناء ثلاثة قواعد عسكرية منها “اللجاة”.

وتابع قائلاً لموقع حرية برس: إنه لو نظرنا لسلوك إيران بين فترتي انسحاب أمريكا من الاتفاق وحتى غاية حزمة العقوبات الثانية، نرى بأن إيران غير مهتمة بأي عقوبات، لعدة اعتبارات: أولها إدراكها التام بأن تاريخ العلاقات الأمريكية الاسرائيلية الإيرانية هو تاريخ حافل بالإنجازات الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط ، فإيران حققت لإسرائيل وأمريكا أهدافاً على مدار مئة عام قادمة، سيما أن اسرائيل كانت غايتها تجييش العداء بين السنة والشيعة لتدمير المنطقة، ولم ترَ أفضل من إيران لتنفيذ هذه المهمات التي سمحت لها احتلال أربعة عواصم عربية على مرأى ومسمع العالم باستثناء إبعاد ميليشياتها بمسافة 80 كم من منطقة الحدود مع الجولان، وهذا الكلام بنفي أي عداء (إسرائيلي – إيراني) في المنطقة، فقط المسألة متعلقة باحتواء وتنظيم تواجد إيران بشكل لا يضر مناطق النفوذ الاسرائيلي.

خيارات إيران لمواجهة العقوبات

وبالعودة للعقوبات، يضيف “دابقي” أنه يمكن القول إن ترامب لا يريد الوصول مع إيران لمعادلة “صفر” مع إيران بغية الوصول لعودة إيران لطاولة التفاوض بملفي النووي وملف الصواريخ الإيرانية، ولتحقيق هذا الغرض لا بد من الضغط على إيران من النافذة الاقتصادية، لأن إيران تعتمد باقتصادها على 65 % من صادرات النفط كانت تصدر 2 ونصف مليون برميل يومياً، ويتوقع مع الحزمة الثانية انخفاض معدل صادرات النفط إلى مليون برميل يومياً.

وفيما يتعلق بخيارات إيران لمواجهة العقوبات الأمريكية التي باطنها اقتصادي وظاهرها سياسي، فإن “دابقي” يرى أن:

– إيران لها بال طويل بالتعامل مع فرض العقوبات منذ 40 عام مضت، حتى أن العقوبات فرضت عليها في مرحلة ما قبل انتصار الثورة الإيرانية 1979، ونجحت بالتعافي منها.

-من المرجح أن إيران ستلجأ لتنويع السوق النفطي الإقليمي ودول الجوار في تصدير نفطها، مع تقديم بعض الامتيازات لدول الجوار، ومع الاتحاد الأوربي قد تطبق آلية المقايضات النفط مقابل السلع الغذائية والاتحاد الأوربي الرافض للعقوبات الإيرانية يدرس بجدية إنتاج هذه الآلية.

– الدول الثمانية التي استثنيت من التعامل مع العقوبات هي الأكبر استيراداً لنفط إيران، وعلى رأسها كوريا والصين وتركيا، ستقوم هذه الدول بإيداع العملة الصعبة لاستراد النفط، وسيكون لإيران الحق بصرفها في الجوانب الإنسانية والخدمية، ما يؤكد أنها رئة لإيران لعدم قطع شعرة معاوية مع ترامب، والتفكير بشكل جدي للعودة للمفاوضات.

– اقتصاد إيران الريعي من المؤكد سيتأثر من خلال فرض العقوبات، لكنه لن يقود لانهيار كلي وهي غاية ترامب للحفاظ على توازن عالمي في أسعار الطاقة.

– ستتخذ إيران من سورية والعراق سوقاً محلياً لتصدير منتجاتها، وستزاحم روسيا حتماً وتركيا في شرق الفرات للسيطرة على آبار نفطية كتعويض عن تقليص إنتاج النفط اليومي/ والذي متوقع أن ينزل إلى مليون برميل فقط من أصل 2 ونصف مليون.

– أخيراً، ستلجأ إيران لطرق غير شرعية وسرية للتعامل مع بعض الدول في المعاملات الرقمية البعيدة عن الاختراق، بهدف الحصول على بعض العملة الصعبة.

ولفت “دابقي” إلى أنه ومن خلال المعطيات المذكورة وسياسة الردع الإيراني للعقوبات الاقتصادية، يتضح أن أمريكا لا يهمها أبداً التواجد الإيراني في سورية، بل إن أمريكا تتخذ من إيران وسيلة لرسم سياسات جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وعليه فإن إيران ستقوم باستغلال العائد من اقتصاد النفط لتمويل ميلشياتها في العراق وسورية ولبنان، وبرضى “إسرائيل” التي نجحت بتغيير بوصلة العداء العربي من (عربي اسرائيلي) إلى (عربي إيراني).

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل