إعمار الصنم الأكبر

وليد أبو همام2 نوفمبر 2018آخر تحديث :
وليد أبو همام

لا يمكن أن تمر ثورة في بلد ما دون أن تترك آثارها سواء إيجابية كانت أو سلبية، ولا تقتصر هذه الآثار على جانب واحد فقط بل يكون تأثيرها شاملاً كل جوانب الحياة ومكوناتها.

وكذلك ثورة الشعب السوري عندما بدأ نبضها يزداد قوة وأيقنت عائلة الأسد أن تأثيرها قد يمحي إرثهم وأثرهم بشكل كامل فازدادوا غلظة وأبَوا أن تمر هذه الثورة إلا فوق جثث القائمين عليها وربما هذا ما ميزها وجعلها تأخذ مكاناً هاماً في التاريخ وفي ذاكرة الشعوب.

وكأيّ طاغية منفرد بحكمه عندما تضيق الدائرة حوله يصبح جلّ اهتمامه منصبّاً على حماية قصره وعرشه وتماثيله حتى لو تحولت بلاده وسكانها إلى رماد. حاول الأسد أن يحتفظ لنفسه ببقعة آمنة من زلزال الثورة واعتمد على تدمير الحجر بشكل ممنهج معتبراً أنّ كل بقعة تخرج منها مظاهرة يجب محوها بشكل كامل وإحداث تغيير جذري فيها حتى يضمن موتها بشكل دائم.

أحداث حماة في الثمانينات أعطت آل الأسد درساً تاريخياً توارثوه حول كيفية إسكات الشعوب، فلم يكن صعباً على الأسد الإبن أن يخمد الثورة حتى لو طال أمدها بطريقة إزالة جغرافية المكان، مستحضراً وصايا والده وحرسه القديم، وهكذا وجد خطة مرسومة دون أن يشغل نفسه بإعدادها بل كان عليه التنفيذ فقط، ومع صمت دولي عمّا يحدث في سورية كانت جميع الخيارات مفتوحة وكان أبسطها على النظام القتل والتدمير بدل الحوار الوطني المفترض وتلبية مطالب الشعب.

ربما لن يكون الوصف كافياً لتوضيح حجم الدمار الذي خلفه إجرام النظام ولكن بات في مخيلة الجميع أن سورية في معظمها لم تعد موجودة بل أصبحت أكواماً من الحجارة فوق قبور الآلاف من الشهداء وهذا ما يجعل لكل بقعة فيها خصوصيةً لدى أهلها الذين هجروا منها.

حكومة الأسد وفي أضعف حالاتها بدأت تروج لإعادة إعمار ما دمرته وكل ذلك كان سيدفع بالعديد من الدول صاحبة المصلحة لعرض خدماتها المبطنة ولكن التوقيت كان غير مناسب حيث أن الكثير من المناطق كانت ما تزال تحت سلطة الثوار وهذا ما ألغى فكرة إعادة الإعمار.

أما الآن و بعد أن أدرك النظام أنه لن تكون هناك معارك أخرى صار حديثه في كل محفل عن إعادة الإعمار وأصبح شغله الشاغل دعوة الدول للمساهمة بذلك، ولكن النظام وجد نفسه في مأزق كبير وهو قضية اللاجئين أولاً حيث تعتبر كل الدول ومن خلفها الأمم المتحدة أنه لا جدوى من إعادة الإعمار طالما أن المستفيدين منه غير موجودين على الأرض، ولكن يبدو أن السبب الرئيسي في المماطلة من قبل الأمم المتحدة هو تحفظها على كلمة إعادة الإعمار في ظل حكم الأسد الذي جعلها ضمن دائرة المؤسسات غير الفاعلة دولياً.

لكن الأسد لم ينتظر المبادرة من الخارج بل بادر من تلقاء نفسه وبمنظوره القاصر بدأ أولى خطواته في إعمار سورية التي يدرك تماماً أن دولة بمفردها خسرت كل مواردها ليس لديها القدرة على الوقوف على قدميها، لذلك فقد رأى أن الإعمار إنما هو إعادة ذلك الكابوس الذي جثم على صدور شعب سورية لمدة ثلاثين سنة والمسمى حافظ الأسد عبر نصب التماثيل له في المدن المدمرة بتكاليف خيالية تكفي لإطعام الآلاف من مؤيديه موجهاً رسالة لكلّ سوري أن آل الأسد لا يهمهم أن تدمر سورية بكاملها طالما أن أصنامهم موجودة.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل