ريف اللاذقية.. تغيير ديموغرافي في ظلال اتفاق “سوتشي”

فريق التحرير29 أكتوبر 2018آخر تحديث :
جانب من الدمار الذي خلفه قصف طائرات العدوان الروسي في قرى ريف اللاذقية، عدسة أحمد حاج بكري، أرشيف حرية برس

أحمد حاج بكري – حرية برس

لطالما شكلت مناطق ريف اللاذقية الخارجة عن سيطرة قوات الأسد، نقطة فاصلة في مسار الثورة السورية ، استمر الصراع عليها لسنوات بين فصائل الثورة والمعارضة وبين قوات الأسد، لتتمكن الأخيرة وبدعم روسي في العام 2016 من حسم الصراع والسيطرة على أكثر من 80% من المناطق التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة في ريف اللاذقية الممثل بجبلي الأكراد والتركمان ولتبدأ بعد ذلك عمليات الانتقام والتهجير والتدمير الممنهج للقرى والجبال.

تدمير القرى أسلوب جديد وممنهج

وبحسب نشطاء من المنطقة فبعد الإتفاق الروسي التركي بتشكيل منطقة منزوعة السلاح بدأ نظام الأسد بتدمير عدد من القرى بشكل كامل، إما عن طريق تفجير المنازل باستخدام المتفجرات أو عن طريق جرفها بالآليات ما شكل حالة من القلق عند الأهالي حول مصير قراهم في جبلي الأكراد والتركمان.

حيث أكد (أبو محمد) وهو مقاتل في صفوف الجيش الحر أن كتيبته رصدت تحركات لقوات الأسد في قرية الدرة بجبل التركمان، ليتبين لهم بعدها أن قوات الأسد تجرف منازل القرية بالتركسات، وفي الوقت نفسه قام بعض العناصر بإشعال النار بالأراضي المحيطة بالقرية دون معرفة الأسباب وراء هذا الفعل.

بدوره رجح الناشط (رستم صلاح) أن قوات الأسد بدأت هذه الخطوة بعد تأكدها أن هذه القرى ستكون ضمن المنطقة المنزوعة السلاح، حيث تقوم بتدميرها بشكل كامل لتصبح غير صالحة للسكن أمام من يريد العودة لمنزله، ولمنع الأهالي من الإستفادة من محاصيل أراضيهم الزراعية التي يقوم عناصر الأسد بحرقها.

ورصد نشطاء عمليات مماثلة في بلدة كنسبا وقراها بجبل الأكراد لتتجاوز نسبة الدمار في تلك القرى بحسب ما أكدوا 80% مشيرين إلى أن عمليات الهدم والحرق لم تتوقف حتى الآن.

“تأمين” الساحل وإبعاد الثوار عنه

يرى العديد من الثوار أن السبب الحقيقي وراء تدمير قرى جبلي الأكراد والتركمان هو خطة من نظام الأسد لحماية مدن الساحل التي يسكنها موالو نظام الأسد وإبعاد الثوار عن تلك المناطق قدر الإمكان.

حيث قال (أبو حمزة) القيادي في الجيش السوري الحر لحرية برس إن نظام الأسد لطالما سعى إلى إخراج مناطق الساحل من دائرة المعارك وتأمينها، ويرى أنه بعد الاتفاق التركي الروسي أصبح هناك إمكانية لعودة النازحين إلى قراهم في حال استقر الوضع الأمني، وهذا ما يخشاه نظام الأسد كون جلّ أهالي هذه القرى من الثوار، وأنه في حال خرق الإتفاق وعودة المعارك سيشكل هؤلاء خطراً على الساحل الذي يعتبره نظام الأسد حصنه المنيع.

ويردف القيادي قائلاً إنه من الممكن أن يستهدف الثوار من جديد القواعد الروسية في الساحل وأهمها مطار “حميميم” القاعدة الروسية والتي كان يستهدفها الثوار بشكل مستمر بصواريخ الغراد من جبلي الأكراد والتركمان قبل أن يسيطر نظام الأسد عليهما، ولمنع ذلك يعمل النظام جاهداً للوقوف في وجه أي تحرك يفتح الطريق لعودة الثوار إلى قرى ريف اللاذقية خصوصاً مع المطالبات المستمرة من قبل الأهالي بالعودة لقراهم تحت الرعاية التركية.

حرق الجبال والغابات وبيع حطبها

وفي حديث خاص لحرية برس قال القيادي في الجيش السوري الحر (حسن الشيخ) إن قوات الأسد بعد سيطرتها على قرى ريف اللاذقية عمدت سريعاً لتحصين مواقعها الجديدة والتمركز بها ونقل الكثير من العساكر للمشاركة في معركة حلب، وللحفاظ على المناطق التي سيطرت عليها في جبلي الأكراد والتركمان عمدت قوات الأسد إلى حرق الغابات الموجودة بالمنطقة بشكل شبه كامل لعدة أسباب كان أبرزها كشف المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات المعارضة ورصد أي تحرك يمكن أن نقوم به.

وذكر المصدر أن الكثير من عناصر قوات الأسد استغلوا وجودهم في ريف اللاذقية وأصبحوا يعملون في قطع الأشجار وبيعها في المدينة للتدفئة تحت إشراف عدد من الضباط وقادة من الدفاع الوطني، حيث لم تسلم الأشجار المثمرة مثل الزيتون والتفاح والخوخ من عمليات القطع والبيع.

ويرى الشيخ أن نظام الأسد يسهل مثل تلك العمليات ويباركها للانتقام من أهلي جبلي الأكراد والتركمان الذي شاركوا بالثورة وخرجوا ضده.

حسرة وقلق لدى الأهالي

ويتخوف أهالي ريف اللاذقية النازحين عن قراهم من استمرار نظام الأسد في هدمها، ويفوق 100 ألف نازح يسكن معظمهم المخيمات على الحدود السورية التركية بريف إدلب الغربي، بعد سيطرة قوات الأسد على قراهم بدعم روسي.

وقالت السيدة مريم وهي نازحة من قرية “عرافيت” بجبل الأكراد إن الأخبار التي تصلهم عما يقوم به نظام الأسد مخيفة جداً، مشيرة إلى أنهم تمكنوا من مشاهدة ما يقوم به عناصر قوات الأسد في القرى القريبة من خطة الجبهة دون معرفتهم بما حلّ بقراهم البعيدة والتي لا يمكن مشاهدتها من مراصد الثوار ومحارسهم.

وأضافت بحسرة “نحن نسكن الخيام هنا ونتحمل البرد والحر على أمل العودة لقرانا ومنازلنا في أقرب وقت، ولكن اليوم وبعد أن دمروها كيف سنعود وأين سنسكن؟ لا منازل ولا أراضي الأشجار التي تعبنا في زراعتها وتجاوز عمر بعضها الثلاثين عاماً، كيف يقومون بحرقها هي كل ما نملك أفنينا عمرنا من أجلها ولكن بالنهاية يحرقونها من أعطاهم الحق في ذلك؟

وختمت مريم حديثها بالقول “ننشد الخلاص من نظام الأسد المجرم وسنعود يوماً ما لنبني قرانا من جديد”.

بدورة قال (أبو أحمد) وهو نازح من قرية “ترتياح” بجبل الأكراد “لم أتفاجأ كثيراً بهذه الأخبار، نظام الأسد الذي قتل وشرد واعتقل ملايين البشر من الممكن أن يعمل كل شيء للإنتقام من الثوار الأحرار، ولكن هذا لن يغير أهدافنا نحن نريد إسقاط هذا النظام المجرم والعودة لقرنا بعد ذلك ولو سكنا الخيام هناك”.

انسحاب من بعض المواقع

وفي حديث لحرية برس أكد الأستاذ (فادي ابراهيم) ممثل مجلس محافظة اللاذقية في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” اتفاق روسيا وتركيا على انسحاب نظام الأسد من بعض القرى في جبلي الأكراد والتركمان، وذلك ضمن اتفاق منطقة نزع السلاح الذي أقره الطرفان في سوتشي الشهر الماضي، دون أن يحدد أسماء تلك القرى أو حجم المناطق التي سينسحب منها نظام الأسد، مؤكداً أنه خلال الشهر القادم ستكتمل الصورة وسيتم تطبيق جزء كبير من الاتفاق وحينها سنعرف جميعاً حجم المناطق التي سينسحب منها نظام الأسد في ريف اللاذقية.

وعن عمليات حرق الغابات وتدمير المنازل قال ابراهيم “من الممكن أن تكون ردة فعل انتقامية من الضباط المشرفين على المنطقة بعد سماعهم بالاتفاق الروسي التركي ووصول أوامر روسية لهم بالتراجع وتسليم تلك القرى ما دفعهم لحرق وتدمير ما يمكنهم من القرى قبل الانسحاب منها” مشيراً إلى أنه “من الممكن أن تكون هناك أوامر من نظام الأسد بتدمير المنازل والقرى قبل الانسحاب منها لمنع عودة الأهالي لها بالوقت الحالي”، ويرى أن نظام الأسد سيكون حريصاً على عدم وصول هذا الأمر إلى مسامع الروس.

يذكر أن قوات الأسد سيطرت على مساحات واسعة من قرى جبلي الأكراد والتركمان في العام 2016، بدعم جوي روسي، ما أدى إلى تهجير أكثر من مئة ألف مدني من قراهم، ليسكن معظمهم في مخيمات في ريف إدلب الغربي، بالقرب من الحدود السورية التركية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل