نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمراسلتها ميسي ريان، تقول فيه إنه لأجل فهم كيف تواجه أمريكا التمدد الإيراني في الشرق الأوسط فإنه يجب النظر إلى المحطة العسكرية الأمامية في التنف.
ويشير التقرير، إلى أن هذه الحامية العسكرية المحاطة بأكياس الرمل والخيام أنشئت في وسط صحراء كبيرة في الجنوب السوري لأجل استرداد الأراضي التي وقعت في يد تنظيم الدولة.
وتستدرك ريان بأن موقع الحامية الاستراتيجي “التنف”، على الطريق الواصل بين النظام السوري في دمشق ومؤيديه في طهران، جعل من تلك المحطة حصنا ضد النفوذ الإيراني في سوريا، ومركزا رئيسيا في خطط البيت الأبيض لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.
وتلفت الصحيفة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعد بجعل مواجهة الدعم الإيراني لحلفائها ووكلائها في المنطقة، من لبنان إلى اليمن إلى سوريا، جزءا مهما من استراتيجيته للشرق الأوسط، وقام بفرض عقوبات اقتصادية صارمة على المرتبطين بإيران، وانسحب من الاتفاقية النووية معها.
ويورد التقرير نقلاً عن مسؤولين قولهم، بأن أمريكا ستلتزم بالبقاء في سوريا حتى تخرج القوات الإيرانية، واعدين بإنهاء برنامج طهران للدعم العسكري والمالي الكبير، الذي ساعد رئيس النظام السوري بشار الأسد على تحويل مسار الحرب.
وتفيد الكاتبة بأن الجنرال جوزيف فوتيل، الذي يقود القيادة المركزية الأمريكية، وصف التنف بأنها العنصر الأساسي في المهمة العسكرية المستمرة لإطفاء جذوة تنظيم الدولة، وللتأكد من أن التنظيم لن يستطيع العودة، وقال متحدثا خلال زيارة للقاعدة يوم الاثنين، إن لها فائدة إضافية في إعاقة إيران، حيث الوجود العسكري الأمريكي يجعل من الأصعب على إيران بناء وجود عسكري كبير في سوريا يساعد الأسد على استرجاع المزيد من المناطق الواقعة خارج سيطرته، وقال فوتيل: “لا شك أن لنا نوعا من الأثر غير المباشر عليهم”.
وتعلق الصحيفة قائلة إن هذا الرادع سيقوي المسؤولين الأمريكيين، في وقت يطلقون فيه محاولة مكثفة تقودها وزارة الخارجية للتوصل إلى نتيجة سياسية لإنهاء الحرب، مشيرة إلى قول فوتيل خلال زيارته التي سمح فيها للمرة الأولى بدخول الإعلام إلى القاعدة النائية: “نحاول أن نوفر أوراق الضغط لدبلوماسيينا في الوقت الذي يحاولون فيه السعي لتحقيق أهدافهم”.
ويبين التقرير أن تركيبة الحامية من عدة مئات من القوات الأجنيبة، وقوة مماثلة من المقاتلين السوريين، تظهر كيف سعت أمريكا لاتباع سبل في مواجهة إيران، تخفض من احتمال الصدام على الأرض، حتى عندما يصعد المسؤولون في حرب كلامية، ويكثفون من ضغطهم الاقتصادي والدبلوماسي على طهران.
وتقول ريان: “كان واضحاً أن الوجود العسكري الأمريكي في جنوب سوريا يحمل مخاطر عالية منذ العام الماضي، حين قامت القوات الأمريكية بفتح النار على عناصر مرتبطة بإيران اقتربوا من منطقة استثناء أرضي وجوي عرضها 30 ميلا حول القاعدة، بالإضافة إلى أنهم قاموا بإسقاط طائرتي درون مسيرتين تابعتين لإيران بالقرب من القاعدة، وشكلت الحادثتان أخطر مواجهة مع عناصر مرتبطة بإيران منذ وصول القوات الأمريكية إلى سوريا في 2014”.
وتستدرك الصحيفة بأن المسؤولين العسكريين يترددون في تأييد أي صراع أكبر مع إيران، في وقت يسعون فيه لإنهاء الصراعات التي حصلت بعد 11 أيلول/ سبتمبر، والتحول إلى مواجهة التهديدات من روسيا و الصين.
وينوه التقرير إلى أنهم قلقون من ثمن التصعيد في الحرب الكلامية بين واشنطن وطهران، فهناك شبكة من المجموعات التي تعمل بالوكالة والقادرة على شن هجمات ضد الجنود الأمريكيين في المنطقة، كما فعلوا في العراق بعد 2003.
وتنقل الكاتبة عن السفير الأمريكي السابق في سوريا والزميل في معهد الشرق الأوسط روبرت فورد، قوله إن النظام السوري يستطيع ان يقوم بهجوم معاكس باستخدام المتطرفين الإسلاميين كما استخدمهم خلال حرب واشنطن في العراق، وأضاف: “لا يملك الأمريكيون ردا واضحا، فهل يضربون القيادة العسكرية في دمشق، أم يضربون كتيبة سورية منشورة شرق حمص؟”.
وتورد الصحيفة نقلاً عن مسؤول أمريكي، قوله إن إدارة ترامب التزمت بتوسيع المهمة العسكرية حتى تتوصل إلى هزيمة دائمة لتنظيم الدولة، وفي الوقت الذي يقول فيه البيت الأبيض الآن إن أمريكا ستبقى في سوريا حتى تغادر القوات الإيرانية، فإن المسؤولين يقولون إن المهمة الموازية ضد إيران قد تكون دبلوماسية وليست عسكرية، مشيرة إلى أنه لم يطلب من البنتاغون مواجهة إيران، التي تقود قوة قوامها 10 آلاف مقاتل في سوريا، بما في ذلك جنود حكوميون ورجال مليشيات.
وينقل التقرير عن المسؤول، الذي تحدث بشرط عدم نشر اسمه، قوله إن الوجود الأمريكي في التنف “يثبت أن أمريكا ليست على وشك مغادرة الشرق الأوسط عامة، وسوريا خاصة، حتى يتحقق وضع أمني يحقق حاجتنا وحاجة حلفائنا، الأردن وإسرائيل وتركيا والعراق”.
وتذكر ريان أن الدبلوماسيين رأوا فرصة لتفعيل حوار تقوده الأمم المتحدة قد ينشط الجهود الطويلة لإحلال السلام في سوريا، مشيرة إلى أن تنظيم الدولة كان مسيطرا في السابق في التنف، واختفى منذ زمن، فيما يقوم الجنود الأمريكيون برفع الأثقال وسط الأنقاض وقضبان الحديد من البنايات التي تم قصفها.
وتشير الصحيفة إلى أنه بعد أن طرد تنظيم الدولة عام 2016، فإن القوات السورية الحكومية وقوات الشركاء أوجدوا موطئ قدم لهم، لافتة إلى أن القوات الأمريكية كانت في البداية تقضي أوقاتا قصيرة في القاعدة، بعد العبور من الأردن، ومع مرور الوقت حققت أمريكا وجودا أكبر وأقوى.
وتقول الكاتبة: “اليوم لا يشهد المشغلون الخاصون الأمريكيون وشركاؤهم السوريون إلا نشاطاً متقطعاً، بشكل رئيسي من مجموعات صغيرة من تنظيم الدولة يفرون إلى العراق، وتقوم القوات الأمريكية بتدريب شركائها السوريين في دقة الرمي والتكتيكات الأخرى، ويشاركونها أحيانا في دوريات في تلك المناطق التي أصبحت مأهولة على نحو خفيف”.
ويلفت التقرير إلى أن القوات هناك بعيدة عن قتال ما تبقى من قوات تنظيم الدولة، التي تتمركز شمالي نهر الفرات، فهناك تعمل القوات الأمريكية بأعداد أكبر ومع قوات غالبيتها من أكراد سوريا، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي بلورت فيه حكومة الأسد سيطرتها على مناطق الثوار سابقا، فإن روسيا وسوريا قامتا بتصعيد مطالبهما بانسحاب القوات الأمريكية من التنف.
وبحسب الصحيفة، فإن القوات الروسية هددت الشهر الماضي بالقيام بقصف ضد أهداف إرهابية في منطقة الحظر المحيطة بالتنف، فقام البنتاغون بإرسال مجموعة من قوات البحرية للقيام بمظاهرة استعراض للقوة بالذخيرة الحية، وهو مؤشر على قلق المسؤولين المتزايد بشأن التوتر الذي يحيط بالقاعدة.
ويبين التقرير أنه مع انحسار تهديد تنظيم الدولة، فإن بعض الصقور في إدارة ترامب أرادوا توسيع الفقاعة الأمنية حول التنف، وحتى استخدام المنطقة لتدريب القوات لمواجهة الأسد وإيران بشكل مباشر أكبر، مستدركاً بأن تلك الفكرة لم تكتسب دعما بسبب عدم ميل الرئيس للتورط في حروب خارجية جديدة.
وتختم “واشنطن بوست” تقريرها بالإشارة إلى قول العقيد مهند الطلاع، الذي يقود قوات مغاوير الثورة في التنف، إن قواته، التي يصل قوامها إلى 300 مقاتل، تركز على منع تنظيم الدولة من العودة، وأضاف: “لكننا طبعاً في هذه المنطقة نوقف أي مجموعة تشكل خطراً”.
- المصدر: عربي21
Sorry Comments are closed