أحمد زكريا – حرية برس
لايزال مسلسل الاغتيالات الذي انطلقت أولى حلقاته في محافظة إدلب، في أواخر شهر نيسان/أبريل الماضي، مستمرًا ويتصدر واجهة الأحداث الحياتية اليومية.
ولم تقتصر عمليات الاغتيال على الشخصيات والقادة العسكريين التابعين للفصائل العسكرية العاملة في محافظة إدلب، بل امتدت لتطال عددًا من العاملين في المجال الطبي والإغاثي.
وبحسب مصادر محلية، اغتال مجهولون، الأربعاء الماضي، “أحمد العمر” مسؤول “منظومة الإسعاف السريع” في محافظة إدلب، عبر زرع وتفجير عبوة ناسفة في سيارته، أثناء تواجده بها في قرية “الفوعة” شمال مدينة إدلب، دون معرفة الجهة المنفذة.
وعلى الرغم من حالة الهدوء الحذر الذي تشهده منطقة إدلب على صعيد الأمور الميدانية، عقب اتفاق “سوتشي” الذي تم بين تركيا وروسيا، في 17 من شهر أيلول الماضي، والذي يمهد لإقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مناطق النظام ومناطق المعارضة في إدلب، إلا أن ذلك لم ينعكس بشكل أو بآخر على حالة الفلتان الأني المستمرة في المحافظة.
وقال “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية” في تقرير نشره، الجمعة 12 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، اطلع عليه حرية برس: إنه “لم يحدث أي تغير على صعيد الاغتيالات والمفخخات، فسياسة التصفية وإضعاف الهيكلية الأمنية موجودة في مناطق قوى الثورة منذ شهر نيسان/أبريل 2018، لذا لا يمكن ربط حوادث الاغتيالات والمفخخات التي حدثت في النصف الثاني من شهر أيلول/سبتمبر باتفاق المنطقة العازلة في إدلب”.
مصدر رعب للمدنيين
ودعت الهيئة السياسية في محافظة إدلب، في أوائل الشهر الخامس من العام الحالي، جميع المؤسسات والفعاليات العاملة في المحافظة إلى دعم جهود الشرطة الحرة من أجل المحافظة على الأمن، لافتة إلى أنها تعمل على التواصل مع الفصائل العاملة في المنطقة لاتخاذ إجراءات تحدّ من الاغتيالات.
وقال “رضوان الأطرش” الرئيس الأسبق للهيئة السياسية في إدلب لحرية برس: إن عمليات ضبط الأمن والسلم ماتزال مفقودة في المناطق المحررة، مرجعًا سبب ذلك إلى التناحر الفصائلي الذي مازال موجودًا، وتعدد المحاكم، وعدم تسليم هذا الملف لجهات مختصة بعد توفير مقومات الدعم لها.
واستبعد أن يكون لاتفاق “سوتشي” الأخير أي انعكاسات على الحالة الأمنية المتردية في محافظة إدلب وقال: “إن مسألة الأمن والاغتيالات هي قديمة حديثة، ولا أعتقد أن اتفاق سوتشي كان سبباً في وقوعها سابقا وتوقفها لاحقًا”.
وأشار” الأطرش” إلى أن المستفيد الأول في سريان الفلتان الأمني هو النظام وشبيحته المتواجدين في المناطق المحررة، والذين من الصعب جدا كشفهم بسبب انتشار السلاح الفوضوي وعدم ضبط محلات بيعه.
وحذر “الأطرش” من أن سوء الأوضاع الأمنية والاغتيالات المتكررة، باتت تشكل مصدر رعب للمدنيين من كل النواحي وبالأخص الطبقة المثقفة وأصحاب رؤوس الأموال، وهذا الأمر إن استمر ربما يكون سببا في شلل الحياة العلمية والاقتصادية.
وأوضح “الأطرش” أنه لا يوجد احصائية دقيقة حول عدد من تم اغتيالهم مطالبًا بضرورة معالجة هذا الملف بأسرع وقت ممكن، وقال: العبرة لا تتعلق بالعدد بقدر تعلقها بالجريمة المستمرة وايجاد السبل لحلها وبالطريقة المستعجلة جدًا.
السبب خروج إدلب عن طاعة وهيمنة النظام
وكانت شرطة إدلب الحرّة أطلقت، شهر 5 2018، حملة توعية باسم “عبوات الموت” لرفع الوعي الأمني لدى أهالي المحافظة، والحد من حوادث الاغتيالات في المنطقة.
وفي هذا السياق، أرجع المحامي “محمود خليل” من سكان محافظة إدلب، سبب استمرار مسلسل الاغتيالات في إدلب، إلى خروجها عن طاعة وهيمنة النظام، ولوجود خلايا للنظام في المنطقة تتوجه بتعليماته في المقام الأول، أما في المقام الثاني فيأتي نتيجة خلافات الايدلوجيات الفصائلية الموجودة في المنطقة، وأن كل فصيل يريد تعزيز وجوده فيها كما هو معتقد أيديولوجيا.
وعن المستفيد الأول من حالة الفلتان الأمني وموجة الاغتيالات في المنطقة قال “خليل” في حديثه مع حرية برس: إن النظام وحلفائه من الروس الإيرانيين الذين يريدون إعادة ادلب إلى حظيرة النظام كباقي المناطق السورية، هم المستفيد من ذلك الأمر.
ويرى “خليل” أن المدنيين يتوقون إلى حالة من الهدوء والاستقرار، وأن تسير الحياة المدنية في تلك المنطقة، لافتًا إلى أنهم يشعرون باليأس إزاء هذه الحالة التي مضى عليها أكثر من سبع سنوات، ناهيك عن الأرق والقلق نتيجة لفقدان الأمن الذي هو مطلب وحاجة انسانية للحياة البشرية.
وفي ردّ منه على سؤال حول ما هو المطلوب لوقف مسلسل الاغتيالات في منطقة إدلب والشمال السوري أجاب: المطلوب هو العمل على ايجاد إدارة مدنية منتخبة من الشعب وليست مفروضة، وتوحيد الحالة الفصائلية والمظاهر المسلحة، وحصرها في الجبهات وخطوط التماس مع قوات النظام، يضاف إلى ذلك فصل الحالة العسكرية عن الحالة المدنية، وعدم السماح للعسكريين التدخل بالحياة المدنية بشكل مباشر أو غير مباشر، وايجاد هيئات قضائية مدنية وقوى من الشرطة المدنية لتنفيذ القرارات القضائية عند الضرورة.
أصوات تتعالى واستجابة غائبة
وشكلت حالة الفلتان الأمني في عموم الشمال السوري حالة من الاستياء بين السكان، الأمر الذي جعل الأصوات تتعالى مطالبةً الفصائل العسكرية والقوى الأمنية بضرورة ملاحقة الممثلين والمطلوبين وأرباب السوابق، بالإضافة لضبط السلاح العشوائي ومنع انتشاره في الأماكن العامة والساحات، ومنع انتشار الملثمين بين عناصر تلك الفصائل.
وفي هذا الصدد، قال الناشط المدني “محمد الإدلبي” لحرية برس: إنه ورغم كل تلك الدعوات لضبط الوضع الأمني في إدلب وريفها، إلا أنه “للأسف هناك عدم استجابة لمطالب المدنيين والفعاليات الثورية والمدنية، والتي تنادي بضرورة إيجاد جهازٍ أمني ضابط مثل شرطة الطرق العامة، أو جهاز شرطة مختص لإدارة الملف الأمني ومراقبة الحواجز والتفتيش والتدقيق بهذا الموضوع”.
وأرجع ” الإدلبي” أسباب الفلتان الأمني في منطقة إدلب إلى عدة عوامل من أبرزها: عدم وجود إدارة واحدة لكافة المناطق المحررة، وعدم وجود وزارة مختصة مهمتها إدارة الملف الأمني، وعدم وجود محاكم مستقلة غير تابعة للفصائل العسكرية، يضاف إلى ذلك الانتشار الكبير جدًا لخلايا نائمة إما تابعة لداعش أو للنظام، والتي هدفها زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة المحررة، ونشر حالة الخوف والرعب، وبث الروح الانهزامية لدى المدنيين المتواجدين في محافظة ادلب.
وعن انعكاس الفلتان الأمني على الحياة اليومية للمدنيين قال “الإدلبي”: إن هذا الأمر أدى لازدياد حالة الخوف لدى الناس، خاصةً عقب حوادث الخطف الأخيرة التي طالت كوادر طبية وكوادر عاملة في المجال الاغاثي والإنساني، وسط حالة من الخوف أيضًا تنتاب العاملين في المجال الطبي والاسعافي، إضافة لخوف بعض رجال الأعمال من توسعة أعمالهم ومشاريعهم خوفًا من عمليات الاختطاف وإطلاق سراحهم مقابل دفعهم مبالغ مالية.
ورغم عدم وجود إحصائية دقيقة عن عدد من تم اغتيالهم من المدنيين أو العسكريين، بسبب عدم وجود جهة مهمتها توثيق تلك الانتهاكات أو عمليات الاغتيال التي تتم، إلا أن مصادر محلية تشير إلى مقتل ما يقارب من 180 شخص في عموم المنطقة منذ أواخر شهر نيسان الماضي، وفق تقديراتهم.
Sorry Comments are closed