النظام يُجهِز على شركات صناعية عريقة في القابون بحجة القانون رقم 10

فريق التحرير9 أكتوبر 2018Last Update :
المنطقة الصناعية في حي القابون بدمشق، عدسة فادي صيرفي، أرشيف حرية برس

أحمد زكريا – حرية برس

كشفت مصادر إعلامية موالية للنظام، عن أن حكومة نظام الأسد أوعزت لوزارة الصناعة التابعة لها، الإسراع بهدم جميع مصانعها في منطقة “القابون” بدمشق، خلال مدة ستة أشهر، بالتنسيق مع مجلس محافظة دمشق.

وتحدثت مصادر مطلعة، عن نية حكومة النظام هدم شركات ومصانع عريقة، بعضها يعود تاريخها للخمسينيات من القرن الماضي، مثل” الشركة التجارية المتحدة العامة الخماسية”، والشركة العامة للغزل والمناسج، والشركة الحديثة للكونسروة والصناعات الزراعية، وشركة الانشاءات المعدنية والصناعات الميكانيكية، والشركة الأهلية للمنتجات المطاطية والبلاستيكية، والمعهد التقاني للصناعات الكيميائية، وذلك تطبيقاً للقانون رقم 10 حول إقامة مناطق تنظيمية.

وكان رأس النظام بشار الأسد، في أوائل شهر نيسان/أبريل الماضي، أصدر القانون رقم /10/ لعام 2018، القاضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية، وذلك بمرسوم بناء على اقتراح وزير الإدارة المحلية والبيئة وتعديل بعض مواد المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012.

وبحسب صحيفة “الوطن” الموالية للنظام، فإن حكومة النظام طلبت من وزارة الصناعة إخلاء جميع مصانعها، ونقل موجوداتها إلى المنطقة الصناعية في عدرا، ومن ثم هدمها، بحجة أن تلك المنشآت متضررة بفعل الحرب.

منطقة “القابون” خاضعة للقانون رقم 10

وبحسب موقع “التجمع الوطني الحر” على الانترنت، فإن نظام الأسد كان قد أخضع منطقة القابون للقانون رقم 10، الذي يقضي بوضع اليد عليه، وإعادة بيعه للمستثمرين بقصد إعماره، على غرار مشروع خلف الرازي، حيث سيضطر المالكون الذي يستطيعون إثبات ملكياتهم وفقاً للقانون، إلى بيع حصصهم لهؤلاء المستثمرين أو الحصول على حصة سهمية في الأبنية التي سيتم تشييدها.

وأشار المصدر ذاته، إلى” اعتراض الكثير من الصناعيين وأصحاب الورش، التي يتجاوز عددها الألف في منطقة القابون على إعادة تنظم المنطقة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 ألف نسمة، نظراً لعدم تعرضها لأضرار بالغة، بالإضافة إلى صعوبة نقل منشآتهم والأضرار التي سيتكبدونها، غير أن النظام أصر على هدمها، الأمر الذي فسره مراقبون على أنه يدخل ضمن مساعي النظام لتنفيذ مشاريع استثمارية وعقارية ضخمة يستفيد منها مقربون منه”.

وبحسب صحيفة “الوطن” الموالية لنظام الأسد، فإن عدداً من هذه المنشآت التي تنوي حكومة النظام هدمها قد عادت للإنتاج، مشيرةً إلى أن تكاليف هدم تلك المنشآت الصناعية التابعة للقطاع العام تتجاوز مليار ليرة سورية دون إعادة تأهيلها وتركيبها.

مدينة ألعاب مائية بدلاً من المنشآت الصناعية

وعن رأيه فيما يخص منطقة “القابون” وما يتم التحضير لها من قبل حكومة النظام، قال “أيمن الدسوقي” الباحث بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية لحرية برس: إن المنطقة الصناعية بالقابون خضعت إلى مد وجزر بين الحكومة ومحافظة دمشق وصناعيي القابون، حيث تنصلت الحكومة من وعودها تجاه صناعيي القابون لتدفع مع محافظة دمشق لإخضاع المنطقة للقانون رقم 10 ونقل المنشآت الصناعية لمنطقتي “فضلون وعدرا ” الصناعيتين، ولتبدأ عملية الضغوط على الصناعيين لإجبارهم على القبول بالواقع الجديد.

ولفت الانتباه، إلى أن المحافظة تريد من إخضاع المنطقة للقانون رقم 10 “قوننة” عملية السيطرة على ملكيات شاغلي هذه المنطقة، وطرحها للاستثمار لصالح متنفذين بالسلطة وعالم رجال الأعمال ولصالح وافدين أجانب، وهنا يدور الحديث عن مشروع “مدينة ألعاب مائية” لإحدى الشخصيات المتنفذة بالبلد وما يمثله من تحالفات اقتصادية عابرة للحدود، وهو ما يعطي مؤشرات واضحة على طبيعة عملية إعادة الاعمار التي يريدها النظام “إعادة إعمار تخدم مصالح تحالف رجال السلطة والمال، ولا تبالي بمصالح السكان المحليين ولا باعتبارات الملكية الخاصة ولا كذلك باعتبارات الاقتصاد الوطني”.

مخاطر تعطيل النشاط الصناعي

وتكمن خطوة تعطيل النشاط الصناعي، بحسب “الدسوقي”، من ارتداداته السلبية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، كتزايد أعداد العاطلين عن العمل، وإضعاف الصناعة الوطنية وتمكين قطاعات اقتصادية خدمية غير منتجة، وهو ما يمنح الأفضلية للشركات الأجنبية لطرح منتجاتها وتحويل سورية إلى دول مستوردة دون أن تكون منتجة، يضاف إلى ذلك “خصخصة” مؤسسات القطاع العام الصناعية بحجة أنها خاسرة اقتصادياً، ومنح حق استثمارها للدول الحليفة للنظام كروسيا وإيران ممن يرون فيها فرصة لتمكين أنفسهم بالاقتصاد السوري وترضية لهم جراء دعمهم للنظام السوري، وهؤلاء يعلمون لخدمة مصالحهم دون أي اعتبار لمصالح السوريين أو الاقتصاد السوري.

صناعيو القابون يرفضون قرار حكومة النظام

ونقل موقع مدار اليوم” عن صحيفة “الثورة” التابعة للنظام، الجمعة، أن “صناعيي القابون رفضوا قرار المحافظة القاضي بنقل منشآتهم الصناعية منها إلى مدينة عدرا في ريف دمشق، تحت ذريعة الدمار الذي لحق بتلك المنشآت”.

وأشار الموقع ذاته، إلى اجتماع ضم صناعيي منطقة” القابون” في دمشق مع مسؤولين في نظام الأسد شهد خلافات، انتهت بانسحاب الصناعيين دون التوصل إلى اتفاق.

وبحسب موقع “الخبر اليقين” على الانترنت، فإن “عاطف طيفور” رئيس لجنة صناعيي منطقة القابون تساءل لماذا تقف محافظة دمشق ضد الصناعيين؟، لافتًا إلى أن المنطقة مرخصة صناعياً وإدارياً منذ عام 1947، وأن هناك أكثر من 400 منشأة صناعية ومعمل قائم وجاهز للعمل خلال فترة وجيزة بعد إتمام تزويد المنطقة بالكهرباء، معتبرًا أن ما يجري فيه ظلم وإجحاف لهم، خاصة وأن منطقة “القابون” مهدمة بنسبة 10 % فقط بناء على تقييم من نقابة المهندسين ومن وزارة العدل، في حين أن المحافظة تدّعي أنها مهدمة بنسبة 80%.

“ديموغرافية” جديدة وفق رؤية النظام

وأصدرت “هيئة القانونين السوريين الأحرار”، مؤخرًا، مذكرةً جاء فيها: أن بشار الأسد ومن خلفه إيران، عمدوا لإصدار قانون احتيالي بالتزامن مع تهجير ما تبقى من سكان الغوطة الشرقية ومحيط دمشق، بهدف “غصب” عقارات كل من ثاروا عليه بوسائل غير قانونية نص عليها القانون رقم 10.

وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي “حسن النيفي” لحرية برس: إن إيعاز حكومة نظام الأسد إلى “وزارة الصناعة” بهدم المصانع والمعامل والمنشآت القديمة، إنما يأتي في سياق الاستراتيجية التي يتبناها النظام وحلفاؤه على الأرض السورية، والتي ترمي ليس إلى استئصال البشري للمناوئين للنظام فحسب، بل إلى هندسة حالة ديموغرافية جديدة تتناسب ورؤية النظام الرامية إلى إنشاء بنية سكانية وعمرانية جديدة موالية للنظام، وذلك على أنقاض البنية السكانية والعمرانية الأصلية، وذلك ضمن مسعى مخالف كلياً لجميع القوانين والأعراف الدولية.

وأضاف، أنه ومن جهة أخرى، يأتي هذا الإسراع في تطبيق هذه الاستراتيجية انسجاماً مع الرؤية الروسية المستعجلة نحو ما تسميه (إعادة الإعمار)، لاستباق الأمور وإعطاء الشركات “الإيرانية والروسية” الأولوية والأفضلية في الاستثمار داخل سورية.

واعتبر “النيفي” أن ما تقدم عليه حكومة الأسد ينطوي على خطورة كبيرة، تتجسد في محو المعالم الأصلية لبنية الصناعة التحتية في سورية، فضلاً عن الضرر الكبير الذي سيلحق بأصحاب هذه الممتلكات، موازاةً مع صمت الجهات القانونية العالمية التي يستغلها النظام لتنفيذ أجنداته.

ويرى “النيفي” أن نظام الأسد – في سبيل البقاء في السلطة – مستعد لبيع سورية بالكامل، وليس جانبا وحيداً منها، وقال: ها نحن نشهد منذ العام 2013 عدة صفقات بيع يجريها النظام مع الروس والإيرانيين، بعقود تمتد إلى عشرات السنين، ذلك أن الأسد لا ينظر إلى سورية على أنها دولة يملكها شعب، بل ليست أكثر من مزرعة يملكها آل الأسد.

الإجهاز الكامل على المؤسسات الإنتاجية

وحول رؤيته لقرار حكومة النظام فيما يخص هدم شركات إنتاجية وصناعية عريقة في منطقة “القابون” رأى رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار المحامي “غزوان قرنفل”، أنه ومن حيث المبدأ قانونيًا لا يوجد ما يمنع أي سلطة من اتخاذ مثل هذا الاجراء خصوصًا أنه يأتي ضمن سياق عملية أوسع للتنظيم والتوسع العمراني واعادة اعمار مناطق تضررت بالحرب، وقد يكون الهدف الرئيس منها نقل هذه المؤسسات الصناعية لمناطق مخصصة لذلك وأكثر بُعدًا عن المدينة.

وأضاف: لكن إن كان القرار يهدف لهدم هذه المؤسسات وإلغاء كيانها ووجودها القانوني والاقتصادي، فأعتقد هنا يدخل الأمر في سياق التخلي النهائي عن أي دور فاعل للصناعة الوطنية وإناطة هذا الامر بمؤسسات ودول كان لها دور في دعم وجود واستمرار النظام، وتأتي كمكافأة لهم على هذا الدور.

وبحسب “قرنفل”، فإن الاقتصاد السوري منذ ما قبل الثورة ببضعة سنوات كان مؤممًا لصالح عدد من الشخصيات والمؤسسات، وكانت المؤسسات الصناعية والاقتصادية الحكومية تتآكل يوميا لصالح تلك الاشخاص والفئات، وهي سياسة ممنهجة سمحت لرامي مخلوف مثلا ان يستحوذ على ٦٠% من اقتصاد البلد فكان مالكًا أو شريكًا في معظم المؤسسات والبنوك والشركات وصاحب قرار حاسم في اقتصاد البلد، وبالتالي يأتي القرار الاخير بتقدير “قرنفل” ضمن خطة الإجهاز الكامل والنهائي على المؤسسات الإنتاجية، وتخلي الدولة عن مسؤولياتها في هذا المجال.

فرص استثمارية لشركات روسية وصينية وايرانية

ويتزامن قرار حكومة النظام بهدم تلك المؤسسات والشركات مع الحديث عن نية النظام منح شركات روسية وصينية وايرانية فرصة الاستثمار في تلك المنطقة بحجة إعادة الإعمار.

وفي هذا السياق قال “قرنفل”: بالطبع سيعمد النظام لمكافأة الدول الثلاث “روسيا والصين وإيران”، وهي التي كان لها موقف داعم له ورافض لأي اجراء يؤدي لمساءلته أو إسقاطه، وسيعطيها كل الفرص الاستثمارية والصناعية كمكافأة على هذا الموقف، وقد أبرم في هذا السياق عقود النفط والغاز مع روسيا وعقود الفوسفات مع إيران، ومعلوم أنه مدين لتلك الدول بمليارات الدولارات، والصين لوحدها دائن لها بأكثر من 45 مليار دولار حتى نهاية عام 2016 عدا عن روسيا وإيران.

عقودُ كريهة وديونٌ على رقاب السوريين

وفي رد منه على سؤال فيما إذا كان يحق للأسد أن يُملك شركات أجنبية في سوريا؟ أجاب “قرنفل”: أنه يمكن للدولة أن تسمح للشركات الأجنبية وفق قوانين الاستثمار بالعمل والتملك في سوريا، ضمن شروط متوازنة تحفظ للدولة نصيبها وحقوقها أولًا، ولا تسمح لتلك الاستثمارات أن يكون لها الكلمة الفصل في المسار الاقتصادي والاستثماري، أما خلاف ذلك فيكون بيعا علنًا للبلد تتحمل تبعاته السلطة الحاكمة ويتعين التعاطي معه بشكل مختلف.

وأعرب القانوني “قرنفل” عن اعتقاده أنه وعند الاتفاق على حل سياسي ومؤسسة حكم انتقالي إن حصل، يتعين مراجعة كل تلك العقود مع هذه الدول وغيرها، والتدقيق في كل الديون التي رتبها النظام على رقبة السوريين، ورفضها في حال ثبوت إنها كانت ديونًا يمكن توصيفها بالديون الكريهة وهي الديون التي يسخرها نظام ما في مجهوده الحربي خلال الصراع المسلح الداخلي.

Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل