عمار حسين الحاج – حرية برس
في يوم الإثنين الواقع في الرابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر الجاري، قضت محكمة دوسلدورف الألمانية بالسجن المؤبد لـ”أبو الديب السوري”،الذي تزعم سابقاً ميليشيا “غرباء الشام” التي كانت تعمل تحت مظلة الجيش السوري الحر، وذلك بعد إدانته وبحسب رئيس محكمة دوسلدوف الألمانية “فرانك شرايير” بمسؤوليته عن ارتكاب جرائم حرب، متمثلةً بجرائم التعذيب والقتل والاختطاف، ومن المُستبعد أن يحصل المتهم البالغ من العمر 43 عاماً على إطلاق سراح مبكر عن خمسة عشر عام، وبحسب المحكمة فإن المُدان مارس إرهاباً مروعاً عندما كان زعيم ميليشيا تعمل تحت مظلة الجيش الحر، وأنه عذَّبَ وأساء معاملة أسرى بنفسه أو تحت مسؤوليته.
وكان قد فرَّ (ابراهيم. أ)، المُلقَّب “أبو الديب” قبل سنوات من سوريا واستقر في ألمانيا بعد تقديمه لطلب لجوءٍ إليها، وبعد التعرف عليه من قبل أحد ضحاياه، قامت وحدة خاصة باعتقال إبراهيم في السادس من أبريل/ نيسان عام 2016، في مدينة مونستر. حيث وجه له الادعاء العام تهم ارتكاب جرائم حرب بموجب القانون الجنائي الدولي، واختطاف، وابتزاز، وبدأت المحاكمة منذ مايو/ أيار 2016 في المحكمة الإقليمية العليا بمدينة دوسلدروف، غربي ألمانيا.
وبحسب صحيفة “توينتي مينوتن” السويسرية، التي نشرت في 2016 معلومات عن محاكمة “أبو الديب”: “إن أحد ضحايا إبراهيم تعرف عليه على الفور على أحد صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. وقال أحد الضحايا إن إبراهيم قام بتعذيبه بالخراطيم، وقضبان الحديد، والكهرباء، وضربه بشكل وحشي، وهناك الكثير من الاتهامات الخطيرة ضد إبراهيم وفصيله المسلح، من 150 رجلاً، كانوا قد روعوا حياً کاملاً في حلب بين عامي 2012 و 2014، إضافة لتعذيبهم الكثير من الأشخاص في تلك الفترة”.
أمَّا محامي إبراهيم، “مارتن هينسينع”، كان قد وصف المحاكمة بالمعقدة، وأنها قد تستغرق سنوات، وأضاف أنها محاولة للوصول إلى الحقيقة على النمط الألماني.
لفهم الخبر جيداً، ووضع النقاط على الحروف، يجب علينا التمييز في تاريخ المصطلحات وعمقها التاريخي، ولذلك لا بُدَّ لنا من العودة لتاريخ نشوء إحدى الفصائل المسلحة المحسوبة على الثورة، من حيث مراحل التكوين والهدف منها، ولذلك سأعود بقراءة سريعة لتاريخ نشوء ما يسمى جماعة “غرباء الشام” وعلاقتها بفصائل الجيش الحر الوطنية، وذلك إنصافاً لتاريخ أبطال ثورتنا من العسكريين الذين قدموا دماءهم فداءً للشعب السوري وثورته العظيمة.
مَن هي جماعة “غرباء الشام”؟
حركة “غرباء الشام” أو “مؤسسة غرباء الشام” كما كان يصفها مؤسسها، محمود غول آغاسي (أبو القعقاع)، وهي مجموعة إسلامية جهادية، نشأت مثل الفِطر، في عتمةٍ وفَّرها نظام الأسد لتتكون خلايا إسلامية متطرفة ليستخدمها في أماكن وأوقات مناسبة تخدم كذبته الكبيرة الموروثة عن الأسد الأب، فيما يخص حماية البلد من الإرهاب والتطرف، وهذا ما يُسمَّى “صناعة الإرهاب”، واستخدمتها الاستخبارات السورية في الحرب ضد الوجود الأميركي في العراق، وأول مرة دخل فيها أبو القعقاع دائرة الضوء الإعلامي في آذار من العام 2006، لدى تصدي قوات الأمن السورية لمجموعةٍ متطرفةٍ قرب مبنى التلفزيون وسط دمشق، قبل أن يتم اغتيال زعيمها محمود غول آغاسي (أبو القعقاع) في حلب في أيلول العام 2007، على يد أحد العائدين من العراق، بعد أن أفتى تنظيم القاعدة بتكفيره وهدر دمه واتهامه بالعمالة للحكومة السورية، بسبب الشائعات التي بدأت تسري بين الصفوف عن تواطؤ أبي القعقاع مع عناصر الأمن للإيقاع بكثيرٍ من الشباب المجاهد واعتقالهم أو قتلهم، وفي الرواية المقابلة، إنَّ الاستخبارات السورية قامت بتصفيته بعد انتهاء عمله في أحياء حلب.
وفي تعريف المجموعة أو المؤسسة، يقول محمود غول آغاسي: (بالنسبة لمسمى غرباء الشام الذي أطلقناه على مؤسستنا الإعلامية ذات التوجه الإسلامي الهادئ والهادف والمتزن، والذي يسعى إلى عرض الإسلام بصورة تجعله متلائماً مع عصر الفضاء كما كان متوافقاً مع عصر الصحراء، هذا المسمى “غرباء الشام” نحن أخذناه من حديث النبي عليه الصلاة والسلام تيمناً واستبشاراً يوم قال: “بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ألا فطوبى للغرباء، قيل: أين هم يا رسول الله؟ قال في الشام” كما في بعض الروايات الصحيحة.”)
من هو مؤسس “غرباء الشام”؟
محمود غول أغاسي، والمُلقَّب “أبو القعقاع”، سوري الجنسية، ويحمل أيضاً الجنسية الباكستانية، وهو من مواليد العام 1973 ، من شمال مدينة حلب ومن أصول كردية، حصل على شهادة الدكتوراه عام 2001 من جامعة كراتشي بباكستان في مجال الدعوة، وذاع صيته في حلب وشمال سورية في نهاية التسعينيات، حيث استقطب بدعواته الجهادية الشُبَّان المتدينين والمتحمسين، وأطلق على تلك الجماعة اسم “غرباء الشام” وقد اتخذت من جامع “العلاء بن الحضرمي” مقراً لها، ونَظَّمَتْ عروضاً للقتال القريب في عددٍ من أحياء حلب، تحت أعين النظام وسمعه، حيث كان اعتماد “أبي القعقاع” على الجذب العاطفي في استقطابه للناس في أحياء حلب، عبر أنشودةٍ بصوته ألَّبت مشاعر الناس وكانت بداية تكوين محيطٍ مؤيِّدٍ له ولخُطبهِ الدينية، على الرغم من أن أنشودة “غرباء” كانت من تأليف “سيد قطب”، وكانت بحسب موقع معازف في ملفه عن الجهاد، تمثل الأنشودة الأكثر حزناً في أناشيد تيار الإخوان المسلمين، والأكثر تمييزاً لمريدي ذلك التيار.
وأثناء الحرب الأمريكية على العراق ساهم “أبي القعقاع” في تشكيل أول نواة لتنظيم القاعدة في العراق، من خلال إرسال المتطوعين إلى العراق والفلوجة، لكنه فيما بعد أطلق مفهوماً جديداً للجهاد لتمييز جماعته عمن انحرفوا بالجهاد عن أصوله الشرعية، واختلطت أعمالهم بالإرهاب، وباتت تشكل عوناً لمشروع من يقاتلوهم، ومع تنامي الدعوات للجهاد، لتتشكل ملامح دعوة الرجل بإنشاء مقاومةٍ شبيهةٍ بالمقاومة في جنوب لبنان، ومن هنا بدأ بالتوجه نحو إنشاء منظومةٍ تشبه منظومة حزب الله، والسير نحو العسكرة وإنشاء معسكرٍ للتدريب.
ظهور “غرباء الشام” في الثورة
ظهرَ اسم “غرباء الشام” على لسان ابن حي الصاخور “حسن جزرة” الذي كان أول ظهور له في أول فيديو تناقلته وسائل الإعلام عن تحرير حي الصاخور من ميليشيات الأسد في العام 2012، وهو إنسانٌ بسيط فكرياً، كان يعمل كبائعٍ للخضار في الحي، وما لبث “جزرة” أن شكَّلَ كتيبته الأولى تحت اسم “طيور الأبابيل”، لينضمَّ بعدها إلى كتائب “غرباء الشام”، والتي أسسها “عمر هلال” في مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، قبل فترة وجيزة، وهذا الشخص من المجاهدين السابقين في العراق أثناء الاحتلال الأمريكي.
حيثُ اعتُبِرَ ذلك التشكيل الذي انتمي إلى لواء الفتح وقتها امتداداً لـ”غرباء الشام” التي أسَّسها “أبو القعقاع”، وخصوصاً للذكريات المحببةً لدى “عمر هلال” عن فترة “أبو القعقاع”، وتحوَّلَ اسمُها فيما بعد إلى جبهة غرباء الشام وضمت 22 كتيبة، بقيادة المُلقَّب “الشيخ عمر أبو معاوية”، كانت من أبرزها كتيبة طيور الأبابيل لقائدها “حسن جزرة”، وكتائب أبو الليث وبيبرس وأبو العباس وغيرها، التي برزَ اسمها بعد تمكنها من السيطرة على مدينة رأس العين في شهر تشرين الثاني من العام 2012، لتكون أول فصيل يسيطر على مدينةٍ وحده دون مساعدة من الفصائل الأخرى.
اشتهرت مجموعة “حسن جزرة” بالممارسات العنيفة رغم وجود حاضنة شعبية كبيرة له، بالإضافة إلى أنه في العام 2013 عجزت معظم الفصائل في الجيش الحر عن الوقوف في وجهه، وخاصةً بعد أن فشلت اللجنة الرباعية بقيادة الشهيد “عبد القادر الصالح” المُلقب “حجي مارع”، قائد لواء التوحيد، في محاسبته، وعودة “جزرة” إلى مقراته التي انسحب عنها في ذلك الوقت من خلال اتفاقٍ، مع بداية تمدد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في المنطقة الشمالية، فاصطاده تنظيم “داعش” وتم تحويله إلى محكمة الأتارب ليعترف بتهمٍ جاهزةٍ كان التنظيم قد وضعها مُسبقاً، وذلك عبر تصفية أي قيادات تمتلك حاضنة شعبية في المنطقة ليستفرد التنظيم بالسُلطة المُطلقة، وهذا ما كان حيث تمَّ قتل “جزرة” مع مجموعةٍ من عناصره في أواخر تشرين الثاني من العام 2013 وتم رمي جثثهم في مكبٍّ للنفايات.
هذا مُلخَّص تاريخي عن نشوء ومراحل تطور واندثار “غرباء الشام” وكيفية التصاق اسمها بالجيش السوري الحُر، رغم تناقض أهدافهما، وكيفية صُنع نظام للأسد للجماعات التكفيرية وزرعها في عمق سلاح الثورة بغية تشويه الثورة أمام حاضنتها والمجتمع الدولي.
عذراً التعليقات مغلقة