ظروف قاهرة مرت بشعب ظلمه العالم أجمع وخذله، جعلت الكثيرين يعيشون على الأوهام ويحاولون إقناع أنفسهم بكذبة هو يعلم أنها كذبة ولكن ماذا يفعل الغريق سوى محاولة التعلق بقشة تبقى هي الأمل للنجاة. وكم من قشة مرت على الشعب السوري وهو في بحر الدماء يغرق، أما المخيف والمرعب هو أن من يرمون القش هم أنفسهم من يسمون أنفسهم منظمات إنسانية ومعنية بحقوق الإنسان وفي كل قشة يغرق الشعب أكثر فأكثر.
أمثلة كثيرة مرت على الشعب السوري من لجنة الدابي إلى المبعوث الدولي كوفي عنان وتفاصيل تلك اللجان التي كانت أكثر ما تكون أقرب للوهم الحقيقي الذي كان يرى فيه الشعب قارباً للنجاة من براثن الظالم ولكن في داخله يعلم بأنهم مجرد دمى. وما اللجنة الدستورية إلا تكملة لكومة القش التي تستخدم كما الإبر المخدرة للشعب السوري الثائر بهدف وأد ثورته وفي كل مرحلة تستخدم طريقة للوأد.
ولو عدنا بالزمن للوراء قليلاً وقرأنا ما بين سطور دساتير سوريا لتبين لنا بأن الدستور ليس المشكلة إنما تكمن المشكلة بمن يطبقه وهل يتم التطبيق حرفياً بحيث يعاقب المسؤول قبل الرعية وتنزع السلطة ممن يخطئ، بل على العكس تماماً فقد كان يطبق على الضعيف ولا يشمل ذلك القوي ولو كان الجميع تحت الدستور لحل العدل في البلد.
اللجنة الدستورية التي يتم تشكيلها وبعيداً عن كل تفاصيلها المغرقة ما هي إلا ذر للرماد على العيون، فقد أدخلت الشعب السوري بدوامة جديدة ستكون نهايتها خيبة الأمل كما سابقاتها، ولكن بات الشعب السوري خارج القرار السياسي وأصبح بيد دول متحكمة بهذا الملف وتديره بحسب ما تراه مناسباً لمصالحها لا مصالح السوريين. وبالتالي لو تمكنت هذه اللجنة من صياغة أفضل دستور على مستوى العالم فسيبقى الوضع كما هو ما دامت القبضة الأمنية كما هي.
ولكن ما يثير الدهشة هو معرفة دول العالم قاطبة بفشل هذه النقطة كما سابقاتها ورغم ذلك يبقون مصرين على حلولهم. وبالنتيجة فإن اللجنة الدستورية ستفشل بكل المعايير لأن من سيطبق هذا الدستور سيقوم بتفصيله على مقاسه عند الحاجة وبذلك نعود كما كنا على مبدأ (كأنك يا أبا زيد لم تغزو).
ومن هنا نرى أن المشكلة في سوريا لم تكن مع دستور وبعض أوراق مكتوبة، إنما مع من يطبقها وهي قبضة الأمن التي لا زالت تتحكم بكل شرايين الحياة. وكما سبق وأسلفنا لو كتب الدستور ليكون الأول على مستوى العالم ولم يطبق ما بين سطوره لبات حبراً على ورق.
الحل في سوريا واضح وجليّ وضوح الشمس وهو رفع القبضة الأمنية عن رقاب الشعب وتشكيل هيئة حكم انتقالية بكامل الصلاحيات ومحاسبة كل من تلوثت يديه بالدماء وشارك بقتل الشعب السوري، ومع بداية الحل ستبدأ العقد بالتفكك ويعود الأمر شيئاً فشيئاً مع الزمن، ولكن أن يبقى من قتل الشعب على رأس الحكم فهذا يعني استمرار المشكلة.
روسيا وإيران متمسكتان ببقاء بشار بالحكم ليس حباً به بل لأنه الضامن لبقائهم في المنطقة بشكل شرعي وهذا ما يدفعهم لإفشال أي حل سياسي قد يفضي لإسقاط النظام وهما على دراية كاملة بأن الحل لا يمكن إلا بإزالة بشار وزبانيته. فالمساعي لإعادة اللاجئين هو لإعادتهم تحت القبضة الأمنية وبذلك يتم ضمان أصوات أكثر لصالح بشار في حال تم الاتفاق على انتخابات مبكرة وهذا ما يتم السعي له من خلال اللجنة الدستورية، وكلام روسيا على لسان وزير خارجيتها يؤكد ذلك حينما يقول صناديق الاقتراع تقرر وأكثر من نقطة تؤكد ذلك وهي:
- التسويات في المناطق التي شهدت تسويات بحيث تم طمأنة الناس بالبقاء.
- المحاولات الحثيثة لإعادة اللاجئين.
- الحديث في أروقة المفاوضات عن اللجنة الدستورية وانتخابات مبكرة.
كل هذا يوحي لنا بالطريقة التي تتعامل بها روسيا للوصول ببشار الأسد لبر الأمان عبر انتخابات تعيده رئيساً شرعياً منتخباً من الشعب. ولا يمكن إغفال ذلك عبر ما حصل في مناطق التسويات وإعادة القبضة الأمنية والظلم والضغط على الشعب بحيث يتم ضمانهم في حال الحاجة لهم في التصويت وهم سيصوتون لبشار بكلتا الحالتين.
عذراً التعليقات مغلقة