“المنطقة منزوعة السلاح” في إدلب.. هل تكرس لحل طويل الأمد؟

فريق التحرير22 سبتمبر 2018آخر تحديث :
قوات من الجيش التركي في محافظة إدلب شمالي سوريا – تواصل اجتماعي

أحمد زكريا – حرية برس

يرى مراقبون أن أبرز ما جاء في مذكرة التفاهم التي تم الاتفاق عليها، الاثنين (17 أيلول/سبتمبر الحالي)، بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، هو إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مناطق النظام ومناطق المعارضة في إدلب، إضافة للتخلص من جميع الجماعات الإرهابية الراديكالية من داخل المنطقة منزوعة السلاح، بحلول (15أكتوبر/تشرين الأول)، حسب الاتفاق.

وفي وقت قال فيه متحدث الرئاسة التركية “إبراهيم قالن” في مؤتمر صحفي له، الجمعة، في العاصمة أنقرة: إن تركيا تعمل مع روسيا لإقامة منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب السورية، وإخراج العناصر الإرهابية منها، قالت صحيفة “الوطن” الموالية لنظام الأسد: إن مصادر دبلوماسية في موسكو كشفت أن الاتفاق الروسي التركي سيكون على ثلاث مراحل: أولها إقامة منطقة “منزوعة السلاح” بعمق 15 كيلومتراً حول مدينة إدلب، قبل منتصف ( أكتوبر /تشرين الأول) المقبل، ثم نزع السلاح الثقيل في المرحلة الثانية، قبل( 10 نوفمبر /تشرين الثاني) المقبل بإشراف روسي تركي، ثم أخيراً وفي المرحلة الثالثة دخول مؤسسات الدولة السورية لاستلام مهامها في إدلب قبل نهاية العام.

وبينما عقدت وزارة الدفاع التركية، اجتماعات مع وفد روسي بين 19 و21 سبتمبر الحالي، جرى فيها تحديد حدود المنطقة التي سيتم تطهيرها من الأسلحة في إدلب، مع مراعاة خصائص البنية الجغرافية والمناطق السكنية، أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الجمعة، أن إنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب السورية ليس حلاً نهائياً، بل إنه خطوة مرحلية وضرورية بالنسبة للتسوية السورية.

وفي ظل تلك التصريحات التركية الروسية فيما يخص المنطقة منزوعة السلاح، يبقى السؤال الأبرز ماذا تعني منطقة منزوعة السلاح؟ ومن هي الجهات التي سيتم نزع السلاح منها؟ وما هي آلية تطبيق ذلك؟ وماهي الصعوبات التي تواجه تركيا في هذا الصدد؟

حزامٌ من ريف حلب الجنوبي وحتى سهل الغاب

المحلل السياسي الدكتور “مأمون سيد عيسى” أوضح لحرية برس: أن المناطق منزوعة السلاح تُعرف في القانون الدولي، بأنها إجراءُ أمنٍ محدود النطاق يتم باتفاق دولتين أو أكثر،  وتكون غايته عادة إبعاد شبح الحرب بإزالة احتمال الاصطدام نتيجة لحوادث الحدود، أو بمنع الإخلال بالأمن والاستقرار بحظر حشد القوات أو الأسلحة في هذه المناطق العازلة، وتعمل المنطقة العازلة نظرياً على إعادة الحياة الطبيعية المدنية تدريجياً في مناطق النزاع هذه، ومثال على المناطق العازلة المنطقة في “الجولان” بين سوريا وإسرائيل، التي تتواجد بها قوات “اليونيفيل” الدولية.

وتابع قائلاً: إذا عدنا للاتفاق التركي الروسي في سوتشي، سيكون هدف هذا الاتفاق بناء “حزام” سيكون بمثابة منطقة عازلة بين قوات الأسد وقوات الثوار لمنع أي صدام بينهما تكريساً للحل السياسي القادم، وبالتالي ستتواجد القوات “التركية والروسية” وفق الترتيب التالي:

– في المنطقة الشرقية: ستتواجد القوات الروسية من منطقة “الوضيحي” بريف حلب الجنوبي وحتى “أبو الظهور” بريف إدلب وصولاً إلى “أبو دالي” بريف حماة الشرقي، وذلك للفصل بين قوات النظام والميليشيات الإيرانية الموجودة في هذه المنطقة عن قوات الثوار، حيث ستتواجد القوات التركية في حزام يمتد من “خان العسل” إلى “حريتان” إلى “الراشدين” إلى “العيس، وجزرايا، وصرمان”، وغرب هذا الحزام التركي ستكون قوات الثوار بكل اطيافها حيث لن تمس بهذه الفترة التي تمتد حتى 10 تشرين القادم.

– في الجهة الجنوبية: ستتواجد قوات الروس في “صوران، ومحردة، وصقيليبة”، وستخرج منها قوات الأسد التي بدأت، يوم الخميس، بالانسحاب من “محردة”، بحسب “سيد عيسى”، أما القوات التركية فستكون موجودة في “خان شيخون، والهبيط، والتمانعة”، وشمال هذا الحزام التركي سيكون لدينا قوات الثوار بكل أطيافها.

– من الطرف الغربي: ستتواجد القوات التركية في “سهل الغاب” شرق نهر العاصي بدءاً من “قلعة المضيق” وحتى “بداما” دون “جسر الشغور”، وهذه القوات سيكون لها هدف ثان وهو الفصل بين المناطق السنية التي يفصلها نهر العاصي عن القرى العلوية غرب العاصي مثل “شطحا وجورين” وغيرها، أيضاً في الغرب ستعمل القوات التركية على تشكيل حزام يمنع أي هجوم من قبل الثوار تجاه المناطق العلوية في الساحل، ومنع أي هجوم قادم من قوات النظام في الساحل باتجاه ادلب، تكريساً لوقف الحرب بشكل نهائي.

خريطة تقديرية تظهر المنطقة المنزوعة السلاح حول إدلب باتفاق روسي – تركي

وأضاف “سيد عيسى” أن الفصل سيكون ضرورياً للمرحلة القادمة، لوجود أحقاد كبيرة بين السنة والعلويين الذين تمترس أغلبهم مع النظام وأيدوه في حربه ومجازره ضد المناطق السنية، وبالمقابل فقدت القرى العلوية معظم شبابها الذين زجّ بهم النظام في أتون حربه القذرة ضد السوريين الذين طالبوا بحريتهم، وبالتالي لديهم أحقاد قوية تجاه السنة، على حد وصفه.

آلية نزع السلاح من الثوار وقوات النظام:

وكان وزير الخارجية الروسي “لافروف” ذكرَ أثناء مؤتمر صحافي مشترك عقده في سراييفو مع نظيره وزير خارجية البوسنة والهرسك، الجمعة، أنه وبخصوص الاتفاق الروسي التركي بشأن إدلب، فإن الاتفاق يقضي بانسحاب جميع مسلحي “جبهة النصرة” الإرهابية من المنطقة منزوعة السلاح حتى منتصف تشرين الأول المقبل، مؤكداً أن موسكو وأنقرة نسّقتا معايير عبور المسلحين لحدود المنطقة منزوعة السلاح.

وفيما يتعلق بالأطراف التي سيتم نزع السلاح منها في تلك المناطق قال “سيد عيسى”: وفق ما ذكرنا سيتم في هذا الحزام الفاصل نزع السلاح تماماً من الثوار وقوات النظام، ودخول قوات شبيهة باليونيفيل لكنها تركية وروسية غير مختلطة، لتكون قوات فصل ريثما يتم إنضاج الحل السياسي الذي يطبخ على نار هادئة.

أما عن آلية سحب السلاح، أوضح “سيد عيسى” أن ذلك الأمر سيتم بأوامر مباشرة من الأتراك للثوار في مناطق سيطرتهم ضمن الحزام الذي ذكرته، وكذلك تقوم القوات الروسية بإعطاء الأوامر لقوات النظام والميليشيات من الانسحاب من الحزام في الطرف المقابل للفصائل المعتدلة والمتشددة، وكما ذكرت آنفاً أنه تم بدء انسحاب قوات النظام من “محردة”.

وفيما يخص مدى دقة المعلومات حول توزع هذا الحزام الخاص بالمنطقة منزوعة السلاح قال “سيد عيسى”: هذه تصوراتنا تم بنائها بناءً على التعريف الدولي لقوات الفصل، وعلى الخريطة التقريبية التي نشرت مؤخراً وتم استنتاجها بوجود منطقة فاصلة مقدارها 15 كم بين الطرفين.

صعوبات تواجه تركيا

ونقلت مصادر إعلامية عن مراقبين، ترجيحَ سعي الرئيس الروسي في “سوتشي” لشراء بعض الوقت لإثبات أن نزع السلاح مهمة مستحيلة، وأن الطريقة الوحيدة هي الحرب، وأن الاتفاق تضمن تواريخ ومواعيد قريبة وقصيرة الأجل، مع تكليف تركيا بمهمة تجريد “الإرهابيين” من السلاح وفي مقدمتهم أسلحة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا)، قبل منتصف (أكتوبر /تشرين الأول) المقبل.

وبحسب موقع قناة “الحرة” الأمريكي على الانترنت، يشرح الباحث في مجموعة الأزمات الدولية “سام هيلر”، أن تطبيق الاتفاق “سيكون حافلا بالمخاطر وللطرف التركي أكثر من غيره، كونه تحمل مسؤولية التعامل مع هيئة تحرير الشام، ويضيف “يُتوقع أن تقاوم هيئة تحرير الشام اتفاقا ينص على حجبها جغرافيا وتفكيك خطوط دفاع المعارضة على خط التماس” مع النظام.

وفي هذا الصدد، قال الصحفي والمحلل السياسي التركي “اسماعيل كايا” لحرية برس: إن من أبرز الصعوبات التي يمكن أن تواجه تركيا، هو رفض هيئة تحرير الشام التجاوب مع هذا الاتفاق وتسليم أسلحتها الثقيلة بحلول الموعد المتفق عليه منتصف الشهر المقبل، ولكن مع ظهور تأكيدات بأن نزع السلاح يشمل المنطقة المتفق عليها فقط ولا يشمل كافة مناطق إدلب، فإن ذلك يعزز بشكل كبير فرص قبول الهيئة بهذا الطرح وتسليم أسلحتها، لتجنب الصدام مع الجانبين التركي والروسي.

وفيما يخص المنطقة منزوعة السلاح أوضح “كايا” أن اتفاق “سوتشي” نص بشكل واضح على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلومتر على طول الخط الفاصل بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة في منطقة خفض التصعيد الأخيرة، التي تشمل إدلب ومحيطها من أرياف اللاذقية الغربي، وحماة الشمالي، وحلب الغربي، لكن الكثير من التفاصيل لم يتم الإعلان عنها بشكل نهائي، كون الاتفاق لم يشمل التفاصيل التقنية بإقامة هذه المنطقة وترك الأمر للتفاهمات التفصيلية التي سيتم التفاوض عليها بين الطرفين التركي والروسي، والتي سيكون أبرزها ما إن كانت هذه المنطقة سيتم اقتطاعها من مناطق المعارضة أم النظام أم من الطرفين.

وأضاف، أنه سيتم نزع الأسلحة الثقيلة من جميع الأطراف الموجودة في حدود هذه المنطقة، وفي حال امتدت بمناطق النظام سيتم أيضاً إرجاع أسلحة النظام الثقيلة من حدود المنطقة عقب الاتفاق عليها بشكل نهائي، وبالطبع يشمل الاتفاق سحب أسلحة “هيئة تحرير الشام” وفصائل المعارضة منها.

تجميد الوضع في إدلب

من جهته، رأى الدكتور “ياسر العمر” أن المنطقة المنزوعة السلاح هي إجراء منطقي ولا بد منه حين التكلم عن (تجميد) الوضع في إدلب، وقال: هنا أؤكد على كلمة تجميد، إذ أن الاتفاق لا يعطي الحل للقضية السورية ولا يقترب من أهداف الثورة السورية، فهو يبتعد عن لب المشكلة ليتعامل مع واقع صنعه إجرام النظام المجرم مع روسيا وإيران، وليتم التجميد لابد من ابتعاد الأطراف عن بعضها لمنع أي احتكاك ينجم عنه شرارة الحرب، ولهذا تم التفاهم على إيجاد المنطقة العازلة.

ونوه في حديثه لحرية برس، إلى أن آلية التطبيق ستكون من خلال ضغط الروس على قوات النظام ليبتعد عن خط المواجهة وهي المسافة المطلوبة، ثم تقوم تركيا من ناحيتها بالتفاهم أو الضغط على التشكيلات لتبتعد نفس المسافة، وقال: من وجهة نظري فلن يكون هناك مشكلة في هذه المرحلة.

ورأى “العمر” أنه ليس هناك أي داعي لسحب السلاح من الفصائل المعتدلة المتواجدة خارج تلك المنطقة وقال: لا أظن أن هناك حاجة لسحب السلاح الثقيل خارج المنطقة العازلة، لأن النظام سيبقي سلاحه متواجداً، إضافة لذلك فإن النظام والروس عودونا على الغدر، ومن الغباء إن لم يكن من الخيانة تسليم السلاح الثقيل من قبل هذه التشكيلات.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل