ما مستقبل التفاهمات «الروسية الإسرائيلية» في سوريا؟

فريق التحرير21 سبتمبر 2018آخر تحديث :
رويترز

أحمد زكريا – حرية برس

أثار سقوط الطائرة الروسية والتي كان على متنها 15 جندياً روسياً قبالة السواحل السورية، الاثنين، العديد من إشارات الاستفهام حول الجهة التي تقف وراء اسقاطها وليس من أسقطها بالفعل إن كان عن طريق الخطأ أو بشكل متعمد.

وتباينت ردود الأفعال وبدأ تراشق الاتهامات بين الأطراف التي تتخذ من الأجواء السورية ملعباً لطائراتها الحربية والمروحية بمختلف أنواعها وأشكالها.

ففي حين، اتهمت روسيا “إسرائيل” بأنها تقف وراء اسقاط الطائرة الروسية “إيل 20″، بالتزامن مع إغارة أربع مقاتلات إسرائيلية “إف–16” على أهداف سورية في اللاذقية (حيث تقع قاعدة حميميم الروسية)، بحسب مصادر إعلامية روسيّة، سارعت إسرائيل لتحميل المسؤولية لسلاح الجو التابع لنظام الأسد بمسؤولية هذا الفعل.

وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي بحسب مصادر إعلامية: “إن بطاريات سورية مضادة للطائرات “أطلقت النار عشوائياً ولم تكلّف نفسها ضمان عدم وجود طائرات روسية في الجو”.

وفي السياق ذاته، اتهمت وزارة الدفاع الروسية، فرنسا وواشنطن بالوقوف وراء حادثة سقوط الطائرة الروسية، وقالت وزارة الدفاع الروسية إن الفرقاطة الفرنسية “أوفيرن” والتي كانت تبحر في مياه المتوسط قامت بإطلاق صواريخ باتجاه الطائرة الروسية، إلا أنه سرعان ما نفت فرنسا ذلك واصفة بأن تلك الاتهامات تدل على أن روسيا “فقدت صوابها”، بينما وجهت واشنطن وعلى لسان مسؤول أمريكي أصابع الاتهام إلى مضادات الطيران التابعة لنظام الأسد في إسقاط تلك الطائرة.

إلا أنه ومع تسارع التطورات المتعلقة بلغز الطائرة الروسية ومن يقف اسقاطها، عادت روسيا للإعلان، الثلاثاء، وعلى لسان وزارة دفاعها أن الطائرة الروسية أسقطت بصاروخ سوري بالخطأ خلال تصدي الدفاعات الجوية السورية لغارة “إسرائيلية”، مضيفةً أن الطيارين الإسرائيليين تستروا بالطائرة الروسية لتصبح عرضة للنيران السورية، لأن سطح “إيل-20” يزيد بكثير عن سطح “إف-16″، فأصابها صاروخ من منظومة “إس-200”.

وعقب تلك الأحداث، بدأت العديد من الأسئلة تطفو على السطح، خاصة لجهة مسارعة واشنطن لاتهام النظام، ولماذا بدورها روسيا حمّلت المسؤولية لإسرائيل؟ وما هي انعكاسات ذلك على صعيد العلاقات بين تلك القوى اللاعبة في الأجواء السورية؟

خسارة كبيرة للروس

ورأى المحلل السياسي والباحث في الشأن الروسي “سامر الياس” بأن تلك الحادثة تعد خسارةً كبيرةً بالنسبة للروس وقال: بالحقيقة هذه خسارة كبيرة للروس، فهي ثالث أكبر خسارة بعد حادثة “فرقة الأوركسترا” التي قتل فيها حوالي 100 شخص عندما كانت متوجهة من “سوتشي” إلى اللاذقية، وبعد حادثة الطائرة التي خرجت عن مسارها في مطار “حميميم” وكانت تقل حوالي 40 جنديا روسيا.

وأضاف في تصريحات لحرية برس، أن الحادثة كبيرة ومهمة يمكن أن تؤدي إلى تداعيات نوعا ما لتحديد أكثر للاتفاقات، معرباً عن عدم اعتقاده بأن تذهب روسيا للتصعيد في علاقاتها مع إسرائيل في هذه المرحلة، وقال: ربما تطالبها بحذر أكبر فنحن لم نشهد حوادث من قبل خاصةً وأن إسرائيل اعترفت أنها ضربت 200 مرة في العام والنصف الأخيرة في سوريا، ولكن روسيا لم ترد على هذا الموضوع بالمطلق.

وأشار، إلى أن الجانب الروسي حمّل “إسرائيل” مسؤولية غير مباشرة، وكان هناك حديث من وزير الدفاع الروسي بأن إسرائيل تتحمل المسؤولية على هذه الحادثة عبر عدم التنفيذ الدقيق للاتفاقات السابقة بين الطرفين، فمن المعلوم أن إسرائيل تعلم الجانب الروسي بأي ضربات، ولكن وزير الدفاع قال بأن إسرائيل أخبرت الجانب الروسي قبل دقيقة واحدة فقط عن هذه الضربة، وقال وزير الدفاع الروسي أنه نتيجة ممارسات سلاح الجو الإسرائيلي غير المسؤولة ورغم الاتفاقات القائمة مع إسرائيل لمنع حوادث خطيرة، حصلت المأساة وقتل 15 جنديا.

المهم عدم تعرض الروس للخطر

ويرى “الياس” أن اللافت في الأمر هو أن الجانب الروسي ووزير الدفاع الروسي قال: دعونا الجانب الإسرائيلي أكثر من مرة إلى الامتناع عن ضربات في الأراضي السورية يمكن أن تشكل خطرا على أمن العسكريين الروس”، يعني أن روسيا ومن حيث المبدأ ليس لديها مشكلة بأن يقوم سلاح الجو الإسرائيلي بضربات ضد الأهداف السورية والإيرانية، شريطة ألا يؤدي إلى تشكيل خطر على حياة الروس.

واعتبر “الياس” أن روسيا لا تعطي تقديرا كبيرا لجنودها المقتولين بعكس أمريكا وبريطانيا، وأن الجانب الروسي عادة لا يعلن عن سقوط قتلى عسكريين فهذا من ضمن الأسرار لكنه اضطر لبحث الموضوع والإعلان عنه بعدما تسربت الأنباء عن الحادث، مضيفا أنه وبطبيعة الحال سيكون هناك حديث جدي مع إسرائيل ولكنه لا يرقى لحدوث “مناكفات” وربما يصدر الجانب الإسرائيلي اعتذارا وربما يُحل بطرق دبلوماسية وليس عبر إجراءات عسكرية ضد إسرائيل.

 الطريق نحو تفاهم “الحلفاء الأعداء”

من جهته، يرى المحلل العسكري العقيد “محمد الأحمد” أن تداعيات اسقاط الطائرة الروسية لن تكون كبيرة كما كانت حادثة اسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا، لأن الروس سيقومون بابتزاز الأسد أو تصفيته سياسيا وبنفس الوقت إيران، وكل هذا لن يكون على العلن وإنما بتفاهمات بين “الحلفاء الأعداء”.

وتابع في حديثه لحرية برس: كل الدنيا تعرف أن التدخل الروسي ليس كرمى لعيون الأسد بقدر ما هو احتلال بلد مهم بالنسبة لهم، وبالتالي سيقوم الروس بابتلاع الموس ولكن هم المسيطرون على الملف السوري وهم من يفاوض عن النظام وهم من يتحكم على الأرض، وسيزداد هذا الدور بحجة الطائرة، أي أنها ستكون بوابة لإخراج إيران ونهب الأسد.

وحول السبب الرئيس وراء التلميح من قبل روسيا بأن إسرائيل هي من يقف وراء اسقاط الطائرة منذ البداية، رأى العقيد “الأحمد” أن الأمر جاء كون إسرائيل هي من قصفت مواقع في اللاذقية، مؤكدا أن هذا الأمر لن يؤثر على العلاقة بين روسيا وإسرائيل، لأن الروس حاليا في مأزق ولا يريدون إثارة غضب إسرائيل ومن ورائها أمريكا، ولن تتوتر العلاقة حتى بينهما وكل هذا التلميح من قبل الروس ما هو إلا هروب للأمام وبلهجة المعاتب لإسرائيل، وحتى ولو تعالت التصريحات الاعلامية من الطرفين، لأن كلا منهما يدرك حجمه ويعرف الحدود المسموحة وممنوع تجاوزها.

أمريكا تقطف الثمار

ورجحّ العقيد “الأحمد” أن تكون أمريكا مشتركة مع إسرائيل بقصف مناطق للنظام والميليشيات الإيرانية في الساحل السوري، وقال: ربما تكون أمريكا أيضا مشتركة بهذا لذلك اتهمت الاسد وورطته وحمت حليفها إسرائيل، لافتا إلى أن الأمريكان هم المتحكمون بكل شيء في المنطقة وخاصة سورية، ولولا الضوء الأخضر من أمريكا لما تدخل الروس، لذلك نجدهم كل حادثة تحدث يردون توريط روسيا بشكل أكبر وأعمق في مستنقع الأحداث في سورية، وآخرها إسقاط الطائرة، وأضاف: بأن الاتهام للنظام يعني الاتهام لإيران بنفس الوقت، وبهذا يضربون تحالف الروس ونظام إيران بتهمة إسقاط الطائرة، وأمريكا تقطف الثمار عن بعد.

نظام الأسد أحرج موسكو

بدوره، أعرب “ميسرة بكور” مدير مركز الجمهورية للدراسات وحقوق الانسان، عن اعتقاده بأن نظام الأسد العاجز عن الرد في وجه إسرائيل، بحسب وصفه، تعمد اسقاط الطائرة بذريعة تصدي لهجوم على أراضيه، وبالتالي إحراج موسكو وإجبارها على الرد.

وقال لحرية برس: أعتقد أن القصف الصهيوني أصبح اعتياديا، مع التذكير أن الكيان الصهيوني نشر، الاثنين، صورا من الأقمار الاصطناعية لمواقع سورية بما فيها قصر بشار، وهي رسالة مفادها: “إما ان تبتعد عن إيران أو إنك نفسك تحت التهديد”.

ورجّح “بكور” أن تتوقف الغارات الصهيونية حتى التوافق مع روسيا على سبل تنسيق أفضل، معربا في الوقت ذاته عن اعتقاده بأن تسقط روسيا طائرة صهيونية عبر تنظيم الأسد، أو أن تعلن روسيا عن منح تنظيم الأسد صواريخ اس 300، بحسب تعبيره.

التخفي وراء البصمة الرادارية الروسية

وعن رأيه في مسألة اسقاط الطائرة الروسية، قال العميد طيار أركان حرب “عبد الهادي ساري الخزاعلة” لحرية برس: إنه ليس مستغرب أن تسقط طائرة روسية في البحر المتوسط، نتيجة كثافة تواجد القطع العسكرية في المتوسط والتدخلات الإسرائيلية في المنطقة.

وأضاف، أنه عندما روسيا تتهم إسرائيل بأن الطائرات الإسرائيلية تخفت بالبصمة الرادارية المنبعثة من طائرة النقل العسكرية الروسية، فهذا خطأ ليس وارد، فإسرائيل عندما تريد قصف مناطق بسوريا فأعتقد أنها ليست بوارد التخفي وراء البصمة الرادارية للطائرة الروسية.

وأشار، إلى أن إسرائيل نفذت عدة هجمات داخل الأراضي السورية كانت واضحة فوق البحر وفوق لبنان وداخل الأراضي السورية، ببصمة راداريه تابعة لطائرة (اف-16) التي تقوم بتنفيذ الأعمال القتالية فوق الأراضي السورية، وبالتالي فهذا الاتهام هو محط سخرية حقيقة ولا يقوله عاقل، فروسيا عندما تتهم إسرائيل إنه تم اسقاط الطائرة بهذه الطريقة فهو ضرب من الخيال.

تشويش إسرائيلي فوف الساحل السوري

ويضيف “الخزاعلة” أن التحليل الواضح هو عندما نفذت الطائرات الإسرائيلية ضربات باتجاه الأراضي السورية فوق اللاذقية كانت هناك تشويش وحزم تشويشيه، مبينا أن إسرائيل لا يمكنها تنفيذ تشويش على كل سوريا بل على قطاع معين من الأرض ربما يكون عرضه 50 أو 100 كم وبحزمة تمتد لحوالي 200 كم، وهذه الحرب الالكترونية تنفذها إسرائيل قبل تنفيذ أي ضربة، بالإضافة الى التشويش المحمول جواً والذي تحمله طائرات خاصة بالتشويش قبل تنفيذ الضربة للتشويش على المكان المراد توجيه الضربات اليه.

ورأى، أنه ربما تكون الطائرة سقطت بحزمة التشويش الإسرائيلية بفترة حدوث الضربات الجوية باللاذقية وانقطع الاتصال بفترة معينة، وبعد أن تم رصد الطيران الإسرائيلي تم إطلاق الصواريخ من وسائط دفاع جوي سورية باتجاه الطائرات الإسرائيلية وباتجاه الأهداف الغربية كما يقول النظام وتم إطلاق الصواريخ، وربما يكون أحد الصواريخ أصاب الطائرة الروسية.

جهاز تعارف بين الطائرات

من ناحية أخرى، يرى “الخزاعلة” أنه عندما يقال إن النظام أسقط الطائرة بالخطأ، فهناك عدة تحليلات أولها أن الطائرة عندما يتم إسقاطها بوسائط الدفاع الجوي فالطائرة الروسية فيها جهاز تعارف وهي تعتبر طائرة صديقة ويجب أن يتم التعرف عليها من قبل وسائط الدفاع الجوي سواء كانت الروسية أو السورية وبالتالي لا يتوجه الصاروخ باتجاهها.

أما إذا كان التردد الموجود في جهاز التعارف لدى وسائط الدفاع الجوي السوري غير مُعير على جهاز التعارف الموجود في الطائرة الروسية فالطائرة تسقط بفعل الصواريخ الروسية وهذا أقرب للواقع.

ولفت “الخزاعلة” إلى أن أمريكا ومنذ اللحظة الأولى اتهمت النظام بإسقاط الطائرة، وروسيا اتهمت بعدها إسرائيل، كما قالت إن الرادارات الروسية كشفت أن صواريخ أطلقت من “الفرقاطة” الفرنسية باتجاه الأراضي السورية، مضيفا أن اسقاط الطائرة بفعل صواريخ (بحر-أرض) هو جنون وغير منطقي، فالصواريخ الفرنسية لا يمكن أن تسقط هذه الطائرة، حيث أن الفرقاطة تبعد حوالي 35 كم إلا إذا كانت على الأقل على ارتفاع 4000 إلى 6000 قدم في هذا المكان وكانت متوجهة إلى مطار حميميم.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل