أحمد زكريا – حرية برس
على الرغم من تسارع الأحداث فيما يخص ملف القضية السورية، وعلى الرغم من التصريحات التي تصدر عن الإدارة الأمريكية منذ اندلاع الثورة السورية وحتى اليوم، إلا أن كثيراً من المراقبين ينظرون إلى الموقف الأمريكي على أنه ما يزال ضبابياً ومضطرباً وغير مستقر تجاه الحدث السوري، بعكس روسيا وإيران.
ومع تصدر روسيا المشهد على أنها اللاعب الرئيس والأوحد في الملف السوري، تليها إيران وميليشياتها العابرة للحدود والمساندة لها، يرى محللون أن أمريكا باتت في هذه المرحلة المفصلية من عمر الثورة السورية، تتحين الفرصة السانحة من أجل إقصاء روسيا عن الملف السوري، وبالتالي جعلها معزولة أمام أوروبا والمجتمع الدولي.
وبات واضحاً أنه وفي ظل المساعي الحثيثة من روسيا لخلق مسارات بديلة عن مسار “جنيف” للعملية السياسية في سوريا، إلا أن أمريكا وبإشارات غير مباشرة تعرقل تلك المساعي، وتصرّ على أن الحل السياسي هو وفق مقررات (جنيف1 وجنيف2)، مما يزيد من ضبابية المشهد السوري بسبب تلك المواقف الأمريكية غير الواضحة.
وهنا تطفو على السطح العديد من التساؤلات عن ماهية الموقف الأمريكي إزاء القضية السورية؟ وهل بالفعل أغرقت أمريكا روسيا بالمستنقع السوري؟ أم أن هناك أشياء تدور خلف الكواليس والسوريون هم آخر من يعلم؟
سياسة أوباما الانكسارية تجاه الثورة السورية
يرى المحلل الاستراتيجي العميد الدكتور “علي علاو” في حديث لحرية برس أن الموقف الامريكي يمكن أن نلاحظه ونحدده من خلال مرحلتين؛ المرحلة الأولى: في بداية الثورة وبعد تدخل الروس في 2015 بشكل مباشر في سورية لإنقاذه من السقوط، بالإضافة إلى إيران وميليشيا حزب الله، أصبحت روسيا القوة المسيطرة الفعلية في الملف السوري مع عدم اهتمام الجانب الامريكي أو تركها روسيا تتصرف بمفردها في سورية، التي تعني لها الكثير بل فرصة تاريخية تعود من خلالها إلى المياه الدافئة الشرق أوسطية، وتأكيد قوتها كلاعب دولي لا يمكن تجاهله إقليمياً ودولياً، إضافةً للموقف الانهزامي للإدارة الأمريكية في عدم ردها على الهجوم الكيماوي الذي شنه النظام الأسدي في الغوطة الشرقية، ما شكل نقطة تراجع وانكسار في سياسة أوباما الأمريكية تجاه الثورة السورية.
“إيران” بنك أهداف دولي لأمريكا
أما المرحلة الثانية: فتميزت بمجيئ الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ” ترامب” والتي أعادت هيبة أمريكا في الساحة الدولية مع ما يتناسب وقوتها ووزنها المرحلي والاستراتيجي، فعززت موقعها في سورية عسكرياً، وتبنت خطة استراتيجية خاصة في سورية تمثلت بضرورة إخراج إيران من سورية، والتي وصفتها الإدارة الامريكية بأنها البنك الدولي للإرهاب، وضيقت الخناق عليها ابتداء بإلغاء الاتفاق النووي ووضع عقوبات مشروطة يجب تنفيذها من قبل حكومة الملالي قبل إعادة النظر في رفعها العقوبات، بالإضافة إلى ضرب قواتها العسكرية في سورية بالتنسيق مع اسرائيل، وكذلك تم فرض عقوبات قاسية عديدة على روسية ومعاقبتها على سلوكها في سورية، بالإضافة الى مبرر تدخلها في الانتخابات الامريكية .
وأضاف المحلل الاستراتيجي “علاو” أن أمريكا القوة العظمى في العالم، تتبنى خطة استراتيجية في سورية خطوطها العريضة اخراج إيران حليف النظام وروسيا بنفس الوقت، وعدم الانخراط في إعمار سورية إلا بعد الحل السياسي وإجراء تسوية حقيقة وفقا للقرارات الدولية وخاصة القرار الأممي رقم “2254”.
إغراق روسيا بالملف السوري
ويرى العميد “علاو” أن أمريكا أغرقت روسيا بالملف السوري، بدليل أن لافروف وافق على لقاء المجموعة الدولية المصغرة والتحاور معها، والتي اعتمدت مبدئيا مسودة مقترحات للحل السياسي في سورية بدون أي مقابل وفق منطوق القرار الأعجر 2254 القرار الغامض بدون شروحات وعدم تحديد مرجعيات لحل النزاعات التي تنشأ في تفسير نصوصه.
وأضاف، أن الموقف الأمريكي أصبح ثابتاً وواضحاً، وهناك استراتيجية تم تبنيها من قبل الإدارة الأمريكية، وتم تحديد فريق العمل الذي تم تكليفه بتنفيذها، وتخويله صلاحيات التنسيق أمميا بما يخدم تنفيذ الاستراتيجية.
الاستراتيجية الأمريكية المعلنة في سوريا
وأشار ” علاو” في حديثه لحرية برس، إلى أن الاستراتيجية الامريكية المعلنة في سورية والتي حطمت آمال الروس والنظام وإيران هي باختصار: القضاء على داعش نهائياً، وإخراج إيران من سورية، واستقرار المناطق التي تسيطر عليها والبقاء فيها حتى يتم إنجاز الحل للسوريين والذي يمثل طموحاتهم وأمانيهم وعودة آمنة للاجئين.
السوريون آخر من يعلم
وفي ردّ منه على سؤال هل بات السوريون أخر من يعلم بما يدور خلف الكواليس؟ أجاب “علاو”: نعم، بفضل من تصدر الثورة وعملوا على تشويهها وحرفها عن مسارها، تنفيذاً لأجندات دولية ومصالح ومكاسب نفعية آنية، وأضغاث أحلام عمل على تنفيذها عامةٌ رعاع لمصالح شخصية ومنافع أسيادهم، لكن ما شهدناه من مظاهرات عارمة أعادت للثورة ألقها ورونقها المميز لخير دليل أن الثورة مستمرة وباقية، والخشية عليها فقط من الضفادع المتلونين والرايات والبنادق المؤجرة، على حد وصفه.
سوريا مفتاح الشرق
وحول وجهة نظره فيما يتعلق بالموقف الأمريكي إزاء القضية السورية، رأى “يمان دابقي” الباحث في “مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية”، أن أمريكا لا تنظر إلى سورية بمعزل عن مشروع الشرق الأوسطي الجديد، على العكس سورية هي مفتاح الشرق، لإعادة تكوينه على أنقاض “سايكس بيكو” لكن استراتيجيتها في سورية تختلف بين محددات رئاسة “أوباما وترامب”.
وأضاف لحرية برس، أن أوباما تجاهل كل ما يجري في سورية مقابل توجيه كل اهتمامه على إنجاز اتفاق نووي مع إيران في 2015، هذا الأمر الذي سمح للروس بفرض انتداب على سورية متبعةًّ بذلك سياسة ملئ الفراغ في المنطقة، لكن هذا لا ينفي أن أمريكا واسرائيل هي من أطلقت يد روسيا في سورية، لكن الفارق أن روسيا استثمرت في فترة ترامب بالرخصة الممنوحة لها لتفرض نفسها كلاعب إقليمي دولي منافس للمعسكر الغربي.
ملف إدلب وسحب البساط من روسيا
وتابع “دابقي” قائلًا: من جانب آخر تخشى روسيا من عرقلة أمريكية تمنع استثمار انجازاتها العسكرية في سورية منذ تدخلها في 2015، فعملت على إنشاء مساري “آستانة وسوتشي” كبديل عن جنيف، وتقّربت من إدارة الرئيس “ترامب” لتحقيق هذا المنال، إلا أن الإدارة نفسها والرئيس نفسه ترامب أصبح مهدد بالعزل، ما رَشحَ عن ذلك الرضوخ أمام صناع القرار داخل البيت الأبيض والكونغرس.
وأضاف، أن الاستراتيجية تغيرت مع مجيء “جيمس جيفري” مؤخراً والذي أقنع ترامب بعدم الانسحاب من سورية، وطرح استراتيجية جديدة من شأنها إعادة زمام المبادرة لأمريكا وسحب البساط من روسيا، فأعادت إحياء مسار جنيف وطرحت وثيقة للحل في سورية بمشاركة مجموعة الدولة المصغرة، ويمكن الترجيح بأنها الصفعة القوية لروسيا بمنعها احتلال كامل لسورية،، فربطت مسائل إحلال السلام والإعمار في تسوية سياسية كاملة، ودعمت موقفها بتأييد الحلفاء “أوربا وفرنسا وبريطانيا” الذين جميعهم يقفون الآن مع تركيا، لسحب البساط من روسيا في ملف إدلب.
أمريكا واغراق كل اللاعبين في الملف السوري
ويرى “دابقي” أيضاً، أن أمريكا ليست فقط عملت على إغراق روسيا في سورية بل كل الفاعلين في الملف السوري، أغرقتهم لتعود اليوم من بوابة الشمال السوري لتخلط الأوراق من جديد.
وأضاف، من هنا نرى أن محور “أستانة” يبحث اليوم عن نقطة الخروج، فأعاد الأمر لمجلس الأمن وهو ما تنتظره أمريكا أن يعود الجميع لها لتضع اللمسات الأخيرة كما تراها هي مناسبة لشرق أوسط جديد لا ينافسها فيه أحد، وبالنسبة للمصالح ستوزعها هي بما تراه مناسب ولا يتعارض مع رؤيتها الجيوسياسية، وبالأخص أنها ضمنت احتلال كامل لشرق الفرات وعززت ذلك بقواعد عسكرية، وهي العقبة التي لا تنجح لا روسيا ولا إيران بتجاوزها.
سوريا بيئة لتصفية الحسابات
المحلل السياسي “ناصر أبو المجد” رأى في حديثه لحرية برس، أنه وفي بواكير الثورة السورية كان الموقف الأمريكي تقليدياً اعتيادياً يشبه تماماً موقفهم في بلدان الربيع العربي التي سبقت الثورة السورية، وتحديداً “تونس، ومصر، ثم ليبيا” وهو موقف تقليدي عبارة عن رفع الغطاء عن الحكام ومجاراة الشعوب فيما يتعلق بانتفاضة الربيع العربي.
إلا أن هذا الموقف تحول 180 درجة تقريباً، لكن ليس لجهة أنهم يرفضون نتائج ومخرجات الثورات، وانما عندما رأى الأمريكان أن هناك شهية قوية وجارفة جداً لدى جهات دولية للتدخل في سوريا واستدعاها نظام الأسد والحديث هنا عن ايران وروسيا، فهنا بدى للأمريكان أنهم كما كان موقفهم مجاراة الشعوب فلا مانع لديهم أيضا من مجاراة المتدخلين أيضا في الشأن السوري، وبالتالي اتخذت أمريكا من سوريا بيئة لتصفية الحسابات، بمعنى آخر أنه ما دامت سوريا مغناطيسيا جاذبا لكثير من القوى فإذاً ما الذي يدعونا نحن الأمريكان أن نمنعهم وهناك شهوة كبيرة جدا لما يسمى بالجهاد السلفي يريد أن يطرق أبواب سوريا ويعبر الحدود، إذاً فليدخلوا.
وأضاف، أن أمريكا رأت أن هناك شهوة جارفة أيضا لدى الإيرانيين من جهة حماية نظام الأسد، ومن جهة ثانية اعتقاداً منهم بأن سوريا من حصة إيران وهي احدى المحافظات الإيرانية.
كما أن هناك شهوة قوية لدى الروس أيضاً لاستعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي (روسيا القديمة،) وبالتالي الامريكان كأنهم أداروا اللعبة على مبدأ تصفية الحسابات أو استنزاف هذه القوى، ومعالجة معظم الملفات العالقة لكن في الحدث السوري.
نظرية الاستنزاف الأمريكية
ويضيف المحلل السياسي “أبو المجد” أنه من الطبيعي أن تبدأ أمريكا بتصفية الحسابات مع تنظيم القاعدة وأخواتها وهذا الأمر لا يحتاج لصناعة اجماع دولي، فهو حاضر منذ هجمات 11 أيلول.
وأشار، إلى أن من يلي تنظيم القاعدة هي إيران، وهي تصلح أن تكون هدفاً لاحقاً، وأن يُحضّر اجماع دولي ضدها لكن ليس بدرجة تنظيم القاعدة بل بالدرجة الثانية، وفعلا يطبق الموضوع الآن بشكل واضح جداً، وتحاول أمريكا أن تقنع وتضغط حتى على معظم دول العالم بمن فيها الحلفاء الأوروبيين، لمنع التعامل مع إيران اقتصاديا.
ومن وجهة نظر “أبو المجد”، فإن القوة الثالثة الموضوعة تحت نظرية الاستنزاف هي روسيا، وهي متروكةٌ للأخير لأن روسيا ليست مصنفة كمارقة فروسيا تصنف أنها دولة معادية، لكن لها حظوة في المجتمع الدولي ولها علاقات أكثر ومن الصعب إيجاد اجماع دولي ضد الروس، ولكن إذا تم حذف تنظيم القاعدة من المشهد ثم حذف الإيرانيين من المشهد أيضًا ومحاصرة روسيا اقتصاديا كما هُددت أخيراً، عندئذ يصبح الموقف الروسي معزولا ويسهل الاستفراد به.
ولفت المحلل السياسي، إلى أن الأمريكان لامسوا بهذه الخطة الأتراك وحاولوا اضعافهم، ولكن ليست تركيا هي الأولوية، فالأولوية للقاعدة وإيران وروسيا.
الموقف الأمريكي “مضطرب”
بدوره، قال المحلل السياسي “ياسر سعد الدين” لحرية برس: إنه بالنسبة للموقف الأمريكي فهو موقف مضطرب، وقد يكون هذا الاضطراب مبرمج وهذا المرجح، فأمريكا تتحاشى أن تقف موقفًا حادًا في أيٍّ من الملفات السورية حتى لا تكون هناك فرصة للمفاوضات والضغط.
ويرى “سعد الدين” أن أمريكا فعلا ورطت روسيا على حساب الدم السوري والشعب السوري، وأن روسيا الأن أصبحت متورطة، وبالتالي فإن القوى العالمية لا تستطيع أن تزاود على بعضها البعض، فروسيا متورطة في مجازر وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والغرب يستخدم هذه الملفات وملفات حقوق الانسان كأدوات سياسية كما رأينا بعد “صدام حسين” عندما فجأة خطر لهم “حلبجة” بعد عدة سنوات عندما أرادوا حصار العراق، وتذكروا بعدها أن “صدام” استخدم الكيماوي في استهداف الأكراد وهذه رؤية.
أما الرؤية الأخرى، بحسب “سعد الدين”، فإن الإدارة الأمريكية الحالية متواطئة أو متخاذلة مع الروس، وهناك عدة سياسيين أمريكان وتعقيبًا على قمة “هلسنكي” التي جمعت ترامب وبوتين، كانوا يتساءلون ماذا يمسك بوتين على ترامب، وبكل الأحوال كل الملفات الأمريكية أبتت أن أمريكا لا تقيم لوعودها قيمة ولا لقيمها المعلنة، وهي من أكثر القوى العالمية التي تستخدم الازدواجية والنفاق وتعبث بدماء الشعوب العربية الإسلامية، ولا تبالي بما يحدث لسورية والسوريين.
أمريكا “شرطي” يراقب الجميع
من جانبه، رأى الناشط السياسي من إدلب “عبد الكريم العمر” أنه ومن خلال تجربة سبع سنوات من الثورة، لا أمريكا ولا أوروبا ولا أي دولة في العالم تهتم لحرية وكرامة الشعب السوري أو دماء الشعب السوري على الاطلاق، والموقف الأمريكي كان غير واضح منذ بداية الثورة بغض النظر عن تواجدهم بموضوع بيان جنيف 1 عام 2012.
وأضاف، أن الأمريكان ورغم موافقتهم على كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن إن كان القرار 2254 أو القرار 2118، ولكن لا توجد جدية حقيقية بتنفيذ هذه القرارات وإلزام النظام والأطراف الداعمة له على تنفيذها، معتبراً أن المصلحة الأمريكية في سوريا هي السيطرة في الشرق على منابع النفط، لافتاً إلى أن الدور الأمريكي كان بمثابة شرطي يراقب كل الأطراف عن بعد.
عذراً التعليقات مغلقة