ياسر محمد – حرية برس
نجحت تركيا لحد الآن بإبعاد شبح الحرب الشاملة عن إدلب، آخر معاقل المعارضة، وحماية أرواح نحو أربعة ملايين مدني يقيمون فيها، مستخدمة تكتيكات عسكرية وسياسية مكنتها من حشد معظم دول العالم إلى جانبها ضد حليفيها في مسار “أستانا” (روسيا وإيران).
وكان اجتماع طهران الثلاثي الأسبوع الماضي بداية التفوق التركي في إدارة الملف، حين وقف الرئيس التركي بكل حزم ضد أي هجوم على إدلب، وهو ما كان يريده الرئيس الروسي أن يحدث بأسرع وقت، ما دعاه إلى اللجوء لمجلس الأمن الدولي بعد فشل قمة طهران، إلا أن تركيا قلبت الطاولة على بوتين ونجحت في حشد كل دول المجلس ضد أي عملية عسكرية في إدلب، ما أجبر موسكو على إعطاء فرصة أخرى لتركيا لحلحلة الوضع في إدلب.
وفي الصدد، أكد المبعوث الروسي إلى سوريا “ألكسندر لافرينتيف” انفتاح بلاده على “حل سلمي للوضع في إدلب”، لكنه حمّل تركيا مسؤولية الفصل بين “الجماعات الإرهابية” والمعارضة المعتدلة.
وقال بعد المحادثات التي عُقدت منذ يومين في جنيف مع مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا: “روسيا والدول الضامنة الأخرى (تركيا وإيران) تعمل كل ما يمكنها من أجل حل قضية إدلب بأدنى حد من الخسائر”.
وأضاف “من الأفضل تسوية الوضع بطريقة سلمية، من الممكن تفادي استخدام القوة، إذا تحدثنا عن التأجيل، يمكن تأجيل محاربة التنظيمات الإرهابية أسبوعاً أو إثنين أو 3 أسابيع‘‘، مشيراً إلى إن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان يعملان بجدٍ للتوصل إلى حل.
الكاتب السوري المعارض محي الدين لاذقاني علق على الأمر بالقول: “تركيا حصلت على هدنة ثلاثة أسابيع بموافقة الروس لتنظيم الفصائل المسلحة وعزل المتطرف عن المعتدل، وبعيدا عن التعقيدات يُنتظر أن تحل (هيئة تحرير الشام) نفسها وأن تكف عن لعبة تغيير الأسماء غير المقنعة لترفع عن إدلب السيف المسلط فوقها بسببها وسبب من يلوذ بها.. أما الباقي فليس معقدا”.
وتأكيداً على ابتعاد شبح المعركة الشاملة على إدلب، وخيبة أمل النظام والإيرانيين، كتب لاذقاني: “انسحاب قوات من يسمونه (النمر) من ريف حماة الشمالي تعكس خيبة الإيرانيين بهجوم شامل على إدلب، وحقيقة أن ما تبقى من قوات النظام لا تتحرك إلا بالأوامر الروسية وأن بشار الكيماوي لا سلطة له عليها ففي الأسبوع الماضي رفض قائد الفرقة 11 مدرعات (ابن عمه) تنفيذ أوامره بتعديلات بقيادة الفرقة”.
المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، اعترفت ضمنياً بأن تركيا نجحت بإفشال السيناريو الروسي الهادف لاحتلال المحافظة، وقالت في تصريحات صحفية اليوم الخميس: “التوتر يتصاعد في سوريا وحولها، الوضع الأكثر صعوبة في محافظة إدلب، حيث يزداد التوتر بسبب كثافة (الإرهابيين)”.
وأكدت زاخاروفا أن المعارضة في إدلب السورية تستعد للدفاع على المدى الطويل وللهجوم على حلب وحماة.
والدفاع والثبات في معركة طويلة محتملة هو السيناريو الذي تسعى تركيا إلى فرضه في إدلب، وتمثل ذلك بتدعيم نقاط مراقبتها الـ12 في المنطقة، وشحن المزيد من الأسلحة الهجومية والدبابات وراجمات الصواريخ، وأمس قال قائد كبير بالجيش السوري الحر مطّلع على محادثات في الأيام القليلة الماضية مع كبار المسؤولين الأتراك: “تعهد الأتراك بدعم عسكري كامل لمعركة طوية الأمد.. لن يستطيع النظام أن يصل إلى ما يريد”، حسب رويترز.
وأوضح قائد آخر بالمعارضة للوكالة، أن “هذه الشحنات من الذخائر ستسمح لأن تمتد المعركة وتضمن أن لا تنفد الإمدادات في حرب استنزاف”، مضيفاً “يحصلون على شحنات جديدة من الذخائر، لا يحتاجون أكثر من الذخائر”.
وعلى الرغم من نجاح التكتيك التركي سياسياً وعسكرياً لحد الآن، إلا أن احتمالات الهجوم ما زالت قائمة، وزادت الأمم المتحدة اليوم الشكوك حول ذلك من خلال توزيعها إحداثيات مدارس ومستشفيات على القوى الكبرى وأطراف الصراع، وقال مسؤول كبير في الأمم المتحدة، اليوم الخميس، إن المنظمة أرسلت إحداثيات نحو 235 موقعاً يخضع للحماية في محافظة إدلب السورية، من بينها مدارس ومستشفيات، لروسيا وتركيا والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وسط مخاوف من هجوم عسكري كبير.
عذراً التعليقات مغلقة