لجين المليحان – حرية برس:
’’ﺗﺬﻛﺮﻭﻧﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺤﺘﻔﻠﻮﻥ ﺑﺴﻘﻮﻁ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ… ﺗﺬﻛﺮﻭﺍ ﺃﻧﻲ ﺃﻋﻄﻴﺖ ﺭﻭﺣﻲ ﻭﺩﻣﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ‘‘ هذه كانت عبارة الشهيد ﻏﻴﺎﺙ ﻣﻄﺮ الذي نهض للمطالبة بالحرية، وحلم بإسقاط نظام الأسد ورموزه، فمن ورود ياسمين الشام ﺑﺪﺃﺕ حكايته، ومن ﻧﺴﺎﺋﻢ داريا التي ﻧﺎﺩﺕ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ، قالها وهو مدرك أن طريقنا إلى الحرية الحمراء طويل، وقدم روحه مهراً لثورتنا.
أضحى ﺍﺳﻢ ﻏﻴﺎﺙ ﻣﻄﺮ ﻣﻌﺮﻭﻓﺎً وذو زمرية ثورية كبيرة في سوريا، ﻭﻟﺪﻯ ﻋﻤﻮﻡ ﺍلسوريين المعارضين لنظام الأسد والمناضلين لأجل ثورة الحرية، حيث كان ﻧﺎشطاً ﺳﻴﺎسياً ﺳﻮﺭياً ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺩﺍﺭﻳﺎ ﺑﺮﻳﻒ ﺩﻣﺸﻖ، وﻗﺘﻞ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﻗﻮﺍﺕ نظام الأسد ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﻝ، ﺇﺛﺮ ﺗﻌﺮﺿﻪ ﻟﻠﺘﻌﺬﻳﺐ.
ﻭﻟﺪ غياث ﻓﻲ 8 ﺗﺸﺮﻳﻦ ﺍﻷﻭﻝ 1986 وعاش ﻣﻊ عائلته حياة هادئة ﻣﺴﺘﻘﺮة على الرغم من حياة الكبت والتمييز والقمع ﺍﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﻬﺎنظام الأسد ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭالاستبداد، حيث عمل كمعاقب معاملات لمدة قصيرة.
وحاز على المركز الثاني على مستوى الجمهورية ببطولة كمال الأجسام، حيث كان يهتم ﺑﻠﻴﺎﻗﺘﻪ ﺍﻟﺒﺪﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﻳﺎضية، ﺛﻢ عمل ﺑﻤﻬﻨﺔ تنجيد الأثاث بمدينته داريا.
كان غياث مطر من أوائل النشطاء والمتظاهرين السوريين في حراك الثورة السورية، وكان المناضل والطموح والمقدام الذي يدعو للتظاهر السلمي، حيث ﺗﻤﻴﺰ ﺑﺼﻮﺗﻪ ﺍﻟﺮﻧﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﻟﻢ، ﻭﺳﻠﻮﻛﻪ ﺍﻟﺮﺍﻗﻲ، كما لقب بـ’’غاندي الصغير‘‘، فقد انتقد سلوك النظام الإجرامي ﺍﻟﺬﻱ ﻃﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺃﻃﻔﺎﻝ ﺩﺭﻋﺎ، ولم تثنيه كلمات والدته وإصرارها بعدم خروجه ومشاركته في المظاهرات، إلا أنه يرد قائلاً: ’’ﺭﺃﺱ ﻣﺎﻟﻬﺎ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺃﻭ ﺍﻋﺘﻘﺎﻝ‘‘.
أبدع غياث في العمل على تنظيم ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺩﺍﺭﻳﺎ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺰﺀﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻤّﺖ أرجاء الأراضي السورية ﻋﺎﻡ 2011، ومما عرف عنه كان يقدم ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻮﺭﻭﺩ ﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻷﻣﻦ ﻭﺍﻟﺠﻴﺶ التابعين لنظام الأسد ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮﺍﺕ لإظهار سلمية الثورة ورقي المتظاهرين، وحاول بهذه المبادرة إستخراج إنسانية عناصر الأمن، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل أمام وحشية قوات الأسد وشبيحته الموالين.
لم يعلم غياث ماذا يخبئ له التاريخ في السادس من أيلول 2011، حينما ﺍﻋﺘﻘﻞ يومها وهو بعمر الـ 26 ﻋﺎﻣﺎً، ﻓﻲ فخ ﻧﺼﺐ ﻟﻴﺤﻴﻰ ﺷﺮﺑﺠﻲ، ﺍﻟﻨﺎﺷﻂ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺽ ﻭﻣﻌﺘﻘﻞ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ بسجون نظام الأسد، ﻭﺃﺣﺪ ﻗﺎﺩﺓ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻲ مدينة ﺩﺍﺭﻳﺎ.
ﻛﺎﻥ ﺷﻘﻴﻖ ﻳﺤﻴﻰ قد ﺃﺟﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﺑﺄﺧﻴﻪ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺭﻱ ﻟﻴﺒﻠّﻐﻪ ﺃﻧﻪ ﻣﺼﺎﺏ، فأسرع ﻏﻴﺎﺙ وﺫﻫﺐ ﻣﻊ ﻳﺤﻴﻰ ﻟﻠﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ليتم اعتقالهم يومها، ﻭﺑﻌﺪ 4 ﺃﻳﺎﻡ، ﺳﻠﻢ ﻏﻴﺎﺙ ﻷﻫﻠﻪ ﺟﺜﺔ ﻫﺎﻣﺪﺓ، حيث ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻖ ﺟﺮﺍﺣﻲ طولي ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻪ وجروح في الصدر والوجه من ﺁﺛﺎﺭ ﺗﻌﺬﻳﺐ بسجون النظام.
كان قبل اعتقاله ﻳﺸﺠﻊ ﺷﺒﺎﺏ ﺩﺍﺭﻳﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﺒﺎﺕ ﻭﺍﻻﺳﺘﻤﺮﺍﺭ، وكان هو وﺃﺻﺪﻗﺎﺀﻩ ﻳﺠﻬﺰﻭﻥ ﻟﺰﻟﺰﺍﻝ ﺳﻴﻬﺰ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺩﺍﺭيا من خلال المظاهرات السلمية، ولكن ﻧﺒﺄ ﺍﺳﺘﺸﻬﺎﺩﻩ كان هو ﺍﻟﺰﻟﺰﺍﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺼﻒ بمدينته آنذاك.
ثمانية أعوام مرّت على ذكرى استشهاد سفير الورد وهي أعوام من عمر الثورة السورية، ابن مدينة العنب والدم، حيث فتح غياث مطر باب الشهادة لرفاقه وثوار سوريا جميعاً.
هذه الأعوام تذكرنا بعبارة كتبها متظاهرين على لافتة تقول: ’’كل حرة ستنجب غياث ومحال أن ينتهي المطر‘‘، لم يدرك نظام الأسد أن الشعب السوري الحر مستمر في ثورة الحرية والكرامة، وبقتله لغياث وغيره من الشهداء لن يثني الشعب الحر عن الاستمرار والمثابرة، بل أنه يزيد الثورة تأججاً ولهيباً، ويخلق رموزاً في التضحية والإباء ، فالثائر لايفنى أبداً.
عذراً التعليقات مغلقة