أحمد زكريا – حرية برس
باتت التطورات في منطقة إدلب، الملف الوحيد الذي يطفو على سطح الأحداث الميدانية والسياسية بين مختلف الأطراف الفاعلة في القضية السورية.
ويرى مراقبون أن اللاعب الوحيد وهي “روسيا” تسعى لاستخدام هذا الملف كورقة ضغط على تلك الأطراف وخاصةً على تركيا أحد الضامنين لمناطق خفض التصعيد، كما تحاول روسيا ايصال العديد من الرسائل السياسية وتحديداً لأمريكا، بأنها ماتزال لاعباً رئيساً في الساحة السورية ولا يمكن إزاحتها بسهولة.
وأشار محللون، إلى أن روسيا تسعى ومن خلال ورقة إدلب لتحقيق مكاسب اقتصادية هامة إضافة للمكاسب العسكرية، وذلك من خلال السيطرة على أهم الطرق الرئيسة الدولية التي تصل ادلب بحلب واللاذقية ودمشق وحماة.
وتطرح تلك المساعي الروسية العديد من إشارات الاستفهام، حول الأهمية الاستراتيجية التي يشكلها طريقا (اللاذقية-حلب) و(حماة-حلب) أيضاً بالنسبة لروسيا والنظام وحتى إيران.
ذريعة روسيّة للحصول على أموال إعادة الإعمار
العقيد “رياض الأسعد” مؤسس الجيش السوري الحر قال لحرية برس: إن طريق (حلب اللاذقية، وحلب حماة) لها أهمية استراتيجية بالنسبة للاحتلال الروسي والاحتلال الإيراني، وطبعا عصابة بشار أصبحت فصيل من ضمن الفصائل التي تقودها دول الاحتلال، حيث يوجد قوات إيرانية وروسية في حلب.
وتابع “الأسعد”: أنه بالاستيلاء على تلك الطرقات فإن ذلك يعني فك الحصار عن تلك القوات ويصبح التواصل معهم أسهل، وكذلك طرق امدادهم تكون أسهل وأسرع، بالإضافة إلى الأهمية الاقتصادية التي تشكل هذه الطرقات عصبها الرئيس بين حلب وتلك المناطق، وكذلك الطريق التجاري الذي يربط باب الهوى وباب السلامة بتلك المناطق، والمردود الاقتصادي الكبير الذي يحققه الروس وعصابة بشار، ويشكل ضغط كبير على ما تبقى من مناطق ليتم إجبارها على الاستسلام وتسليم المناطق في مرحلة لاحقة وهذا هو الهدف الروسي.
ورأى “الأسعد” أن سيطرة الروس على تلك الطرق الاستراتيجية تعطيها الذريعة بأنها بسطت سيطرتها على غالبية المناطق والحيوية منها، فتستطيع بعدها إحراج كافة الدول التي تعارض البدء بالإعمار قبل الحل السياسي، وتكون روسيا حلّت عقدةً هي أحوج لها لتعويض ما خسرته في الحرب بسوريا من أموال الاعمار وتحويلها إلى مشاريع وهمية تصّب عندها.
وفي سياق ما أشار إليه “الأسعد” رأى المحلل العسكري العقيد “حاتم الرواي” أنه النسبة لطريق حلب دمشق وطريق حلب اللاذقية، فهما الشريانان الحيويان في سوريا، وبالتالي فإن إلحاح روسيا على تأمين هذين الخطيين هو أن روسيا الآن تسعى للحصول على تمويل لإعمار سوريا، ويأتيها الرد “أين الإعمار؟ وكيف يكون الإعمار والبلد مهدد ومقطع؟ وكيف يمكن لأي مواطن أن يسكن أو أن يعود لهذا البلد؟ فأرونا الاستقرار في سوريا لنتحدث بها عن الإعمار”، مضيفاً أنه لهذا الأمر فإن روسيا تستعجل فتح هذين الطرقين بأي ثمن لتتاجر بهما ولتعتبر أنهما خطوة باتجاه الاستقرار.
.
.
.
.
وفي هذا الصدد قال “محمد عدنان” رئيس “حركة سوريا السلام” في حديثه لحرية برس: إن سيطرة الروس والنظام على تلك الطرق الاستراتيجية، تشكل أهمية سياسية قبل كل شيء ليقول النظام للعالم هاهي سوريا عادت مترابطة الأطراف تحت سيطرة الدولة، وذلك من أجل إقناع الغرب وحلفائه للبدء بإعمار سوريا وإعادة اللاجئين.
.
.
.
طرق لوجستية لإمداد قوات الأسد
وعن رأيه فيما يتعلق بمساعي روسيا للسيطرة على طريقي (حلب-اللاذقية، وحلب-حماة) قال “رشيد حوراني” الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام”: يقف وراء هذا الهدف النظام ويوافقه عليه حلفاؤه لتحقيق أمرين: الأول إظهاره على أنه مسيطر على عقدة المواصلات الرئيسية في سورية التي تربطها مع دول الجوار، وبالتالي ضرورة محاورته للتنسيق في تشغيلها، وهو ما حصل في معبر نصيب مع الأردن.
والأمر الثاني، هو الإحاطة أو التمكن من مناطق انتشار قوى الثورة، من خلال فرض طوق عليها يساعده لوجستياً لإمداد قواته.
وفي ردٍّ منه على سؤال أنه وفي حال تمكن النظام وروسيا من السيطرة على تلك الطرقات فهل سيتوقف الأمر عند هذا الحد؟ أجاب “حوراني”: لا لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، مبينًا أنه ومن خلال الهدف الثاني فإن النظام يرمي من وراءه القضم التدريجي للتقدم باتجاه مناطق الثوار، وفي الهدف الأول يرمي لكسب المشروعية والاعتراف به.
.
.
.
بدوره، رأى المقدم “أحمد السعود” القيادي في الجيش السوري الحر، أن ما تسعى إليه روسيا والنظام هدفه تقسيم ادلب لعدة أقسام، والدخول بين مناطق المعارضة بسهولة، وتشتيت المعارضة جغرافياً وعسكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً.
.
.
.
.
مجرد تحليلات سياسية
أما النقيب “ناجي المصطفى” المتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، فقال: نحن نعرف أن هذه الطرق التجارية مهمة للنظام وروسيا لإعادة عجلة الاقتصاد من جديد في سوريا، معتبراً أن الحديث عن مساعي روسيا والنظام للسيطرة على تلك الطرق الاستراتيجية هو مجرد تحليلات سياسية، مضيفاً أنهم كفصائل لن يسمحوا مهما كلف الأمر بأن يصل النظام لهذه المناطق أو أن يسمحوا له بالسيطرة على أي منطقة من المناطق المحررة، لافتاً إلى أن روسيا تستخدم كافة وسائل الخداع والتضليل من أجل السيطرة على كامل المناطق المحررة كما فعلت بالجنوب السوري وفي الغوطة الشرقية.
.
.
القرار يبقى لموسكو بشأن إدلب
من جهته، قال المحلل السياسي “نبيل شبيب” لحرية برس في ردّ على سؤال حول أهمية تلك الطرق الاستراتيجية بالنسبة للنظام وروسيا: إن أهميته جغرافياً وسياسياً تحقيق التواصل الكافي فيما سماه “الأسد” سورية المفيدة، وأحسب أن احتمالات التوافق الثلاثي بين تركيا وإيران وروسيا سيشمل ذلك مقابل وجود تركي كاف لمنع تدفق المشردين إلى تركيا.
وأشار “شبيب” إلى أن قضية إدلب ولا قضية سورية لم تعد قضية طرفين أو ثلاثة أطراف، ولا توجد مواقف صريحة ليمكن البناء عليها عبر توقعات قريبة من الواقع، فما نقوله أقرب للتكهنات والتقديرات العامة، وهذا ما يسري على المؤتمر الثلاثي بين “تركيا وروسيا وإيران” في طهران الذي أتي في لحظة تظهر فيها حاجة موسكو لتركيا وحاجة تركيا لموسكو بصورة متوازنة نسبياً، بالمقارنة مع وضع إيران التي تجتاحها أزمة داخلية وضغوط خارجية بقوة متصاعدة.
وأضاف: إن القرار سيبقى لموسكو بشأن إدلب، إنما توجد عوامل عديدة تدفعها للحرص على النجاح دون ارتكاب مذابح همجية كما صنعت حتى الآن، ليس بسبب تجنب إحراج تركيا فقط، بل لرغبتها أيضا في تخفيف النفقات المالية، وكذلك في الظهور بمظهر دولة قادرة على التصرف سياسياً وليس عسكرياً فقط.
وتابع قائلًا: لا أحسب أن ذلك سيمنع وقوع مواجهات عسكرية عنيفة، إنما يبقى الأمل في أن تتمكن قوى الفصائل المتجمعة في إدلب من منع وقوع كوارث إنسانية كبرى، وقد تكرر التحذير الغربي منها في صيغة من يقول إنه على علم بقرار الحرب مسبقا بل يكاد يدعو إليها شريطة تجنب القتل بالكيمياوي، أي يريد أن يكون اختيار آلة القتل بحيث لا تحرجه أمام الرأي العام لديه.
المؤتمر الرباعي القادم تحدٍ للسياسة الأمريكية
وتأتي تلك التطورات المتلاحقة بخصوص ملف إدلب، وسط تصريحات روسيّة فيما يخص العمل من أجل قمة زعماء تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا التي ستعقد في اسطنبول حول الشأن السوري.
وذّكر “يوري أوشاكوف” مستشار الرئيس الروسي للسياسة الخارجية في الكرملين، في تصريح صحفي، الخميس، ان الزعماء ناقشوا القمة التي اقترحت تركيا عقدها في اسطنبول، وأن روسيا أبدت رأيها الايجابي بهذا الشأن.
وتعليقاً على موضوع انعقاد تلك القمة قال “شبيب”: سواء انعقد المؤتمر الرباعي بين تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا قبل انقضاء أيلول / سبتمبر أم بعد ذلك أم لم ينعقد، فهو من حيث التوقيت والدعوة إليه مؤتمر يتحدّى سياسات الهيمنة الأمريكية، ويجمع القوى الأربع الرئيسية الأقرب إلى دفع سواها في أوروبا وخارج أوروبا، للتلاقي على ما تتفق عليه إذا اتفقت لتخفيف مفعول القبضة الأمريكية النقدية والتجارية عالميا.
وأضاف، بأن هذا الهدف مطروح منذ فترة، والعقبات في وجهه قائمة نتيجة ترسيخها بقوة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فليس سهلا التغلب عليها، ولكن المعطيات الدولية الحالية أفضل مما كانت عليه قبل عشرين أو ثلاثين سنة، والجهات المتضررة من السياسات الأمريكية تمثل غالبية عالمية.
ولفت، إلى أن جوهر المشكلة أن واشنطن كانت تدعو باستمرار إلى تحرير التجارة والتحركات المالية عالميا، وبعد الاستجابة لها لم تستطع أن تحافظ على هيمنتها المطلقة عبر المنافسة بشروط متكافئة، فتراجع حجم سيطرتها، وتحولت إلى عملاق مريض بمقياس حجم الديون عليها وحجم العجز في ميزانها التجاري وحجم التصاعد التدريجي للتمرد على إملاءاتها، وفي عهد ترامب -والقرار الحقيقي لمؤسسات ما يسمى الدولة العميقة-بدأ انقلاب واشنطن على سياساتها السابقة قبل أن تترنح هيمنة العملاق المريض عالميا، وأطلقت ضرباتها في اتجاه، وهذا ما يمكن أن يجمع المتضررين للتعاون على تحرك دفاعي مضاد.
التعويل على تركيا في منع الهجوم على إدلب
من جانبه، رأى المحلل السياسي “سعد الوفائي” أن الجميع ينتظر قمة طهران، على أمل أن تكون النتائج إيجابية اتجاه منع هجوم النظام بدعم روسي كبير وإيراني، غير أن المؤشرات الدولية تشير إلى رغبة دولية عارمة في تحقيق هذا الهجوم، في رغبة لسحق جبهة فتح الشام أو جبهة النصرة ومثيلاتها، فتصريحات الرئيس الأمريكي تشدد على تجنب المجازر الكبرى وكأنه يريد من الروس والنظام أن يجنبوه الإحراج الدولي، والمبعوث الأممي “ديميستورا” يعطي النظام ذريعة لأي إجرام يريد القيام به عندما يصرح بأن هناك جهات ممن سماهم الجهات الارهابية يملكون القدرة على استخدام الاسلحة الكيميائية، وهي مزاعم بعيدة عن الواقع ان لم تكن مستحيلة.
وأضاف، أن المعول فقط على تركيا في منع الهجوم لما سيكون له من أثر انساني رهيب سينعكس جزء هام منه على تركيا إذ إنها المنفذ للاجئين إذا حصل الهجوم، غير أنها الى الآن لم تستطع أن تقدم حلاً يمكن تطبيقه لتجمع كبير لفئة منبوذة من المجتمع الدولي نتيجة هي جبهة النصرة، إذاً خطر الهجوم مازال موجوداً والقمة أضعف مما نتصور لما فيه من هوات كبيرة بين مصالح الأطراف الثلاثة.
وأشار، إلى أنه إذا أعطيت تركيا فرصة أخرى وتقرر تأجيل الهجوم الى ما بعد القمة الرباعية، فقد تنجح القمة الرباعية في تحسين الظرف، إذ أن المصالح في القمة الرباعية مصالح حيوية منها خوف أوروبا الشديد من موجة لاجئين أخرى تغيير الواجهة السياسية لأوروبا مما يدفع كلا ً من فرنسا والمانيا، إلى تقديم إغراءات لروسيا كافية لأن تدفع روسيا إلى ايكال مهمة ترتيب الوضع في إدلب لتركيا إلى حين غير مسمى.
وتابع: أعتقد أن الرئيس “أردوغان” مهتم خلال قمة طهران في تأجيل الهجوم على أمل أن يستطيع لاحقاً في القمة الرباعية ايقاف الهجوم الى أجل غير مسمى.
وختم “الوفائي” بالقول: أما بالنسبة للقمة الرباعية في غير ملف إدلب، فسيكون التركيز باعتقادي على فتح آفاق تشكيل أحلاف ربما يكون لها بعد استراتيجي لاحقاً، إذ ان احلاف ما بعد الحرب العالمية الثانية لم يبقى منها إلى حلف الناتو الذي يعاني بشدة، وجميع الدول اليوم تبحث عن تشكيل أحلاف منها التكتيكي على أمل ان تتحول لاحقا الى أحلاف استراتيجية تستطيع تحقيق مصالح الدول، في ظل سلم دولي لم تعد الأمم المتحدة قادرة على صناعته.
Sorry Comments are closed