أحمد زكريا – حرية برس
على الرغم من أن الحديث كان يدور منذ الشهر الماضي، عن قمة رباعية ” تركية، روسية، ألمانية، فرنسية” كان من المقرر عقدها في مدينة اسطنبول التركية، لمناقشة موضوع التسوية والتطورات المتلاحقة في سوريا، ومن ضمنها دراسة ملف عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن الروسية، بعد أن أعلنت أمريكا بأنه لا عودة للاجئين قبل عملية الانتقال السياسي، وذلك على لسان المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية “هيذر ناورت” والتي قالت خلال مؤتمر صحفي: “نعتبر عملية جنيف التي تجري برعاية الأمم المتحدة السبيل الوحيد لإيجاد حل سياسي طويل الأمد في سوريا”، مشيرةً في الوقت ذاته أنها ليست على علم بمشاركة أمريكا في تلك القمة.
وكانت صحيفة “ديلي صباح” التركية أفادت بأن الرئيس “رجب طيب أردوغان”، كشف عن أن مدينة اسطنبول ستستضيف قمة رباعية في 7 أيلول/ سبتمبر المقبل، تشارك فيها إلى جانب تركيا روسيا وفرنسا وألمانيا، من أجل بحث المسائل الإقليمية وفي مقدمتها النزاع في سوريا.
وأضاف أردوغان، بحسب الصحيفة، في إجابته عن أسئلة الصحفيين قبيل مغادرته مدينة “جوهانسبرغ” الجنوب إفريقية بعد اختتام قمة “بريكس”، أن قمة اسطنبول الرباعية ستطلق عملية موازية تساهم في دفع عملية آستانة، التي انطلقت قبل أكثر من عام ونصف العام بين تركيا وروسيا وإيران، بهدف خفض التصعيد ووقف المعارك في سوريا.
قمة رباعية مؤجلة
وفي حين تتجه الأنظار صوب القمة الرباعية المزمع عقدها في إسطنبول، نقلت عدة وسائل إعلام عن مصادر فرنسية معلومات تفيد بنية فرنسا تأجيل حضور تلك القمة.
ونقلت صحيفة “الحياة” عن مسؤول في الرئاسة الفرنسية قوله: إنه من المبكر عقد اجتماع على مستوى الرؤساء مع ألمانيا وتركيا وروسيا حول الملف السوري، وإن اجتماعاً سيعقد في إسطنبول الشهر المقبل بين المستشارين الدبلوماسيين للرؤساء لمناقشة الملف السوري والإعداد لقمة محتملة.
وأفاد موقع “نيوز ري” الروسي في تقرير نشره وترجمه موقع “عربي21” أن تأجيل الاجتماعات المتعلقة بسوريا أمر طبيعي، لا سيما في ظل صعوبة التوفيق بين مواقف المشاركين والتوصل إلى اتفاقات محددة، الأمر الذي يحيل إلى إمكانية عدم عقد القمة الرباعية التي أعلن عنها الرئيس التركي في وقت سابق، وذلك وفقا لما صرح به مصدر في قصر الإليزيه لوكالة الأنباء الألمانية. وقد أضاف المصدر ذاته أنه “من السابق لأوانه عقد قمة رفيعة المستوى بهذا الشكل”.
من جهته، لفت موقع “عربي 21” إلى أن “فرنسا تود الحصول على ضمانات بشأن وقف إطلاق النار في سوريا، وإدراج الإصلاحات السياسية في جدول أعمال الاجتماع. علاوة على ذلك، فقد وصف المصدر الفرنسي الهجوم الذي شنته القوات الحكومية السورية على مقاطعة إدلب، بالتهديد الخطير”.
لا حلَّ بدون “أمريكا”
وتعليقاً منه على القمة الرباعية التي كان من المقرر عقدها في تركيا، قال “جمال قارصلي “وهو نائب ألماني سابق ومعارض سوري: إنه “من الواضح أن امريكا ليست موجودة في تلك القمم وهذا الموضوع هو محاولة لحل الأزمة السورية، ولكن بدون تدخل أمريكي بشكل قوي أتصور لن يكون هناك حلّ واضح في حال لم تتدخل أمريكا، مع العلم أن القوات الامريكية موجودة في شرق الفرات وعلى أهبة الاستعداد وتنتظر متى ستقنص فريستها”.
وأضاف في حديه لحرية برس، أنه من اللافت الحديث عن حضور ألمانيا في تلك القمة الرباعية التي كانت مقررة، معتبراً أن وجود ألمانيا شيء مهم، لأن المانيا تعتبر القاطرة للاتحاد الأوروبي، وعندما تتواجد ألمانيا فكأن الاتحاد الأوروبي موجود، مبيناً أن ألمانيا يهمها الأمر خاصةً من أجل التخفيف من أعداد اللاجئين، فنحن نعلم أن أزمة اللاجئين سببت مشاكل وضعضعة في الاتحاد الأوروبي الذي كاد أن ينهار أمام هذا الموضوع.
وتابع قائلاً:” أتصور أن وجود ألمانيا في الاجتماع الرباعي الذي كان مقرر شيء مهم ومفيد، وربما يدفع باتجاه الحل السلمي وباتجاه الحصول على طريقة تستطيع أن تتعايش معها كل الأطراف، ونتمنى أن تنظر تلك الدول إلى مصالح الشعب السوري بعيداً عن مصالحها”.
قمة ثلاثية في طهران
وفي الوقت ذاته، يدور الحديث عن قمة ثلاثية في العاصمة الإيرانية “طهران”، الجمعة المقبل، ستجمع بين تركيا وروسيا وإيران، ومن المتوقع أن يكون ملف “إدلب” حاضراً وبقوة على طاولة المجتمعين خلال تلك القمة، بحسب ما يراه مراقبون.
وفي هذا الصدد قال المحلل السياسي التركي “هشام جوناي” لحرية برس: إنه بالنسبة لقمة “روسيا وإيران وتركيا” في طهران، فإن إدلب ستتصدر الملفات الأولية لأجندة المباحثات بين الدول، لافتاً إلى أن تركيا تسعى لتجنيب المدنيين خسائر كما أنها تسعى لمنع تكرار سيناريو الغوطة الشرقية ودرعا في إدلب مرةً أخرى، لذلك فإن المسؤولين الأتراك يشددون على ضرورة سلك طريق الدبلوماسية من أجل تجنيب المدنيين هذا الخسائر.
وفيما يخص الموقف التركي من تطورات الوضع في إدلب قال المحلل التركي: “رأينا تغيراً في الموقف كون الأتراك الذين كانوا يرفضون العملية العسكرية لنظام الاسد في إدلب جملةً وتفصيلا ويهددون بالرد بالمثل، فإننا اليوم نشهد بأنهم باتوا يبدون رضاهم بشريطة أن تكون هذه العملية تكافح التنظيمات الإرهابية وما الى ذلك، ولذلك يبدو أن هناك موافقة تركية على العملية العسكرية بشريطة أن تقتصر على بعض التنظيمات الإرهابية المتواجدة في ادلب”.
.
.
فيما رأى الكاتب والمحلل السياسي التركي “فوزي زاكير أوغلو” أنه من المتوقع أن يصل المجتمعون إلى اتفاق تقوم بتركيا بموجبه السيطرة، بموافقة أو بمعارضة “هيئة تحرير الشام”، على إدلب وتأجيل موضوع سيطرة النظام إلى حين الحل السياسي النهائي.
وفيما يتعلق بخصوص القمة الرباعية التي كان من المزمع عقدها في إسطنبول وتم تأجيلها، وإن كان هناك قمة أخرى ستجمع تركيا مع عدد من قادة دول العالم قال “زاكير أوغلو” لحرية برس: أعتقد أنه إن كانت مخرجات قمة طهران ضد ما تأمله تركيا فإن تركيا ستدير وجهها تجاه اللقاء اللاحق في اسطنبول والذي سيضم روسيا وألمانيا وفرنسا وتركيا”.
انقلاب على اتفاق “أستانة”
وتتزامن تلك التحركات الدولية الساعية لعقد القمم بخصوص ملف القضية السورية، مع خروقات مستمرة من قبل روسيا ومن خلفها نظام الأسد، وكان آخرها استهداف منطقة جسر الشغور والقرى المحيطة بها بريف إدلب الغربي، يوم الثلاثاء الماضي، ما أدى لسقوط ضحايا بين المدنيين، كما تسبب القصف الروسي بموجات نزوح للأهالي هربًا من القصف.
ورأى مراقبون أن تلك الخروقات الروسية وهذا التصعيد المفاجئ والذي سبق القمة الثلاثية في طهران، ما هو إلا رسائل روسيّة للطرف التركي للضغط عليه من أجل تقديم تنازلات فيما يتعلق بالملف السوري عمومًا وبمنطقة إدلب خصوصاً.
بدوره رأى الكاتب والمحلل السياسي “صبحي دسوقي” أن الضامن الروسي لمنطقة خفض التصعيد يريد الانقلاب على الاتفاق الذي أبرمه في “أستانا”، وأن ما قام به اليوم من قصفه لعدد من المناطق في إدلب إلا محاولة للضغط على الأتراك وارغامهم على سحب نقاط المراقبة التي اقاموها حول إدلب، مضيفًا أن العالم بأكمله سلم الملف السوري لروسيا وترك لها حرية إنهاء الملف السوري كما ترغب بموافقة إسرائيلية وأمريكية.
وعن توقعاته لما ستحمله قمة “طهران” الثلاثية المقبلة قال “دسوقي” لحرية برس: إن القمة تبحث عن مخرجات تضيق الخناق على قرارات وأهداف أنقرة وسحب ملف إدلب منها لإضعافها، وأعتقد أنهم سيقدمون بعض التنازلات لأنقرة دون السماح لها بتحقيق مكاسب كبرى.
وتابع: إن أمريكا ترغب بتقليم أظافر تركيا ومنع محاولاتها كي تصبح دولة مؤثرة في المنطقة، مشيرًا إلى أن العالم اتفق على إرغام الشعب السوري على القبول بقاتله رئيسًا وهم ينفذون ما اتفقوا عليه أصدقاء وأعداء الشعب السوري، وما عاد العالم مهتما بوفرة المقتولين من الشعب السوري، وأضاف: هم يريدون أمن إسرائيل، ولا يوجد من يحقق هذا سوى نظام القتل الأسدي”.
محاولة للخروج من الأزمة والمستفيد هي روسيا
ورأى المعارض السوري “جمال قارصلي” أن كل الدول تجتمع اليوم من أجل مصالحها، فالوضع الإيراني هو وضع صعب في سوريا ويحاولوا أن يدخلوا بطرق أخرى عن طريق تسليح الجيش من جديد، اضافة لوجود تنافس إيراني روسي على الأرض السورية، لأن أمريكا واسرائيل يريدون أن تخرج إيران من سوريا ولكن إيران تحاول أن يكون لها نفوذ أكبر.
أما بالنسبة لروسيا فهي المهيمنة وهي صاحبة القرار وبدأت بتثبيت النظام وبدأت تعتبر أن القسم الأكبر من سوريا وكأنه مستعمرة لها، وبالتالي هي مستفيدة من الوضع بشكل عام، في حين أن تركيا لا يهمها سوى حدودها فإذا انفجر الوضع في ادلب فإنه سيشكل ضغط انساني وأخلاقي وعالمي في حال لم تفتح حدودها، وإذا فتحت حدودها فإنها ستكون أمام مشكلة كبرى، لذلك تحاول كل القوى أن تخرج من هذه الأزمة بطريقة يتمكنوا من خلالها إيقاف أي عمل عسكري تجاه منطقة إدلب.
وقال “قارصلي”: إنه من المعروف الأن أن كل القوى المسلحة تم تجميعها الأن بقصد أو بدون قصد في إدلب، وربما كان هذا القرار منذ مدىً بعيد بأن يتم تجميعها وربما في النتيجة من أجل الانقضاض عليها وانهائها هناك، مشيراً إلى أن هناك حشد لكل القوى فالبوارج الروسية موجودة في شرق المتوسط والأمريكية تقترب والتوتر يزداد يوم بعد يوم، لذلك فإن موضوع ادلب حساس جدًا ويهم كل دول المنطقة.
ولفت “قارصلي” الانتباه، إلى أن تلك القوى لو أرادت إيجاد حلٍ لمسألة إدلب، وأرادوا أن تخرج القوى المتطرفة فمن الممكن أن يفتحوا طريقا لها إلى بادية الشام حيث توجد داعش، أو أن يجدوا طريقةً ما لإخراجهم من إدلب، من دون أن يكون الأهالي ضحيةً لذلك.
Sorry Comments are closed