ياسر محمد – حرية برس
يتوالى الأخذ والرد الإقليمي والدولي حول سوريا هذه الأيام بشكل غير مسبوق عبر سنيّ الثورة السبع المنقضية، مع تصعيد عسكري وسياسي وحرب تصريحات بين الدول الأطراف في المعادلة السورية، يبدو أن إدلب ستكون موضوعه الذي يحدد مستقبل سوريا بعدما حظيت باهتمام عالمي منقطع النظير، كونها آخر منطقة تقع تحت سيطرة المعارضة وبالتالي فهي تشكل الرهان الأخير للدول المؤيدة والمناوئة لنظام الأسد.
ففي مسعى يتنافى مع التفاهمات التركية الروسية الأخيرة بشأن إدلب وجوارها، ادعت روسيا أن المعارضة السورية تحضر لهجوم كيماوي على مدينة كفرزيتا بريف حماة الشمالي، زاعمة وصول خبراء من شركة عسكرية بريطانية خاصة إلى محافظة إدلب لتنظيم هجمات كيماوية. ونقلت وكالة “سبوتنيك” عن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، أنه يجري تحضير ضربة على كفرزيتا خلال اليومين المقبلين بأسلحة حرارية مسممة، مضيفاً “هناك مجموعات من القاطنين في شمالي إدلب سيشاركون في الهجوم الكيميائي”.
ليردد زعيم ميليشيا “حزب الله” حسن نصر الله، في خطاب له أمس الأحد، المزاعم الروسية التي تتهم الولايات المتحدة بالإعداد لما وصفه بـ “مسرحية كيميائية” جديدة في محافظة إدلب، “لتبرير عدوان جديد على سوريا.”
وكانت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وجهت إنذاراً شديد اللهجة لنظام الأسد منذ أيام، محذرة إياه من أن أي استخدام للأسلحة الكيماوية بإدلب سيُواجه برد عسكري شديد، وقالت روسيا إن مدمرة أمريكية توجهت إلى البحر المتوسط محملة بعشرات صواريخ “كروز” لتوجيه ضربة محتملة لأهداف عسكرية لنظام الأسد، فيما قال العميد المنشق أحمد رحال إن نظام الأسد قام أمس الأحد بإخلاء مطار حماة العسكري باتجاه مطاري الشعيرات والنيرب، معللاً الأمر بأن الروس أخبروهم أن المطار أصبح على لائحة أهداف الأفضلية الأولى لرمايات الطيران الأمريكي.
من جهة أخرى، وفي سياق صراع المصالح المتباينة بين الحلفاء في سوريا، وفي مؤشر على قلق نظامي الأسد وطهران من التفاهمات الروسية – التركية حول إدلب، شددت وسائل إعلام موالية للنظام على أهمية التحالف بين الطرفين والتنبه لمشروعات قد لا تتوافق مع مصالحهما.
وشدد وزيرا دفاع نظام الأسد علي أيوب، وإيران أمير حاتمي، على استعادة إدلب “بالمصالحات أو العمليات الميدانية”. وتأتي زيارة وزير الدفاع الإيراني لدمشق ولقاؤه رأس النظام بشار الأسد بمثابة تحدٍّ لواشنطن التي تعيد التأكيد في كل مناسبة على ضرورة طرد إيران وميليشياتها من سوريا قبل أي تسوية سياسية محتملة.
تصريحات الوزيرين، والجدل حول الكيماوي الذي يتهدد أبناء المنطقة بدمار شامل، رافقه تحشيدات بشرية ضخمة للنظام على سائر جبهات إدلب، معظم قوامها من مقاتلي “المصالحات” وتحديداً من فصائل الغوطة الشرقية ودرعا وريف حمص الشمالي، بلغ عديدها خمسة آلاف مقاتل وفق مصادر لتلفزيون سوريا، إضافة إلى مئات شبيحة “الدفاع الوطني” الذين تم نقلهم من معسكرات السقيلبية بريف حماة إلى جبهات الغاب قرب جسر الشغور بريف إدلب الغربي.
وفي سياق متصل، يبدو أن فرنسا ستدخل على خط إدلب وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين، في الكلمة التي سيلقيها الرئيس مانويل ماكرون، اليوم الاثنين، أمام سفراء بلاده في العالم، وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية إن ماكرون يرى الحل في إدلب مختلفاً عن درعا والغوطة، كونها تشكل خزاناً بشرياً وملاذاً أخيراً لجميع معارضي الأسد، وتريد باريس فيما يخص الملف السوري عامة استخدام الأوراق التي في حوزتها بأفضل طريقة للدفع مجدداً باتجاه حل سياسي يتضمن مجموعة من الإصلاحات، الأمر الذي يعني بلورة دستور جديد برعاية الأمم المتحدة وإجراء انتخابات نزيهة تشمل جميع السوريين، وانبثاق حكومة جامعة تضم أطرافاً من المعارضة. ووفق الرؤية الفرنسية، ترى فرنسا أنه ثمة عاملان رئيسيان يمكن تسخيرهما من أجل الدفع في هذا الاتجاه، الأول يتمثل في حاجة روسيا للغرب لإغلاق الملف السوري، والثاني عملية إعادة الإعمار التي تتطلب أموالاً باهظة (الحديث يدور حول 500 مليار دولار) يستطيع الغربيون اللجوء إليها لدفع الراعي الروسي لأخذ المواقف الغربية “ومنها الفرنسية” بعين الاعتبار.
Sorry Comments are closed