حرية برس:
يروي الرسام السوري اللاجىء في فرنسا نجاح البقاعي برسومه ما عاناه من تعذيب في سجون نظام الأسد، ويؤكد أنه بمواصلته الرسم إنما “يرفض الاستسلام” ويجدد تنديده بهذه الممارسات.
وأصدرت مجلة ليبراسيون الفرنسية عددها، يوم الاثنين الماضي، بعنوان رئيسي: في سوريا ‘‘تفريغ الجثث كل ليلة”.
ونشرت المجلة شهادة ’’نجاح البقاعي‘‘ أستاذ الفنون الجميلة السوري اللاجئ في فرنسا، ورسوماته عما شاهده في سجون نظام الأسد التي توضح بربرية غير مسبوقة.
’’أجساد عارية محطمة تحت ضربات الجلادين، عيون فزعة وغائرة، أيد يائسة تحاول دون جدوى حماية أعضاء جسمها الحساسة‘‘، هكذا يروي الرسام السوري اللاجئ في فرنسا نجاح البقاعي برسومه ما عاناه من تعذيب في سجون نظام الأسد.
وتثير الرسوم الكبيرة بالحبر الأسود التي تغطي جدران شقته قرب باريس الرعب، وتروي ما عاناه شخصياً أو كان شاهداً عليه هذا الاستاذ السابق في الفنون البالغ التاسعة والأربعين من العمر.
وقال البقاعي، ’’في السجن تكون معلقاً على الدوام بين الحياة والموت، إنها كوابيس أبوكاليبتية‘‘.
ويضيف البقاعي بفرنسية جيدة جداً “الاستجوابات تشمل عدة معتقلين في الوقت نفسه، وفي حين يتعرض الأول للتعذيب، على الثاني الواقف إلى جانبه أن يرد على الاسئلة وسط الصراخ والبكاء”.
وتكشف عشرات الرسومات الموزعة في شقته بتفاصيل مرعبة مآسي التعذيب، فهناك مثلاً طريقة التعذيب المعروفة بـ”الكرسي الالماني”، حيث يتم فسخ أطراف الضحية، “من يبقى حياً بعد أسابيع قليلة من أنواع التعذيب هذه يكون فعلاً محظوظا”.
وخلال تنقلاته بين السجون والزنزانات وجد البقاعي نفسه مرة داخل زنزانة بطول خمسة أمتار وعرض ثلاثة، مع نحو سبعين سجيناً يلتصقون ببعضهم البعض وهم ينزفون ويئنون من الوجع.
وبعد أن امضى شهراً في السجن تمكنت زوجته من رشوة قاضٍ أمر باطلاق سراحه، إلا أنه اعتقل مجدداً عام 2014 بينما كان يحاول العبور سراً إلى لبنان.
وأعيد الرسام السوري مجدداً إلى الفرع 227 حيث وجد إلى جانبه أطفالاً بعضهم لا يتجاوز العاشرة من العمر.
ويوضح البقاعي أن هذا الفرع استخدم على ما يبدو كمشرحة موقتة للسجناء الذين يقضون في فروع أمن اخرى في المنطقة نفسها فتنقل جثثهم اليه.
وكُلّف البقاعي مع عدد آخر من السجناء بإنزال جثث المعتقلين من الشاحنات التي كانت تصل كل يوم إلى السجن.
يوجه البقاعي أصبعه نحو أحد الرسوم ويقول “هنا كنا ننقل الجثث صباحاً”، مضيفاً “في غالبية الأحيان تكون الروائح المنبعثة من الجثث غير محتملة، بعضها يحمل آثار تعذيب وبعضها الاخر يبدو وكأن أصحابها قضوا خنقاً، وجميعها كانت هزيلة أشبه ما تكون بهياكل عظمية.
ويؤكد الرسام السوري أنه لكان قضى منذ زمن لولا زوجته عبير، والتي كانت تعمل أستاذة للغة الفرنسية براتب 80 دولاراً في الشهر، حيث باعت سيارتها وطلبت المساعدة من أصهرة لها يعيشون خارج سوريا، وتمكنت من جمع 20 ألف دولاراً دفعت رشوة مقابل اطلاق سراح زوجها نجاح.
وتمكن البقاعي وزجته وابنته في تشرين الاول/اكتوبر 2015، من الانتقال إلى لبنان، حيث طلبا اللجوء إلى فرنسا وحصلا عليه.
ويقول أن ما يريده اليوم هو العمل في فرنسا، متأملاً بأن يحصل على ناشر يوافق على نشر رسومه في كتاب.
ويختتم البقاعي حديثه، ’’صحيح أننا قد نكون هزمنا وأن الثورة فشلت، إلا أن مواصلة الرسم تعني لي عدم الاستسلام وعدم إلقاء السلاح، وأشعر اليوم بأنني في حال رسمت باقات ورد أو مناظر طبيعية فإنني أكون قد وافقت على إلقاء السلاح‘‘.
وكان نجاح البالغ من العمر 49 عاماً من مواليد مدينة حمص، سجن لمشاركته في احتجاجات سلمية، إلى أن تمكنت زوجته من جمع مبلغ 18 ألف يورو، لدفعها كرشوة للضباط لاخراجه من السجن ومحو اسمه من الملفات، حيث أطلق سراحه في تموز 2015، ففر إلى لبنان ثم حصل على لجوء سياسي في فرنسا.
وسبق أن احتضنت إحدى قاعات العرض في جامعة باريس السابعة، في ديسمبر 2017، مجموعة من لوحات الفنان التشكيلي السوري نجاح البقاعي أعمال رسمت بأقل قدر من المواد، وبقدر كبير من التقشف، ذلك لأنها تسجّل تجربة فريدة عاشها الفنان في سجون نظام الأسد.
وتجسد الأعمال أوضاعاً مرعبة في وحشيتها، بدءاً من أصناف التعذيب وبعض أدواته، من الكرسي الألماني إلى الشبْح وسواهما، إلى أوضاع السجناء في المكان حيث الاكتظاظ في مساحات ضيقة يجعلها كعلب السردين، وصور لسجناء عراة تقريباً، بأجساد نحيلة وعيون غائرة، فيما تتكرر وضعية أشبه بلازمة موسيقية مأساوية: سجناء يحملون جثة زميل لهم.
عذراً التعليقات مغلقة