ثمة أمثلة، تبدأ ولا تنتهي، بأداء الأسد ونظامه وأمنه وحكومته، على السفسطة والجدل العقيم، والذي للأسف، أجدى نفعاً بـ”هذا الزمان الرخو” بدليل بقاء الأسد على كرسي أبيه لثماني عشرة سنة، رغم قتله وإعاقته مليون سوري وتهجيره نصف السكان.
من أولاً، زيادة الرواتب أم زيادة الإنتاج، من أولاً تأهيل القطاع السياحي أم جذب السياح، من أولاً تعديل الدستور أم الانتخابات. وهكذا عبر سلسلة لا تنتهي، ولكن، من دون أن تصل للسؤال الأهم، من أولاً، نهوض سورية أم سقوط بشار الأسد، رغم يقين كل سوري أو مطلع على الشأن السوري، أن بشار الأسد هو صفر سورية، ولا يمكن أن تبدأ بالعد الإيجابي، ما دام على قيد الحكم وبعيداً عن المحاكم.
رئيس حكومة الأسد على سبيل المثال، يسأله صحافي أو عضو كبير في البرلمان، متى ستتم زيادة الرواتب، بواقع دخول أجور السوريين موسوعة غينيس كأدنى دخل في العالم، فيقول: “سنزيد الرواتب حينما يزيد الإنتاج، لأن موارد الخزينة لا تسمح”.
ولكن، بدهياً، كيف يمكن زيادة الإنتاج بواقع تراجع القدرة الشرائية التي تعيق تصريف الإنتاج لتكتمل الدورة ولا يقع المنتج بالعجز وتكديس إنتاجه، وكيف لبطن جائعة ويد مرتجفة أن تعمل وتزيد الإنتاج..
بالأمس، أضاف وزير التجارة في حكومة بشار الأسد، شرطاً جديداً على “السفسطة” متغلباً بنقطة على قائده الأسد، وإن كان التفوق من رحم النظام القمعي المبني على الاعتقال والسجن، بل والقتل تحت التعذيب.
إذ قال الوزير عبد الله غربي، فيما قاله خلال اجتماع ضبط آليات العمل والأسواق خلال العيد “سيتم سجن كل مدير يتقاعس عن العمل ويتساهل بحماية المواطن من غلاء الأسعار” يا حضرة الوزير المحترم، أتعلم أن مراقبي التموين في وزارتك لا يكفون لمراقبة محال سوق الحميدية بدمشق فقط، هذا أولاً، وهل سيادتك مطلع على أجر مراقب التموين والذي إن لم يرتش ولو “بربطة خبز” ربما يبقى أولاده جائعين، أو إن لم يتصل بأباطرة التجارة قبل خروجه من الوزارة لرقابة أسعارهم، سيضطر للعمل عند أحدهم “صبيب شاي” في آخر الشهر، وقد يفوت سعادتك أن سطوة تجار الحرب والأزمات، تتجاوز حضرتك، بعد أن شبّكوا مع القائد الأعلى ومنحهم استثناءات جراء وقوفهم إلى جانب سيادته في الحرب الكونية ومدوا نظامه المنيع بأسباب عدم السقوط.
طبعاً إن لم نحيط معاليك علماً، أن ملاحقة المهربات وضبط الأسعار في السوق، هي سفسطة وتمييع، إذ العلّة فيمن يُدخل المهربات للبلد يا محترم، ومن يغطيه ويشاركه ويوصل له المهربات للمستودعات والأسواق.. لا نقول أنك من يفعل، فربما القضية أمنية وتتعدى مهامك يا سيادة الوزير.
مذ ورث بشار الأسد السلطة عن أبيه عام 2000، أخذ “بفتوى هيغل” على اعتبار السوفسطائيين دعاة التنوير لأنهم تركوا الخارجي وتفرغوا للإنسان، فتفشّت مناهج فلسفية في سورية، تجعل سامعيها يكسرون البيضة وينتفون ريش الدجاج، فمن يسمع تصريحاً -على سبيل المثال- لألمع قائد في جيش الأسد “النمر” ينسى البحث بأصل البيضة والدجاجة ويخالف داروين ويبدأ بالسعي ليعرف أصل الإنسان.
ولنقترب، بنهاية القول، للواقع وكفانا تمثيلاً وتجريباً وسفسطة، قال رئيس حكومة الأسد عماد خميس قبل أيام، إجابة على سؤاله بضرورة تحسين أجور السوريين التي لا تزيد على 35 ألف ليرة (نحو 80 دولاراً) رغم أن متوسط الإنفاق الشهري للأسرة السورية وبحسب مراكز في دمشق، لا تقل عن 250 ألف ليرة، قال: “لا توجد حكومة في العالم لا تتمنى تحسين الوضع المعيشي للمواطن، ومن الأيام الأولى لعمل الحكومة قلنا لهذا المواطن الذي صمد وعانى وتكامل مع الجيش، بأن اهتمامنا سينصب على تحسين دخله، ولكن هل نكون مندفعين متهورين في خطواتنا في سبيل خلق شعبية مرحلية مؤقتة؟ مؤكد لا، وأعلنا أن هذا الملف يجب أن يكون ملفاً صادقاً وليس مجرد شعار. طلبنا من زملائي في الحكومة العمل بشكل منهجي مرتب لتحسين دخل المواطن، ويتم ذلك إما بتخفيض الأسعار أو زيادة الرواتب”.
وللعلم، هذا الكلام كرره خميس ووزير المال ووزير الاقتصاد عشرات المرات، وبعد كل تصريح، يتفاءل السوري ويستدين ليؤمن بعض مطالب بنيه، ولكن لا تتحسن الأجور ولا تنخفض الأسعار.. وتتراكم الديون والدجاج والبيض.
Sorry Comments are closed