15 عاماً مرت منذ رحل “ماكيليلي” عن مدريد، وقتها كان أمر مشابه قد حدث؛ ثلاثة ألقاب لدوري الأبطال ولكن في خمس سنوات ما بين 98 و2002، فانتظر “بيريز” عاماً إضافياً بحكم قواعد اللياقة فقط لا غير ثم ضغط على زر التدمير الذاتي، وفي خلال شهور كان ريال مدريد يدخل ألعن فترة تخبط في تاريخه؛ يرحل “ماكيليلي” ثم يأتي “غرافسين” ويأتي “صامويل” و”أوين” ثم يرحلان بعدها بموسم واحد، فترة تخبط كلفت الميرينغي ثلاثة مواسم على كل الأصعدة، ثم استمرت لموسمين إضافيين في أوروبا حتى بعد استعادة لقب الليغا.
ديجا فو
إذا أردنا الحقيقة فعلينا أن نتوقف قليلاً هنا لإعادة تحليل استقالة “يزو” منذ شهرين، فمن ضمن الأسباب التي قيلت وقتها أن بيريز كان ينوي إثارة عاصفة من الانتقالات في الصيف، وتحديداً استبدال “نافاس” وضم “نيمار” من باريس، وهو ما رفضه “زيزو” بشكل قاطع لأنه يثق في فريقه، والأهم أنه لا يرى أن الإضافة التي ستقدمها التعاقدات الجديدة تستحق العبث باستقراره وثبات تشكيلته، وهذا هو ما تنقله الأحداث الحالية من خانة الاحتمال إلى خانة التفسير الوحيد المقنع لرحيل الفرنسي المفاجئ.
تشكيلة أساسية هي الأقوى في أوروبا، وتيار كثيف ثابت من الألقاب لأول مرة منذ رحيل “ماكيليلي” تقريباً، وصف ثاني أسطوري يستطيع أغلب أعضائه اقتحام التشكيلات الأساسية لأندية يلاقيها الريال في نصف نهائي دوري الأبطال، ومزيج خرافي بين النجومية والخبرة والمواهب الشابة ربما لم يتوفر لأي فريق في التاريخ، والشيء الوحيد الذي كان يجمع كل هذا هو زيدان نفسه، مركز الجاذبية الذي تدور حوله كل الأطراف، ولحسابه يضحي الجميع من أجل الفريق، ويؤجلون مشاريعهم الشخصية التي تبحث عن المزيد من النجومية أو الأموال أو دقائق اللعب.
خطة بيريز
ما المشكلة؟ لوبيتيغي موجود، وكذلك إيسكو وكروس وسيبايوس الذي عاد للحياة بتولي الأسباني إدارة الفريق، وكل الأدوات اللازمة لتكرار ما فعله مع لاروخا موجودة أيضاً، بالإضافة إلى فاسكيز وأسينسيو وفينيشيوس جونيور ورودريغو على الأطراف، ناهيك عن عودة كوينتراو والتعاقد مع أودريوزولا وصفقة كورتوا التي صارت في حكم المنتهية، كل ما يحتاجه الملكي هو مهاجم صريح إلى جانب بنزيما، أو فوق بنزيما بالأحرى، وبيل يمكنه أداء هذه الأدوار بكفاءة إن ظل سليماً لثلاثة أسابيع متتالية.
المشكلة أن بيريز الذي اعتاد التدخل في الخطة والتشكيل وكل شيء لا يصح له التدخل فيه أثناء فترات الغالاكتيكوس السابقة، لم يكن يمتلك خطة واضحة لإدارة الميركاتو هذه المرة، والصعوبات التي يواجهها في الصيف الحالي لا تقتصر على القوانين الجديدة لنافذة الانتقالات في إنجلترا وصعوبة الحصول على أهدافه المعلنة، بل في أن أهدافه المعلنة لا ينبغي أن تكون هي أهدافه المعلنة أصلاً.
بمعنى أدق، فإن هازار “رغم قيمته” لن يضيف الكثير في وجود إيسكو، البلجيكي صار أقرب لصانع اللعب الصريح منه للجناح في السنوات الأخيرة وتحديداً بعد تراجع فابريغاس المزري على المستوى البدني وغياب المساهمة في صناعة اللعب من الوسط، والأهم أن اسمه لم يكن ليُطرح أصلاً لولا صعوبة الإتيان بنيمار هذا الصيف، والبرازيلي بدوره ليس أهم احتياجات الريال الآن.
أما رودريغو لاعب فالنسيا فليس مهاجماً صريحاً بالمعنى المطلوب، بل إن حتى المقارنة بين كورتوا ونافاس ليست محسومة بأي مقياس. يمكننا أن نتفهم التضحية بالكوستاريكي لحساب أوبلاك أو دي خيا أو نوير، أما كورتوا فأفضليته الوحيدة على نافاس هي كون عائلته مستقرة في مدريد.
أهداف مثل كين وسكرينيار وأليسون كانت لتبدو أكثر منطقية لصيف كهذا، وكان من الأفضل فتح خطوط الاتصال معها بمجرد استقالة زيدان وإعلان الإسباني خليفته، ولكن بيريز قرر تأجيل كل مشاريعه لنهاية الصيف، ولسبب تجاري وإعلامي بالأساس، وهو تكرار نفس ما فعله في 2010 و2014 بالتعاقد مع أبرز نجوم المونديال.
أسباب للقلق
النتيجة أنه مع ضيق الوقت، وانفراط عقد الفريق بسرعة وحِدَّة غير متوقعة، أصبحت الهيستيريا هي عنوان صيف بيريز، لتفشل الإدارة في التغلب على أزماتها واستغلال الفرص الخفية بين السطور لاختصار مشاكلها المتتالية. بمعنى أن أي محاولة لتقييم الوضع بشكل عقلاني بعيداً عن العواطف كانت لتدرك أن السماح لمودريتش بختام مسيرته بعقد ضخم في إيطاليا “على غرار كريستيانو” لن يكون أسوأ شيء ممكن حدوثه، بل في الواقع هو فرصة جيدة لاستخدام أزمة في حل أزمة أخرى، لأن رحيل الكرواتي الذي سيبلغ 33 عاماً خلال أيام، وبعد سلسلة من المواسم المرهقة تنبئ بانهياره بدنياً والمزيد من التراجع عن الموسم الماضي، قد ينهي أزمة كرواتي آخر في الرابعة والعشرين من عمره ويطالب بالرحيل بدوره لأنه يلعب في نفس المركز ولا ينال الكثير من دقائق اللعب، ألم يكن هذا هو الهدف من التعاقد مع كوفاسيتش أصلًا؟
رغم كل ذلك، فإن أي محاولة لتقييم الوضع بشكل عقلاني بعيداً عن العواطف كانت لتدرك أيضاً أن الميرينغي لا يملك بعد ما يكفي من الأسباب للقلق من منافسيه؛ صحيح أنه مرشح لخسارة لقبه الأوروبي ولكن سواء بقى زيدان ورونالدو أو رحلا فلم تكن الرابعة عشر هي أهم أولويات ريال مدريد بأية حال من الأحوال، بل فرض السيطرة المحلية التي فقدها الميرينغي منذ قرابة الربع قرن، ولم ينجح في استعادتها أعتى المدربين الذين أتى بهم بيريز إلى مدريد.
الليغا تبدو الآن هدفاً معقولاً ومنطقياً للوبيتيغي، على العكس من زيدان الذي أعلن من قبل أنه فشل في الحفاظ على تركيز لاعبيه طيلة موسم كامل للتتويج باللقب والتغلب على برشلونة، والسبب الرئيس في ذلك أن الأسماء التي ضمها منافسي الريال المحليين لا تعد بتحسن منظومة اللعب في الفريقين بقدر ما تنبئ بكفاءة أعلى في تنفيذ نفس المنظومة.
في هذا الصدد “المنظومة” يتفوق لوبيتيغي بوضوح على خصومه المباشرين في الليغا. ليمار وجيلسون مارتينز ورودري وكالينيتش سيوفرون المزيد من الحلول لسيميوني بالقطع، ولكن في إطار نفس الـ4-4-2 المقدسة، والتي “لنكن واقعيين” لم يعد التشولو يستطيع الإضافة لها أكثر من ذلك، وفيدال ومالكوم ولينغليه وآرثر هم أفضل من باولينيو وفيدال ومينا وغوميش بالتأكيد، ولكن فالفيردي سيعيد تعبئتهم في نفس الـ4-2-3-1 مرة أخرى، والتي لن تنجح في برشلونة إلا بتغيير شامل في فلسفة اللعب، وهو ما لم يعد مستحيلاً، ولكنه يحتاج مزيد من الوقت.
الأهم أنه وبينما يبدو الكتلان على طريق الصعود، وبينما يبدو هذا مقلقاً فعلاً في ظل ظروف ريال مدريد الحالية، إلا أن أحداً لا يدرك أن برشلونة يبدأ صعوده من مركز متأخر للغاية على مستوى جودة اللاعبين والمنظومة معاً، وأن حتى صفقات الموسم الحالي مليئة بالثغرات المنطقية، وكونها أفضل من سابقتها لا يعني أنها مثالية أو حتى جيدة بالضرورة؛ آرثر يحتاج للكثير من الوقت للعمل على لياقته وسرعة تصرفه بالكرة وبدونها، ومالكوم بدا وكأنه محاولة رخيصة للانتقام من روما أكثر منه صفقة يحتاجها الفريق، ولينغليه كان ليصبح أكثر منطقية لو لم يكن أعسر ولو لم يجبر أومتيتي على ترك جهته المفضلة، وفيدال كان ليصبح أكثر منطقية لو لم يكن في الحادية والثلاثين من عمره، وفالفيردي نفسه كان ليصبح أكثر منطقية لو كان كيكي سيتيان.
بطريقة ما دخل ريال مدريد في منطقة رمادية للغاية بدون سبب واضح سوى نزوات بيريز وقصر نظره، ولكنها نفس المنطقة الرمادية التي يتشاركها كل كبار أوروبا تقريباً، وحتى يميل رمادي الريال إلى ما هو أسوأ فالفرص ما زالت متساوية إلى حد كبير، وهذا هو أقصى ما استطاع بيريز إنجازه من تدمير في صيف واحد؛ أن يعيد الميرينغي إلى الأرض بعد سنوات من التحليق بعيداً عن خصومه، ولا يبدو أن هناك أسباباً منطقية لمزيد من القلق حتى يقرر استكمال الرحلة.
Sorry Comments are closed