إدلب.. التّحدي الأخير للجميع

سليمان نحيلي7 أغسطس 2018آخر تحديث :
إدلب.. التّحدي الأخير للجميع

بعد فراغِ النظام من الحملة العسكرية على درعا والقنيطرة، والتي انتهت إلى تدمير المدن والبلدات تدميراً شبه كامل وقتل وتهجير واعتقال الآلاف من السوريين، وعودة استلام النظام لمخفر الحراسة الجنوبيّ القائم منذ أكثر من أربعين عاماً. تتوجه أنظار الجميع على اختلاف مواقعهم ومواقفهم ومصالحهم نحو الشمال، خاصةً في ظل تصريحات رأس النظام عبر قناة إعلاميّةٍ روسية، وترويج وسائل إعلام النظام، بأنّ حملةً عسكريةً باتت وشيكةً على إدلب، يرافقها حشودٌ عسكريةٌ على الجبهة الغربية لإدلب.

هناك في إدلب ،حيث تتراكم المصالح وتتشابك وتتعقّد مثلما يتعقّد الواقع على الأرض، وحيث تنفرد تركيا بالنفوذ الأقوى بحكم التفاهمات الدولية، وخضوع إدلب مع غيرها من بعض مناطق الشمال إلى الوصاية التركية بموجب اتفاقية خفض التصعيد، وبحكم الجوار الجغرافي، وما ينبني عليه من امتداد سكاني وتداخل اجتماعي واقتصادي وأمني.

ولا يخرج المشهد في إدلب عن باقي المناطق في ظل الثورة السورية، سواء لجهة أطرافه وحيثياته، وتشابك مصالح الأطراف وتزاحم النفوذ، أم لجهة رسم ومآلات المشهد الذي تتحكم به الدول الّلاعبة على السّاحة السورية، إلّا أنّ إدلب ربما تحمل سمةً تُميّزها عن غيرها من المناطق التي أُعيدَ إلحاقها بمناطق سيطرة النظام بالقهر والقنابل والجنود متعددي الجنسيات.

فإدلبُ تحتلّ على الرقعة الجغرافيةِ السوريةِ موقعاً يجعل منها البوابة الرّئيسية التي تفضي إلى عمقِ كلٍّ من الشرق والشمال والغرب السوري، وبالتالي تُعتبر منطقةً حيويّةً، وهدفاً عسكرياً ونطاقاً أمنيّاً ضرورياً لا يمكن تجاهله، عدا عن اكتظاظها السكاني بعد تزايد مواسم الهجرة إلى الشمال بسبب الحرب.

لكل ذلك فإدلب تمثّلُ التّحدّي الأخير والكبير لجميع الأطراف في الساحة السورية:

فالنظام لن يهنأ له بالٌ إلا ببسط نفوذه على كامل التراب السوري وذريعته المعلنة حاضرة دائماً وهي محاربة الإرهاب.

وإيران صاحبة المشروع الفارسي المكشوف، تبحث عن تمكينٍ آخر لها بعد أن انحسر نفوذها إثرَ خسارتها كفريا والفوعة خنجريها في الخاصرة الشمالية، وبعد رفض الكيان الصهيوني عرض الروس بالسماح لها بالتمركز على بعد مئة كيلومترٍ من حدوده.

أمّا روسيا التي تبدو حريصة على ردّ الدَّين لتركيا بتنفيذ تفاهماتها معها عبر اتفاقية خفض التصعيد التي تندرج إدلب ضمن المنطقة الرابعة منها، وبنفس الوقت تريد أن تنجز ما تسمّيهِ مساراً سياسياً للأزمة السورية، والذي تعبِّدُ الطريق من خلاله لإعادة تتويج بشار الأسد من جديد، ضماناً لمصالحها ومكاسبها وامتيازاتها في سورية التي لم يبخل في منحها إياها مقابل استمراره في الحكم.

بينما تخشى أوروبا – لو حصلت الحرب على إدلب – من تدفّق مئات الآلاف من اللاجئين إليها عبر تركيا التي تتلقّى مساعدات مالية من أوروبا لقاءَ تعهدها بمنع الهجرة إليها وخصوصاً اليونان وألمانيا.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فبالرغم من تخليها عن المعارضة كما حصل في درعا، وعدم قيامها بواجبها اللازم كأعظم دولة في العالم، فتحديها يكمن في أنها هل تستمر في سقوطها الأخلاقي وتظلّ متفرّجةُ مكتوفة الأيدي إزاء المذبحة السورية التي ستجري في إدلب لو استُخدمَ الحل العسكري فيها، وهل مازالت الرخصة الممنوحة للنظام بقتل السوريين سارية المفعول شرط ألا يكون بالسلاح الكيماوي، أم أنّها سيكون لها رأيٌ آخر.؟!

وأما فصائل الشمال، فهل تستفيد من دروس الماضي القريب وتتوحد لمواجهة الخطر المحدق، وتستعيد مصداقيتها وسمعتها، أم لا؟

أما بالنسبة لتركيا وقد استكملت وصايتها – كما يبدو – على إدلب ومعظم الشمال السوري بحكم اتفاقية خفض التصعيد،فالتحدّي الذي يواجهها، يبدو ذو وجهين:

داخلي: إذ أنّ إدارة أردوغان، تعلم جيداً أنّ حرباً على إدلب، ستحرجها أمام الأحزاب المعارضة لوجود اللاجئين السوريين في تركيا.

وخارجي: يتمثّل في وأد خطر الأحزاب الكردية المصنّفةِ إرهابيّةً، كما أنها وبحكم وقوع إدلب تحت وصايتها بموجب اتفاقية خفض التصعيد، وبحكم نفوذها الإقليمي تسعى لتأكيد مصداقيتها أمام السوريين في إدلب وعلى أراضيها وبأنها الطرف الضامن الحقيقي من خلال تجنيب إدلب والشمال ويلات الحرب، ومصير درعا والغوطة.

ويبدو أنه مما زاد في صعوبة موقف الأتراك منحُ الرّوس لهم مدةَ شهر واحد كمهلةٍ أخيرةٍ لإنهاء ملف إدلب والشمال، وذلك بالتزامنِ مع اقتراب انتهاء مفاعيل اتفاق (أستانا) في 19 أغسطس آب الجاري 2018.

لذلك وتأصيلاً لما سبق، تُعدُّ إدلب التحدي الأكبر والمحكّ الأخطر لكل الأطراف اللاعبة على الساحة السورية.

فهل ستديرُ ملف إدلب لغةُ التفاهمات، أم هدير الطائرات؟
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل