امتلأت وسائل التواصل على مدار أسبوع بمئات الصور لسوريين من مختلف الأعمار، ماتوا تحت التعذيب في سجون النظام. الغالبية العظمى، من سبعة آلاف شخص ضمّتهم القوائم التي جرى تسليمها إلى سجلات النفوس، هم ممن تمّ اعتقالهم في الأعوام الثلاثة الأولى للثورة، وبقي مصيرهم مجهولا، على الرغم من تسرب أنباء عن تصفياتٍ كبيرة، أهمها التي ضمها ملف قيصر الذي سرّب 55 ألف صورة لضحايا التعذيب.
القاسم المشترك بين الذين تم الكشف عنهم أنهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين عشرين وثلاثين سنة، وهم من بين شباب التنسيقيات الذين نزلوا إلى الشوارع في بداية الثورة، وهم يهتفون للسلمية، ورفضوا الدخول في مواجهاتٍ مع الأمن والجيش، وشاعت عنهم صور توزيع الماء والورد على الجيش.
لم يعترف النظام بأنه صفّى كل هذا العدد جسديا، وورد في البيانات الرسمية وفيات طبيعية بالسكتة القلبية، لكن إبقاء أمر الوفاة سرّيا عدة سنوات، وعدم وجود جثامين لهذا العدد الكبير يكذّب رواية النظام، فلو كانت الوفاة طبيعية لما انتظر النظام عدة سنوات لكي يبلغ أهالي المعتقلين، وكان في صالحه أن يكشف عن ذلك، ويخلي مسؤوليته، لكنه أبقى الغموض ورقة مساومة، وكان يتحيّن الفرصة المناسبة، وقد جاءت الآن في وقتٍ يبدو أنه سوف يفلت من العقاب.
يؤكد عدم وجود جثامين أو قبور لكل هذا العدد وجود محرقة للجثث، أقامها النظام في سجن صيدنايا. وفي مايو/ أيار من العام الماضي، كشف مساعد وزير الخارجية الأميركي، ستيوارت جونز، أن لدى الولايات المتحدة أدلة على أن نظام بشار الأسد أقام محرقة للجثث قرب سجن صيدنايا. وعرض على الصحافيين صورا التقطت عبر الأقمار الصناعية، تظهر ما بدا وكأنه ثلوج تذوب على سطح المنشأة، وهو ما قد يشير إلى الحرارة المنبعثة من داخلها. وأضاف أنه “منذ عام 2013، عدّل النظام السوري أحد أبنية مجمع صيدنايا، ليصبح قادرا على احتواء ما نعتقد أنها محرقة”. وأوضح أنه “على الرغم من أن أعمال النظام الوحشية الكثيرة موثقة بشكل جيد، نعتقد أن بناء محرقة هو محاولة للتغطية على حجم عمليات القتل الجماعي التي تجري في صيدنايا”.
وقال جونز إن واشنطن حصلت على معلوماتها من وكالاتٍ إنسانية ذات مصداقية، ومن “المجتمع الاستخباراتي” في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه يعتقد أنه تم إعدام حوالي 50 شخصا كل يوم في صيدنايا.
وفي فبراير/ شباط الماضي، قدمت منظمة العفو الدولية تقريراً عن عمليات إعدام ممنهج في سجن صيدنايا، جاء فيه أن النظام السوري قتل بين خمسة آلاف وثلاثة عشر ألف معتقل بين عامي 2011 و2015 في السجن المذكور. وأضاف التقرير أن هذه الجرائم “ترقى إلى مصاف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بتفويض من الحكومة السورية على أعلى المستويات”، مطالبة بفتح أبواب السجون أمام المراقبين الدوليين.
وليس هؤلاء كل المعتقلين، بل هناك عشرات الآلاف مجهولو المصير. ومن هنا دعا محامون سوريون أخيرا إلى التحرّك الفوري، من أجل حملة دولية للضغط على النظام للإفراج عن المعتقلين.
وليس توقيت إعلان لوائح المتوفين تحت التعذيب من فراغ، وله صلة، أولا، بحالة الاطمئنان التي يعيشها النظام بأنه بات خارج المساءلة، بفضل التغطية الروسية والصمت الغربي. والأمر الثاني هو بمثابة رسالة من النظام إلى السوريين بأنه عائد بقوة، وسيحاسب كل من وقف في طريقه، ومن لم يمت بالمحارق سيرفعه النظام على المشانق، عملا بنصيحة رفعت الأسد لبيار الجميل، حسب رواية السياسي اللبناني جوزيف أبي خليل “لا نهاية لأي حرب أهلية بلا تعليق مشانق”، وهكذا تتحقق فلسفة بشار الأسد في التجانس.
عذراً التعليقات مغلقة