استعرضت في الجزء الأول من المقال مراحل تطور الثورة التي بدأت بمظاهرات سلمية عفوية، أقضت مضاجع النظام والقوى التي لا تريد الخير لسوريا وشعبها، وتريد لنا الاستمرار في الخضوع للأنظمة التي استقرت منذ نهاية سبعينات القرن المنصرم، حكومات غربية تغض النظر عن أنظمة مستبدة قاتلة تسرق شعوبها مقابل سماح تلك الأنظمة لتلك الحكومات بسرقة ثروات تلك البلدان وفتح أسواقها الاستهلاكية أمام بضائع تلك الدول فتسرق ثرواتنا والمواد الأولية الموجودة لدينا وتمنع علينا التصنيع والتقدم العلمي والصناعي وتعود لتبيعنا منتجاتها المصنعة في بلادها وما الازدهار الاقتصادي التي تعيشه تلك البلدان سوى نتيجة لهذه المعادلة.
ثم سردت كيف انتقل البعض لحمل السلاح الخفيف للدفاع عن النفس ضد قطعان الشبيحة والمخابرات ولحماية المظاهرات السلمية، وتم احتواؤها من قبل الأهالي ودعموهم ووقفوا بجانبهم، وشيئاً فشيئاً بدأ تنظيم الإخوان المسلمين وغيره من قوى الإسلام السياسية في دعم تلك البندقية وتحويلها لمهمة أخرى، فتسللت الهتافات الطائفية إلى المظاهرات وبدأ حملة السلاح في الهيمنة على المظاهرات وتوجيهها حسبما يرغب الداعم “الإخوان المسلمين في ذلك الوقت”، وبدأت عمليات التحرير وتضخيم ما تقوم به البندقية وإظهارها كمخلص وطريق وحيد لإسقاط النظام، حسب التصريحات التي كانت تصدر عن قادة المجلس الوطني السوري آنذاك، وعن المحللين الاستراتيجيين الذين كانوا يظهرون على شاشات التلفزة التي أعلنت انحيازها لصالح الثورة السورية، فسمعنا عن بنغازي أخرى وعن مصراتة و…، في محاولات لاستنساخ التجربة الليبية، وتحولنا لحرب المواقع، حيث يقوم العسكر المحسوب على الثورة بإخراج كل تواجد للدولة والنظام من المنطقة بقوة السلاح، ويبدأ العسكر المحسوب على النظام بقصف تلك المنطقة، ويهجر سكانها وتتعرض للحصار والتضييق وتدمر فوق رؤوس من بقي صامدا منها من المدنيين، ثم يتم تهجيرهم لإدلب وتفرغ تلك المنطقة بعد أن كانت عامرة بالمظاهرات التي أدهشت وأحرجت قوى العالم جميعاً.
ساهمت عصابة الأسد بدفع العمل العسكري إلى التطرف بعد إطلاق سراح عدد كبير من المجرمين ومن المتطرفين من سجونها وسهلت لهم الحصول على السلاح وبناء مجموعاتهم العسكرية، مستثمرين في غضب الناس من ممارساته الطائفية وتم دفعهم إلى رد فعل مقابل، لا يتماثل ولا يوازي ما قام به النظام أبداً، فشعب حي البياضة الحمصي البسيط الذي احتفى بفدوى سليمان وحماها برمش عينه وأسكنها في داخل قلبه بالتأكيد ليس شعباً طائفيا، وصفحات الفيسبوك التي امتلأت حزناً على وفاتها وعلى وفاة مي سكاف وهي أيقونة أخرى من أيقونات الثورة، والشعب الذي تضامن مع مصاب أهله في السويداء بالتأكيد هو شعب متعدد متسامح منفتح، وليس متطرفاً كما يحاول أن يظهر النظام وداعميه والبعض المحسوب على صفوف الثورة ممن تتماشى مصالحهم مع هذا الشكل من العمل، وهم قلة قليلة جداً.
طبعا لا يفوتنا التنويه لإخراج المالكي في العراق مئات الإرهابيين من سجونه وتسهيل لهم الوصول إلى السلاح والمال، ولا يفوتنا التذكير أن القاعدة أساساً هي صناعة مخابراتية أمريكية استخدمت في أفغانستان، وحين نجحت الوصفة تم إعادة تكرار استخدامها بأشكال مختلفة في عدة مناطق منها سوريا والعراق حسبما تقتضي مصالحهم.
أما قادة النشاط الثوري في سوريا من الشباب الثائر فقد اختفى قسم منهم في سجون النظام أو المتأسلمين، واستشهد كثير منهم تحت التعذيب، وقسم آخر تمت تصفيته من قبل قوات الأسد أو عملائه المنتشرين في المناطق الخارجة عن سيطرته، أو بيد بعض المتأسلمين، والباقي إما يرزح تحت إرهاب المتأسلمين أو تحت ضغط ساعات العمل الطويلة في بلاد المغترب واللجوء.
ماذا بقي من الثورة؟
الثورة لم تنتهِ، بل لا زالت تحت الجمر تنتظر القيادة التي افتقدتها من بداية انطلاقتها، أما الخسائر الأخيرة فهي خسائر هذا الشكل من العمل، خسائر فصائل الإسلام السياسي التي حلمت ببقعة أرض تقيم فيها مملكة السماء.
خسائر هذا الشكل من العمل العسكري الذي اعتمد على معارك المواقع، بحيث يستقر في منطقة ويتحول لأمير حرب، وينتظر القذائف لتنهال على المنطقة التي يجلس فيها، تاركا قوات النظام تسرح وتمرح وتقضم المناطق واحدة وراء الأخرى في طول وعرض سوريا.
خسائر هذا الشكل من الفرقة والنتيجة عدم وجود قيادة موحدة تدير العمل المقاوم في جميع أنحاء سوريا، وتستفيد من كل أنشطة العمل المقاوم المدني منه والعسكري لتحقيق النصر على هذا النظام المجرم.
خسائر هذا الشكل من العمل السياسي الذي اعتمد فقط على العامل الخارجي، فكان جلّ عمله هو استجداء الدول الخارجية لتغيير النظام والإتيان بهم مكانه.
الثورة لا زالت بانتظار قيادتها، فهل ستبتعد القيادات التي كانت سبباً في الوصول إلى ما وصلنا إليه، وتسمح للنشاط الثوري المتعدد الأوجه والأشكال بالعودة بعد اختيار قيادة موحدة للثورة من خلال مؤتمر وطني واسع لقوى المعارضة التقليدية والثورة، تسخر كل الإمكانات الموجودة للوصول إلى هدفنا في الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية؟
عذراً التعليقات مغلقة