هل انتهت الثورة؟

زكي الدروبي20 يوليو 2018آخر تحديث :
هل انتهت الثورة؟


شيئاً فشيئا يتخذ الشكل النهائي للوضع في سوريا مجراه، فبعد أن رسمت مناطق وخرائط النفوذ للدول المختلفة المتصارعة في الأرض السورية، أعيد خلط الأوراق بعد درعا وبعد قمة هلسنكي، فيقايض ترامب مع بوتين أمن إسرائيل وقضم الجولان المحتل مقابل الجنوب كاملا ليبقى برعاية الأسد ويعيد دوره في حماية حدود الكيان الصهويني المحتل.
وتتوالى التهديدات باتجاه إدلب وآخرها من تغريدة أطلقها الطائفي حسين مرتضى إعلامي حزب الله المجرم، وبالمقابل تتوالى التطمينات التركية بأن إدلب جزء من مناطق خفض التصعيد وهي ضمن الرعاية والحماية التركية.
وماذا بعد؟
هل انتهت الثورة السورية؟ هل خسرنا دماء الشهداء وخسرنا الثورة حسب البعض؟ أم انتهت جولة من جولات الثورة حسب البعض الآخر؟
في نظرة سريعة على مجريات السنوات الماضية من عمر الثورة نجد أنها بدأت عفوية بمظاهرات سلمية قابلها النظام بالعنف والقتل، ولم يستطع الثوار حينذاك تقديم قيادة للثورة من خلال التنسيقيات التي شكلوها والتي كانت الشكل التنظيمي الأولي للثورة، فكان نظام الأسد بالمرصاد للثوار السلميين المدنيين التعدديين، فلم يسمح للثوار وتنسيقياتهم بالتبلور وإيجاد قيادة حقيقية للثورة بعد أن قتل وهجر واعتقل كوادر التنسيقيات الأولى، كما فعلت المعارضة السياسية التقليدية فعلها أيضاً فحاولت استغلال تنسيقيات الثورة في صراعاتها المختلفة مع بعضها البعض، وأدخلت بعضها في كياناتها ومؤتمراتها التي جرت خارج البلاد، في محاولة لإعطاء الشرعية لكياناتها المختلفة، ، كما لم تسمح المعارضة التقليدية وبقيت المعارضة أسيرة تجاذباتها وخلافاتها.
في ذلك الوقت تشكل كيان سمي هيئة التنسيق الوطنية حاول وضع برنامج سياسي ورفع لاءاته الثلاث المشهورة (لا للطائفية ولا للتدخل العسكري الأجنبي ولا لعسكرة الثورة) وتشكل كيان آخر من المستقلين سمي المنبر الديمقراطي كان على رأسه الأستاذ ميشيل كيلو وتشكل المجلس الوطني الذي راهن على تدخل عسكري أجنبي يطيح بالأسد.
بقت الكيانات الثلاث أسيرة صراعاتها الموروثة من ما قبل الثورة، وبقيت تحاول الاستقواء بالعامل الخارجي، وتركت الشعب السوري دون تنظيم.
تحت شدة عنف وخبث النظام وممارساته الطائفية، تسلل السلاح شيئاً فشيئا إلى أيدي الثوار السلميين، ليكون دور البندقية بداية هو حماية المتظاهرين من رصاص الأمن، ونجحوا في بعض الأماكن كحمص القديمة، والتف حولهم أهالي المدينة، وفتحت لهم بيوت الناس وتبرعوا لهم بثمن الرصاص.
ترافق هذا مع كثرة الانشقاقات من الضباط والصراعات التي حدثت فيما بعد على قيادة ما يسمى الجيش الحر، وشيئا فشيئا دخلنا في مرحلة عسكرة الثورة، ثم تسلل المتطرفون إلى الثورة، بعد أن مهدت لهم قوى الإسلام السياسي ذلك عبر تحويل الهتافات الوطنية للثورة السورية إلى هتافات إسلامية واشترت بعض المجموعات الثورية التي حملت السلاح دفاعاً عن المتظاهرين، وساهم نظام الأسد بشكل كبير بهذا الفعل عبر إطلاق السجناء المتطرفين من سجونه وتسهيله لهم الحصول على السلاح وإقامة إماراتهم الخاصة في الأحياء والقرى والمدن التي انسحب منها النظام وساهم في تسهيل سيطرتهم عليها، واستغلت تلك التنظيمات المتطرفة مشاعر الناس المتدينين البسطاء الذين تأثروا أيضاً بدعاية النظام وممارساته الطائفية عبر عدد من المجازر التي نفذها هنا أو هناك وعبر فيديوهات مسربة تتضمن هتافات وكلام طائفي مستفز، ولم تتدخل القيادة السياسية التي نصبت نفسها ممثلا شرعيا للثورة السورية بمعونة أصدقاء سوريا الذين اكتشفنا مؤخرا أنهم الخنجر المسموم الذي طعن بظهر الثورة لتبعد شبح المتطرفين عن الثورة السورية، بل دعمتهم من على أعلى المنابر، ودافعت عنهم.
هكذا تحول الصراع من صراع بين حق يمثله الشعب المتظاهر المطالب بحريته من نظام مستبد والانتقال إلى دولة ديمقراطية إلى صراع بين نظام يدافع عن سيادة بلاده بوجه مجموعات إرهابية متطرفة ممولة من جهات خارجية، كما تحول العمل من مجموعة مظاهرات أرهقته وأحرجته أمام العالم، مترافقة فيما بعد مع عمل عسكري بسيط على شكل حرب عصابات أنهك قواته والمليشيات التي استعان بها من الخارج، إلى حرب مواقع استخدم فيها نظام الأسد كل القوة النارية المتاحة له عبر الطيران والصواريخ والمدفعية بعيدة المدى، بحيث كانت تلك القوى العسكرية تجلس في أماكنها محاصرة من قبل النظام وتمارس قهراً على المدنيين الموجودين تحت رحمتهم رافعين شعارات أكدت سعي النظام لتحويل الثورة من ثورة حق بين شعب يريد الانعتاق من نير عصابة مستبدة تحكمه إلى حرب مع عصابات طائفية تقودها فصائل متأسلمة تريد احتلال روما وتكسير رأي أمريكا وإقامة شرع الله.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل