أحمد زكريا – حرية برس
حالةٌ من الغضب الشعبي شهدتها محافظة إدلب شماليّ البلاد، عقب الاتفاق الذي تم بين “هيئة تحرير الشام” من جهة، و”الميليشيات الإيرانية” من جهة أخرى، (الخميس 19تموز/يونيو الحالي)، والذي يقضي بإخلاء سكان بلدتي “الفوعة، وكفريا” المواليتين للنظام بالكامل، والبالغ عددهم نحو 7000 شخص، مقابل إطلاق النظام سراح 1500 معتقل من سجونه.
إلا أن هذا الاتفاق، وبحسب مصادر محلية لحرية برس، جاء مخيباً للآمال بالنسبة لكثيرين من سكان المحافظة وخاصة أهالي المعتقلين، كونه لم يشمل المعتقلين القدامى في سجون نظام الأسد، ما دفع بهم للخروج بمظاهرات شعبية غاضبة طالبوا خلالها “هيئة تحرير الشام” بالكشف عن تفاصيل عملية التفاوض.
ورصدت “حرية برس” آراء عدد من المحللين السياسيين والعسكريين والنشطاء الإعلاميين بما تم الاتفاق عليه بين هيئة تحرير الشام والجانب الإيراني بخصوص “كفريا والفوعة” خاصة فيما يتعلق بحالة الغضب الشعبي التي خلفها هذا الاتفاق، فكانت جميع الآراء متوافقة على حالة الاحتقان الشعبي ضد الاتفاق الذي كانت نتائجه مخيبة للآمال بالنسبة لسكان محافظة إدلب.
“جبهة تحرير سوريا” توضح اتفاق “كفريا والفوعة”
وفي محاولة لتهدئة الشارع الإدلبي، أصدرت “جبهة تحرير سوريا” بياناً توضح فيه تفاصيل صفقة التبادل التي تمت بين الهيئة والطرف الإيراني فيما يتعلق بإخلاء بلدتي “الفوعة وكفريا” بالكامل.
وقال “حسن صوفان” قائد الجبهة في بيان اطلع عليه حرية برس: إن هذا الملفّ قديم وقد بدأ منذ حصار الزبداني ومضايا، ويعلم الجميع حجم البطولات والصمود والتضحيات التي حصلت آنذاك والعالم بأسره يتفرج على حصار ظالم وجائر يترك الناس موتى من الجوع.
وأضاف: خلال المرحلة الثانية من المفاوضات كانت الحركة مشاركة فيها، وتم إدراج بند المعتقلين في الاتفاق، إلا أن النظام كان متعنتاً جدًا في هذا الملف حيث أصرّ على رفض القوائم الإسمية التي تم احصاؤها والإصرار على أن يكون هو من يختار من يطلقهم، واستمرت مفاوضات طويلة حول هذه النقطة من دون أي نتيجة.
وتابع: بعد توالي الانتكاسات بات الأمر يحتاج إلى مقاربة جديدة توضع فيها حماية المناطق المحررة في الشمال السوري كأولوية قصوى، ومن هنا اتفقت كلمة العسكريين على ضرورة خروج أهالي كفريا والفوعة لأنهم خنجر في خاصرتنا، وعلى ذلك الأساس وافقنا على أن تتابع الهيئة إنهاء ملفّ التفاوض.
وقال “صوفان” في نهاية المطاف كنّا أمام ثلاثة خيارات، وهي السماح بإمضاء الأمر على هذا النحو الذي حصل بتفاوض الهيئة ، والثاني إكمال العمل العسكري والضغط بالقتال لتحسين الشروط التفاوضية بخصوص قوائم المعتقلين، أو عرقلته وتفشيل المفاوضات وتأجيله لشهور طويلة لا ندري ما يستجد فيها.
وأشار “صوفان” إلى أنه من الناحية القانونية الذي قام بتهجير سكان “كفريا والفوعة” هو النظام وإيران، أصروا على تهجير الناس في جميع المناطق التي سيطروا عليها، وهم الذين طلبوا إخراج جماعة الفوعة وكفريا، وبالنسبة لنا بعد تحرير سوريا من هذا النظام المجرم لا مانع لدينا من عودة هؤلاء إلى مناطقهم وقراهم.
وختم قائد جبهة تحرير سوريا بيانه بالتأكيد على ضرورة الاهتمام بالشوكة العسكرية لحماية المحرر بتجهيز التحصينات ونقاط الرباط، والإعداد لمعارك هجومية مؤثرة في الظرف الملائم، والعمل بجدية في غرفة العمليات والسعي في إيجاد حكومة جديدة تشاركية بين جميع الأطراف بديلة عن حكومة الإنقاذ تلبي حاجات المجتمع، مرجعيتها مؤتمر وطني جامع يضم كافة أطياف الثورة ومؤسساتها وفعالياتها في الداخل والخارج مع التركيز على الداخل ومساعدة الحليف التركي على حماية المحرَّر سياسيّاً ودبلوماسيّاً.
اتفاق الفوعة ومآلات إدلب والمصير المنتظر
الإعلامي والمحلل السياسي “ماجد خطيب” سلط الضوء في حديثه لحرية برس على اتفاق الفوعة ومآلات إدلب والمصير المنتظر و قال: لا يمكن الحديث عن اتفاق الفوعة الأخير بمعزل عن الظروف السياسية بشقيها الداخلية والخارجية (الدولية) التي صاحبت هذا الاتفاق وأدت إلى انضاجه، فجميعنا يعلم أن اتفاق الفوعة هو امتداد طبيعي لاتفاق المدن الاربعة (الزبداني ومضايا وكفريا – الفوعة) والتي تمخض عنها آنذاك تهجير أهالي الزبداني ومضايا من بلداتهم ، وبسبب عوامل وظروف فرضتها اجندات الداعمين لفصائل المعارضة وانعدام الرؤية والتخطيط السياسي لقياداتها تم تأجيل إكمال الاتفاق ، الأمر الذي أكسب النظام اوراقاً تفاوضية مستقبلية مكنته من تسجيل أهداف أكثر في مرمى المعارضة.
وتابع: أضيف لذلك عامل الفرقة وغياب القيادة الواحدة للفصائل العسكرية، وبلوغها حد المراهقة السياسية في تعاطيها للأمور وتجاوز خطابها العسكري والسياسي تغيرات موازين القوى لصالح نظام الأسد وداعميه واستثمار بعض الدول للقضية السورية وتلاعبها بمصير الثورة تحت قبة “أستانة” وما نتج عنها من مخرجات، مكنت النظام من استرجاعه للمناطق الواحدة تلو الأخرى وقضمه لها والنتيجة هي ما شاهدناه في حلب وحمص والغوطة وجنوب سوريا والأن التحضير لإدلب.
وأضاف “الخطيب” قائلًا: إذن هذا الاتفاق هو سيناريو كان مؤجلاً والان أصبح واقعاً مفروضاً، الآن وبإخراج العناصر والعائلات الشيعية من قبضة الفصائل المهترئة بات الطريق نحو إدلب ممهداً نحو اجتياحها واسترجاعها، ولن يتورع النظام وداعميه من استخدام أي سلاح في تحقيق ذلك حتى ولو كان كيميائياً، طالما كانت النتيجة عبارة عن غارات من طائرات ورقية تحمل صواريخ كرتونية تضرب اهدافاً وهمية.
ويرى “الخطيب”: أن اتفاق الفوعة خدم النظام وحقق له ما يريده بالضبط إما بحماقة المعارضة وجهلها بأبجديات فقه المفاوضات، وإما بفضل وجود “الضفادع” عملاء النظام الذين سهلوا وهندسوا هذا الاتفاق، وفي كلتا الحالتين ما يردده أمثال “حسن الصوفان” وغيره من أن الاتفاق هو انتصار للمعارضة هو تغريد خارج السرب بل هو تلبيس على الناس واستغباء لهم أو أقل ما يمكن أن يقال هو تغميس خارج الصحن.
وقال “الخطيب”: أمام هذا السرد البسيط والمتواضع لما سبق تأتي ردود فعل الناس الغاضبة من هذا الاتفاق في سياقه الطبيعي، ليس لأنه أفقد المعارضة والمدنيين درعاً بشرياً، كان من الممكن الاحتماء به من ضربات النظام وأسلحته الفتاكة عندما يفكر في اجتياح إدلب ( سكان الفوعة وكفريا ذوي الطائفة الشيعية )، وإنما أيضاً غياب أي حديث عن مصير المعتقلين والمغيبين في سجون النظام منذ سنوات الثورة الأولى وحتى اللحظة ، بل اكتفى النظام بإطلاق سراح معتقلين جدد لم يمضِ على اعتقالهم بضعة أشهر وكانه أي “النظام” يساعد أمراء الحرب في ذر الرماد في عيون حاضنتهم الشعبية التي ضاقت بهم ذرعاً.
ويرى المحلل السياسي ذاته، أن “المعارضة العسكرية وعلى اختلاف مشاربها، أثبتت فشلها إلى حد الخيانة العظمى في حق نفسها أولاً، وفي حق من وقف إلى جانب الثورة ودعمها بدمائه وماله، وأضاف: أكثر ما أخشاه أن القادم لإدلب أسوء وأمرّ في ظل التشجيع الدولي لنظام الأسد على استعادة سوريا كاملة كما كانت قبل عام 2011، سيما أنه لم تعد هناك أماكن اخرى تذهب إليها المعارضة بالباصات الخضراء، فإدلب كانت المكب الاخير لسوريا.
اتفاق “الفوعة وكفريا” هو السيناريو الأفضل
من جانبه، يرى الناشط الإعلامي “حسن المختار” وابن محافظة إدلب، أن اتفاق “كفريا والفوعة” هو السيناريو الأفضل للسيطرة على البلدتين، كونه لا يمكن السيطرة عليهما عسكريا بسبب العدد الكبير من السكان القادرين على حمل السلاح، وبالتالي ستسيل الكثير من الدماء من الطرفين.
وحول غضب الأهالي من هذا الاتفاق المخيب لآمالهم قال “المختار”: مع الأسف تفاجأنا بأن المعارضة لم تكن قادرة على فرض شروطها أثناء التبادل لإخراج الثوار القدماء من سجون النظام، هذا الأمر أدى إلى غضب شعبي كبير في إدلب، فمن حق المدنيين السؤال عن ابنائهم المعتقلين منذ عدة سنين، ومن حقهم معرفة آلية التفاوض التي جرت بين المعارضة والنظام.
ورقة ضغط على إيران والنظام
من جهته يرى المحلل العسكري العقيد “أحمد حمادة” أن سكان الفوعة وكفريا من مدنيين ومقاتلين كانوا يشكلون ورقة ضغط على النظام وإيران التي كانت تحاول زجهم في كل عملية تفاوض.
وقال “حمادة” لحرية برس: الجميع يعرف بأن هذا الاتفاق ليس جديداً فهو يعود لاتفاق المدن الأربع “الزبداني مضايا-كفريا والفوعة” ولكن الإيرانيين كانوا يزجون كفريا في كل عملية تفاوض، واليوم علينا أن نعرف ما هو مقدار الاستفادة والخسارة بالنسبة لخروج 7000 شخص من الفوعة، مشيرًا إلى أنهم كانوا يشكلون ورقة ضغط على أيران والنظام، وكانوا عبارة عن قنبلة موجودة وجاهزة للانفجار في حال اندلاع المعارك في المحرر.
واعتبر “حمادة” أن حالة الغضب الشعبي ناجمة عن خروج سجناء وسجينات لا علاقة لهم بالثورة، فكان خروج هذه العصابات التي قتلت الكثير من أبناء المنطقة صدمة للأهالي دون خروج أبناءهم المعتقلين منذ سنين.
صفقة خدمت الأسد وهيئة تحرير الشام
بدوره يرى المحلل السياسي “سامر الخليوي”، أن “من حق الأهالي أن يغضبوا، لأن هذا الاتفاق خدم الأسد وهيئة تحرير الشام التي طالبت بأسماء معينة وتركت الباقي لاختيار النظام
وأشار “خليوي” إلى أن معظم صفقات التبادل مع نظام الأسد تقوم على اعتقال المدنيين الأبرياء من أجل مبادلتهم بأسراه المجرمين القتلى، بغض النظر عن الجهة المفاوضة للنظام سواء هيئة تحرير الشام أو غيرها، وعلى سبيل المثال مبادلة الطيار الأسدي “علي حلوة” التي أسقطت طائرته من قبل “اسود الشرقية” بالقلمون، حيث بادله النظام ب 50 معتقلة و50 معتقل تعم اعتقاله قبل أيام من إتمام الصفقة، فهذه هي سياسة الأسد بالصفقات.
وفي ردّ منه على سؤال حول أسباب فشل الصفقات ولماذا دائماً تكون لصالح الأسد أجاب “خليوي”: إن ذلك يعود لعدة أسباب منها: عدم التنسيق بين الفصائل المقاتلة التدخلات الإقليمية والدولية لصالح الأسد، وعدم وجود ضامن يمكن الوثوق به جيداً، يضاف إلى ذلك عدم توفر المفاوض الثوري الذي يحمل متطلبات الثورة ويجعلها أولوية، اضافة لعدم توفر الخبرة اللازمة بمثل هذه الصفقات، اضافة لأسباب أخرى لا مجال لذكرها الأن.
لا دور لقوى الثورة والمعارضة في اتفاق “الفوعة واكفريا”
من جانبه، أوضح “مصطفى سيجري” رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم التابع للجيش السوري الحر، أن اتفاق “الفوعة واكفريا” قد تم بتعاون وتنسيق كامل بين “الجولاني والحرس الثوري الإيراني” فقط، ولم يكن لقوى الثورة والمعارضة السورية أي دور، معتبرًا أن عمليات التهجير والتغيير الديمغرافي جريمة بحق الشعب السوري،
ولفت الانتباه، إلى أنه فيما يخص المفرج عنهم من سجون النظام، فكان من الواضح أن الأمر كان محاولة لتجميل صورة جبهة النصرة أمام القاعدة الشعبية، ولكن عند النظر في الأسماء المفرج عنهم وتاريخ اعتقالهم تدرك حجم المسرحية، وقد عبر أهالي المعتقلين بكل وضوح عن غضبهم من هذا الاتفاق وهذا حق لهم.
العبرةُ في النتائج
أما المحلل السياسي الدكتور “زكريا ملاحفجي” فقال لحرية برس: بداية دعنا نشير إلى أنه ليس من أهداف الثورة السورية أي توجه طائفي وعرقي، أما النقطة الثانية فهذا التفاوض الذي حصل إذا كان يحقق إطلاق سراح عدد من الناس المعتقلين أن كانوا سياسيين أو معتقلي رأي فهو شيء جيد، لكن في الحقيقة كان تفاوضاً فقيراً من الناحية الفنية، فالتفاوض لا بد له من أشخاص ضامنين، ولا بد له من بداية ونهاية، وأضاف أنه من الواضح أن النظام أطلق سراح قسم من المعتقلين والغالبية تهمهم جنائية.
وعبر “ملاحفجي” عن رأيه إزاء حالة الغضب الشعبي في إدلب عقب هذا الاتفاق وقال: إن أي مناضل أو مفاوض أو سياسي لا بد أن يضع نُصبَ عينيه بشكل دائم المعتقلين، لأنهم السبب أصلا بوجود أي صرخة أو أي مساحة من الحرية، فأي أخ او أي أخت يجب أن يكونوا بالنهاية الهم الأساسي من اجل إطلاق سراحهم في أي خطوة يتم اتخاذها، أما بالنسبة لحالة الغضب الشعبي بين الأهالي فهي حالة طبيعية جداً كردة فعل على أي شخص يفاوض ولا يحقق للناس أي شيء، مؤكداً أن “العبرة في النتائج إن كانت مرضية وجيدة أم لا”.
عذراً التعليقات مغلقة