أحمد زكريا – حرية برس
عمد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ومنذ إعلان سيطرته على مناطق في محافظات “الرقة والحسكة ودير الزور” وغيرها من المناطق في الشمال السوري، منذ العام 2014، إلى اتباع “سياسة التعتيم الإعلامي” من خلال قمع أي نشاط إعلامي ووضعه شروطاً للعمل الصحفي في مناطق سيطرته أبرزها “المبايعة” والاعتراف بما يسمى “دولة الخلافة” بحسب ما تحدثت به مصادر محلية وإعلامية.
ودفعت تلك الممارسات من قبل تنظيم “داعش” من كمّ للأفواه والتنكيل بالنشطاء الإعلاميين الرافضين لوجوده على الأراضي السورية، إلى بدء ظهور الشبكات والمنظمات الإعلامية المناهضة لسياسة التنظيم، والتي تهدف لفضح التنظيم وممارساته وماكينته الإعلامية الكاذبة، التي حاولت دائماً تصوير ما يجري في مناطق سيطرة “داعش” بعكس ما هو عليه في حقيقة الأمر.
وعلى الرغم من وصف كثير من المراقبين والمحللين للعمل الإعلامي في مناطق سيطرة “داعش” بمهنة المخاطر في “حقل ألغام داعش”، إلا أن تلك الشبكات أبت إلا أن تتحدى آلة الإرهاب الأسود وتعمل على نقل معاناة الناس من داخل تلك المناطق من خلال العمل السري ونقل الصورة للعالم الغربي لفهم حقيقة ما يجري في مناطق سيطرة هذا التنظيم.
ولم تقتصر صعوبة العمل الإعلامي في مناطق سيطرة “داعش” وحسب، وإنما عانت تلك الشبكات والمؤسسات الإعلامية في المنطقة الشرقية من خطورة العمل في مناطق سيطرة مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” والتي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري، كما أنها عانت من صعوبة العمل في مناطق تواجد النظام في تلك الفترة.
“الرقة تذبح بصمت” في مواجهة التطرف
ومع بداية شهر نيسان/ أبريل من العام 2014، سعى عدد من النشطاء الإعلاميين من أبناء مدينة “الرقة” لتأسيس منصة إعلامية تنقل الأحداث من داخل المدينة للعالم الخارجي، ليتم الإعلان عن تشكيل مجموعة وحملة “الرقة تذبح بصمت”.
يقول “محمد الصالح” الناطق الرسمي باسم حملة “الرقة تذبح بصمت” في حديثه لحرية برس: إنه وبعد عدة حوارات ما بين أعضاء الفريق من أجل تحديد ماهية العمل الذي سننطلق به تلك المجموعة، خصوصاً وأن الرقة كانت محتلة من قبل تنظيم “داعش” وأغلب من أسس الحملة هم نشطاء اعلامين عملوا سابقاً بعدة شبكات أخبار كانت تنقل أخبار الثورة السورية، فكان لابد من عمل شيء مختلف تماماً خاصة وأن الرقة تعيش مرحلة جديدة، فكان لابد من تغيير المنهجية والجمهور المستهدف والطريقة التي تخاطب بها العالم نتيجة الظرف اللي كان يحيط بمدينة الرقة، لذا حاولنا الاستفادة من التجارب السابقة التي مررنا بها في عمر الثورة السورية وأن نخرج بعمل يكون أكثر تطوراً وتقدماً من المرحلة التي عملنا بها كنشطاء اعلاميين لننتقل نوعاً ما نحو الاحترافية.
وأضاف “الصالح”: ركزنا منذ البدايات على عدة أمور، وحددنا الأهداف الرئيسة لحملة الرقة تذبح بصمت، فكان من أهمها نقل طبيعة ما تعانيه مدينة الرقة من الظلم والتنكيل على يد داعش، ونقل معاناة الناس وحقيقة ما يجري على الأرض ضمن المدينة، وتسليط الضوء على الانتهاكات والتجاوزات والقصف من طيران النظام في تلك الفترة والمعارك التي كانت تدور على أطراف مدينة الرقة، خاصةً وأنه في العام 2014 كان لا يزال “مطار الطبقة والفرقة 17 واللواء 93 “متواجدين داخل الرقة، لذلك كان التركيز مهماً على نظام الأسد وداعش دون إهمال أي جهة على حساب الأخرى، كما كان الهدف الأساسي للرقة تذبح بصمت خلق نوع من المقاومة السلمية لأهالي المدينة لرفض هذا التنظيم المتطرف، الذي حاول أن يعبث بشكل كبير بقيم المجتمع وبتغيير العقلية لمجتمعنا إضافة لمحاولته صبغ المجتمع بصبغة التطرف والإرهاب.
التوثيق والرصد
وحول طبيعة الدور الذي قامت به مجموعة “حملة الرقة تذبح بصمت” قال “الصالح”: دورنا كان نقل طبيعة الأحداث من داخل الرقة، إن كان على صعيد الانتهاكات من قبل “داعش” وممارساته وأعماله العسكرية، إضافة لتوثيق ورصد عمليات الإعدام التي كان ينفذها التنظيم والتركيز على كذب الماكينة الإعلامية لداعش ونقل حقيقة ما يجري داخل المدينة للعالم الخارجي، خاصةً وأن داعش كان يحاول نقل الصورة على أن مدينة الرقة تعيش بحالة طبيعية، لذلك عملنا على نقل كيف ينظر الناس للتنظيم و حاولنا فضح حقيقة وتعرية هذا التنظيم إن كان في سوريا أو أمام بقية بلدان العالم.
وتابع: كان لنا دور كبير في نقل معارك “داعش” للسيطرة على المدينة، وأيضا نقل معارك قسد والوحدات الكردية للسيطرة على المدينة إضافة لكل العمليات العسكرية والانتهاكات والتجاوزات وأعمال التنكيل والافراط في القوة النارية من قبل التحالف الدولي للسيطرة على المدينة.
وتعد حملة “الرقة تذبح بصمت” بحسب القائمين عليها، من أولى الجهات التي رصدت الانتهاكات التي قامت بها وحدات الحماية الكردية في شمال مدينة الرقة من منتصف عام 2015، فيما يتعلق بعمليات التهجير القسرية بحق القرى العربية والتنكيل بالأهالي وتجريف القرى، كما استمرت تلك الحملة بعملها إلى أن تمت عملية السيطرة على مدينة الرقة من قبل قوات “قسد” لتعمل على توثيق عملية التدمير الممنهج التي طالتها بالإضافة لتوثيق مقتل ألاف المدنيين الذين قضوا ضحية ما تسمى بعملية “تحرير الرقة”.
وقال “الصالح”: بالنسبة لقوات “قسد” فهي نوع آخر من أنواع التطرف لكنها بلون آخر وطبيعة أخرى وليس هناك أي فرق بينها وبين “داعش”، لذا كان دورنا دائماً محصوراً بفضح كل الانتهاكات من كل الأطراف تجاه المدنيين داخل مدينة الرقة، وهذا العمل عبر هذه السنوات أكسبنا ثقة عند جمهورنا وعند وسائل الاعلام بشكل عام عبر مصداقيتنا منذ انطلاقتنا وحتى اليوم.
جوائز عالمية تقديراً لشجاعة “الرقة تذبح بصمت”
وحصدت “الرقة تذبح بصمت” العديد من الجوائز العالمية تكريماً لجهودها في تحدي المخاطر لنقل الحقيقة من داخل منطقة سيطرة “داعش”، كونها أول حملة إعلامية تقاوم التطرف وتفضح “داعش” على الرغم من الخطورة التي رافقت الحملة واستهداف “داعش” لأعضاء الحملة، إضافة لكونها حملة استهدفت شريحة الناس في الداخل تحت سيطرة “داعش” بطريقة توعوية، كما أنها خاطبت وسائل الاعلام الغربية باللغة الإنكليزية بهدف التفاعل معها وخلق رأي عام عالمي عن طبيعة ما يجري في سورية عامةً وفي الرقة بشكل خاص، ليتمكن فريق الحملة من النجاح في شرح طبيعة هذا التنظيم المتطرف البعيد تماماً عن بنية المجتمع السوري وبنية المناطق التي دخلها.
وواجه فريق “حملة الرقة تذبح بصمت”، بحسب “الصالح”، العديد من الصعوبات أبرزها: الملاحقة من قبل “داعش”، فبمجرد الشبهة بانتماء أحد الشبان للحملة فإنه يتم تصفيتهم مباشرة، وقال “الصالح”: هناك جزء من مراسلينا فقدناهم في مدينة الرقة وقسم آخر تم اغتيالهم في مدينة أورفا التركية، وآخرين بإدلب، فعملية التهديد بكمّ الأفواه من قبل “داعش” لحملة الرقة تذبح بصمت كانت متواجدة من أيام “داعش” وحتى اليوم، وأي تفاعل من قبل أبناء الرقة مع صفحة الرقة تذبح بصمت يعتبر تهمة وتعرض صاحبها المتفاعل للاعتقال والتعذيب حتى من قبل قوات “قسد”، وإلى الآن لا نستطيع التعريف بمراسلينا ونعاني من صعوبة العمل الإعلامي في ظل سيطرة “قسد” التي تنظر إلينا كعدو وتتعامل معنا على هذه الأساس.
وعن مدى تقبل الشارع الرقاوي ووسائل الإعلام لحملة “الرقة تذبح بصمت” أجاب “الصالح”: أهالي الرقة يعرفون مدى مصداقية الخبر الصادر من صفحة الرقة تذبح بصمت، وبالإمكان سؤال أي شخص عن حملة الرقة تذبح بصمت وكيف تنقل الخبر وكيف اخترقت التنظيم داخل الرقة وسببت له الإحراج، حتى أن الأهالي وصفونا بأننا أبطال أسطوريين، يضاف إلى ذلك أن أي خبر يصدر من مدينة الرقة عن طريق صفحتنا فإن وسائل الإعلام تعتمد هذا الخبر كوننا نعمل بدون تحيز لأي طرف على حساب الآخر ونتعامل مع أي خبر بمهنية عالية.
“صوت وصورة” لأرشفة الانتهاكات من قبل كل الأطراف
ولم تقتصر الانتهاكات في المنطقة الشرقية على ممارسات تنظيم “داعش”، بل شاركها في تلك الانتهاكات النظام ومليشيا “قسد” والميلشيات الإيرانية والأفغانية وحتى التحالف الدولي الذي ارتكب المجازر بحق المدنيين بذريعة استهداف “داعش”.
وحرصاً منهم على توثيق تلك الانتهاكات وأرشفتها تفادياً لضياعها، شكل مجموعة من النشطاء الإعلامين منصة توثيقية حملت اسم “منظمة صوت وصورة”.
يقول “محمد الخضر” مدير المنظمة لحرية برس: منظمة صوت وصورة تكونت من عدة ناشطين يعملون في الثورة السورية، ومنذ العام 2001 بدأت عملها في مجال التوثيق والأرشفة، وفي عام 2015 تم اطلاقها بشكل رسمي بعد أن رأينا حجم لانتهاكات المرتكبة من قبل كل الأطراف إن كان “النظام، أو داعش، أو الجماعات المتطرفة والميلشيات الأفغانية والإيرانية، أو التحالف الدولي”، وكانت غالبية تلك الانتهاكات تضيع كونها لم يتم أرشفتها وتوثيقها بطريقة مهنية حقيقية، لذلك ارتأينا تأسيس “صوت وصورة” كمنصة توثيقية لخمس محافظات وهي “دير الزور والرقة والحسكة وريفي حمص وحلب الخاضعة لسيطرة داعش” وتم توثيق الانتهاكات بالأسماء والأرقام والجهة المنفذة، كما أنه لدينا أرشيف كامل ومنصة كاملة من 1/1/2015 وحتى اليوم، ولدينا احصائيات شهرية ونصف شهرية وسنوية.
وأشار “الخضر” إلى أن الشق الثاني من عمل منظمتهم هو التدريب، حيث يتم تقديم التدريب لجماعات المناصرة العاملة في مناطق سيطرة داعش أو النصرة أو حتى النظام، في مجال “المناصرة، والأمن الرقمي، ومبادئ الصحافة والإعلام” وكلها تعطى بشكل مجاني للمجموعات الصغيرة الموجودة بمناطق العمل، في سبيل زيادة مستوى العمل بشكل احترافي في هذه المناطق وبحيث نساعد تلك المجموعات على أن تكبر وتعمل بطريقة جيدة ومهنية، يضاف إلى ذلك العمل على “حملات توعية للنساء” في مناطق داعش، وقد أطلقنا منذ العام 2015 عدة حملات استفاد منها عدد كبير من النساء.
حملةُ “الأسد وداعش وجهان لعملة واحدة”
وساهمت “منظمة صوت وصورة”، بحسب “الخضر”، بشكل كبير في إطلاق العديد من الحملات الموثقة ضد تنظيم داعش والأسد، ومن أبرز تلك الحملات “حملة داعش والأسد وجهان لعملة واحدة”، بالإضافة لحملة “حقك المشروع”، من خلال المنشورات و “البخ” على الجدران، بالإضافة لعدة حملات لمحاربة تطرف الأسد وتطرف داعش بنفس الوقت، وتؤكد المنظمة في كل حملاتها على أن الأسد هو أساس هذا التطرف، وأن التطرف منبعه الأسد وسجون الأسد.
وفي سعي منه لمحاربة تطرف داعش، عمل فريق “صوت وصورة” على إصدار مجلة حملت اسم “دابئ” كردٍّ على المجلة التي أصدرها داعش في مناطق سيطرته والتي حملت اسم “دابق”.
تقارير دورية للمنظمات الدولية
وتعمل منظمة “صوت وصورة” على رفع تقارير دورية للجهات الدولية المعنية فيما يتعلق بتوثيق الانتهاكات المرتكبة من قبل داعش في عموم المنطقة الشرقية.
وقال “الخضر”: لدينا تعاون جيد مع عدة منظمات الأمم المتحدة تصلها تقارير دورية بالانتهاكات التي تتم في مناطقنا، وعندنا إيمان كبير بالعمل الذي نقوم به في مجال توثيق الانتهاكات ورفع التقارير، وايماننا بأنه حتى ولو بعد سنوات فإن أولادنا وأحفادنا سوف يستفيدون من تلك التوثيقات لمحاربة المجرمين وايضاح الجرائم والانتهاكات.
وأضاف: استمرينا في توثيق الانتهاكات والجرائم حتى بعد داعش خلال معركة قسد ومعركة النظام مع داعش، وكنا ننشر على منصتنا الأخبار أول بأول، وكنا نعطي الأخبار للإعلام الغربي، مؤكداً على أنهم كمنظمة يحاربون التطرف بكافة أنواعه وأنهم لا يزالوا يعملون على توثيق الانتهاكات ونشرها بشكل دائم.
معلوماتٌ سبقت “هجمات باريس”
وتحدث “الخضر” عن أهم الإنجازات التي حققتها منظمة “صوت وصورة” قائلاً: إن من أهم الهجمات التي أنجزتها المنظمة أنها كانت السّباقة في نشر المعلومات عن نية داعش شن هجمات في العاصمة الفرنسية باريس، فنحن نشرنا عن تلك الهجمات قبل أن تتم بستة أو سبعة أشهر بعد أن وصلتنا معلومات من مصادر موثوقة بأن داعش يعمل حالياً على هجمات بفرنسا ويتم تنظيمها بشكل كبير بعد 5 أو ستة أشهر، كما أننا أحضرنا تفاصيل كافية إلا أنه للأسف لم يأخذها أحد بالدور الذي كان من المفترض أن تأخذ به إلى أن حصلت تلك الهجمات، ووقتها بدأت وسائل الإعلام بسؤالنا حول تلك التفاصيل بعد أن نشرناها، وهذا الأمر موثق بأننا نشرنا معلومات قبل أشهر من وقوع الهجمات في باريس.
مصداقية في نقل المعلومات رغم الصعوبات
وعن الصعوبات التي تواجه عملهم ومدى تقبل الشارع ووسائل الإعلام للأخبار الواردة من منظمة “صوت وصورة” قال مديرها: من أبرز الصعوبات هي الظروف الأمنية، فمن يعمل معنا معرض للقتل والخطف بأي لحظة والحمد لله لغاية اليوم لم نفقد أي مراسل أو شخص من منظمتنا، فالكل مدرب والأهمية بالنسبة لنا أولاً وأخيرًا هو المراسل والمواطن، ولا يهمنا السبق الصحفي على حساب العاملين معنا.
وأضاف: من الصعوبات الأخرى “التمويل”، فنحن منذ 3 سنوات نعمل بشكل تطوعي 100% وبجهودنا الشخصية كوننا مؤمنين بأهمية الشيء الذي نقوم به ونعمل عليه لهدف وفكرة معينة، يضاف إلى ذلك موضوع التنقل والإقامة والاتصالات في داخل سوريا.
وتابع: تقبل الشارع كبير لنا ولدينا مصداقية عالية بين الناس، وأجرينا أكثر من مرة استبيانات عن عمل “صوت وصورة” وكانت جيدة جداً وتلافينا الأخطاء التي تم الحديث عنها، أما بالنسبة لوكالات الاعلام العالمية فنحن مصدر ثقة بالنسبة لهم، وقد أثبتنا مصداقيتنا في كثير من المواقف.
“دير الزور تذبح بصمت” أو شبكة “فرات بوست”
وعانت محافظة “دير الزور” شرق سوريا، حالها كحال محافظة “الرقة” من ضعف التغطية الإعلامية بسبب التضييق الذي فرضه داعش على النشطاء والجهات الإعلامية، إلا أن ذلك لم يثني من يحاول نقل الحقيقة عن تحدي الواقع المفروض بشتى الوسائل من خلال ممارسة النشاط الإعلامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي والحملات الإعلامية ومنها “حملة دير الزور تذبح بصمت” التي تطورت فيما بعد ليصبح اسمها “فرات بوست”.
وفي هذا الصدد يقول “صهيب الجابر” المتحدث باسم شبكة “فرات بوست” لموقع حرية برس: في بادئ الأمر كان العمل باسم “حملة دير الزور تذبح بصمت” وذلك عند دخول تنظيم الدولة إلى محافظة دير الزور في العام 2014، ومن ثم تطور العمل في العام 2016 لتتحول من حملة إعلامية لها معرفات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى شبكة إعلامية تحمل اسم “فرات بوست”، وبين هاتين الفترتين فقدنا زملاءً لنا بعد استهدافهم من قبل محتلي دير الزور، وأصيب عدد آخر وتم اعتقال زميلنا في الريف الشرقي مرتين.
“الخطأ” مصيره الموت.. و”الحقيقة” هي هدفنا
وتحدث “الجابر” عن خطورة العمل الإعلامي في مناطق سيطرة داعش والدور الذي كان يقوم به فريق شبكة “فرات بوست” وقال: كان دورنا في بداية سيطرة التنظيم على دير الزور هو نقل الخبر والصورة من المحافظة التي كانت تعاني حصاراً جائراً من التنظيم، وكان ثمن نقل هذه المعاناة باهظاً “الخطأ بودي بحياة المراسل”، وعملنا في تلك الفترة كان “كالانتحار” وأعني هنا عمل ومجهود زملائنا في الداخل، الذين خاطروا بحياتهم لإيصال صورة الوضع المأساوي، وبجهودهم زملائنا “الجنود المجهولين” حيث كنا الشبكة الوحيدة التي تنقل الأحداث من دير الزور.
وتابع قائلًا: لاحقاً أنشأنا موقعاً رسمياً للشبكة، وبدأنا بنشر المقاطع الحصرية التي كشفت الوجه الحقيقي لتنظيم الدولة “داعش”، ثم انتقلنا لتغطية مناطق أيضاً كانت محفوفة بالمخاطر مثل “الرقة والحسكة”، إلى أن أصبحنا حالياً ننقل الأخبار في الشأن السوري عامةً، فما قدمناه وما أردناه هو أن تصل للعالم أجمع الصورة “الحقيقية” من مناطقنا ولا شيء سوء الحقيقة، وهذا هو الهدف الذي نستمر بالعمل لتحقيقه.
عدم الانحياز إلا لمبادئ الثورة
ويسعى القائمون على شبكة “فرات بوست” لأن تكون الشبكة الإعلامية الأولى في سوريا، وأن تكون مصدراً رئيساً للعديد من وسائل الإعلام، يقول “الجابر”: أهم ما حققناه هو اعتبار الشبكات العالمية ووسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمكتوبة، اعتبارنا المصدر الأول من المنطقة الشرقية، وما نسعى لتحقيقه هو أن نكون الشبكة الإعلامية رقم واحد في سوريا، ولكن الطريق أمامنا ما زال طويلاً إلا أن التزامنا بالموضوعية وعدم الانحياز إلا لمبادئ الثورة وحقول الإنسان سيكون كفيلاً بتحقيق ما نصبوا إليه.
وعن الصعوبات التي تواجه فريق شبكة فرات بوست قال “الجابر”: من أهم الصعوبات التي تواجهنا هي الاستهداف ومحاولات الاغتيال من جميع الأطراف المسيطرة على المنطقة الشرقية كتنظيم الدولة ونظام الأسد وقسد، الأمر صعب وخطير جداً لكنه أيضاً مصدر فخرٍ لنا كون هذا الواقع الذي نعيشه، والمخاطر التي نواجهها مع هؤلاء أكبر دليل على عدم انتمائنا لأيٍ منها كما هو حال الكثير من الشبكات الإعلامية.
وفيما يتعلق بمدى تقبل الشارع ووسائل الإعلام لهم أوضح “الجابر”: إرضاء الناس غاية لا تدرك، وكما يعلم الجميع لا يمكن إرضاء جمهور المتابعين بسهولة، ببساطة لأننا ننقل الخبر دون تجميل أو مبالغة أو انتقاص، والواقع الذي تعيشه سوريا الآن معقد والانتماءات كثيرة، لذلك لا نتعاطى غالباً مع المسيئين ونكتفي بنقل ما حدث فقط، أما بالنسبة للشبكات الإعلامية فعلاقتنا “بمن يلتزم مبادئنا” ممتازة ونحترم جميع زملائنا في الشبكات الإعلامية التي تتبع النهج الموضوعي ولنا علاقات متشعبة مع الجميع.
الحسكة وصعوبة العمل الثوري
ويصف ناشطون العمل الإعلامي الثوري في محافظة “الحسكة” بأنه عمل “محفوف بالمخاطر”، كونه يتقاسم السيطرة على المنطقة “النظام وميليشيا وحدات الحماية الكردية، وتنظيم داعش”.
وفي هذا الصدد يقول الناشط الإعلامي “صهيب الحسكاوي”: أنه ورغم كل الصعوبات كان للإعلام الثوري دور كبير في إظهار الحقيقة التي يعانيها المدنيين، كما أنه سلط الضوء على انتهاكات هؤلاء الأطراف الثالثة رغم ضعف الإمكانيات.
وأضاف: أنا اعتقد أن أهم ما حققته وسائل الإعلام أنها كشفت حجم المؤامرات التي تحاك لسورية عامةً وللمنطقة الشرقية خاصةً، وبيّنت أن الدول الغربية تبحث عن مصالحها المتمثلة بالنفط والفوسفات وخيرات الوطن فقط.
وتحدث “الحسكاوي” عن أهم الصعوبات التي يواجهها الإعلام الثوري وقال: الصعوبات متمثلة بقلة الحيلة وضعف الإمكانيات، كون غالبية هذا الاعلام غير مدعوم إلا ما رحم ربي وأقصد هنا الإعلام الموجه من الخارج والذي يرى انتهاكات داعش ولا يرى انتهاكات تنظيم “بي واي دي، أو نظام الأسد”.
وتابع: أعتقد أن الإعلام الثوري نجح إلى حد كبير في إظهار الحقيقة ولمس معاناة المدنيين وأصبح بين ليلة وضحاها مصدر لأغلب المواقع والصحف العالمية، بعد أن كانت المنطقة الشرقية مهمشة يغيب عنها أدنى مواقع التواصل والأخبار، ولكنني كناشط إعلامي لا أستطيع تقييم الشبكات الإعلامية على مستوى الحسكة، إلا أنني أثق تماماً بمنبرين هما “الخابور واتحاد شباب الحسكة”، وأعتقد أن أغلب الشارع الحسكاوي يتابع تلك المنابر ويثق بأخبارها.
صحف ومجلات محلية في “منبج”
ومن شرق البلاد إلى شمالها، وتحديداً إلى مدينة “منبج” التي مرّ الإعلام الثوري فيها بمرحلتين: مرحلة منتصف العام 2012 والتي ظهرت فيها عدة صحف محلية مثل “شمس الحرية” وصحف أخرى، والتي كانت تنقل الأخبار سواء المحلية أو غيرها، بحسب الناشط الإعلامي “فواز شلال”.
وخلال الفترة ذاتها، شهدت المدينة انتشار العديد من المجلات والجرائد التي كانت تدخل عن طريق تركيا وتوزع في المدينة بشكل مجاني مثل: “جريدة جسر، وعنب بلدي، وسوريتنا”، بحسب المصدر ذاته.
وعقب دخول تنظيم “داعش” في العام 2014، اختفت الصحف والمجلات من الشوارع بسبب قمع داعش لها، وبعد دخول “قسد” عام 2016 استمر الوضع كذلك كما كان عليه أيام سيطرة داعش، وكان كلاهما له “إعلامه المؤدلج” بحسب “شلال”.
وأشار “شلال” إلى أنه وخلال فترة سيطرة داعش وقسد، ظهرت صفحات الفيسبوك بأسماء محلية مثل: “منبج أم الدنيا، ومنبج عربية، ومنبج مباشر” وغيرها، وكانت مصدراً للأخبار المحلية.
وأضاف “شلال” أنه وفي مطلع عام 2017 انطلق موقع “northern Syrian observe” مختصر الاسم NSO، والذي كان يهتم بالشمال السوري ومنبج من ضمن هذا الشمال، وفي عام 2018 انطلق موقع “هيرابوليس” والذي أطلقه عدة صحفيين واعلاميين ونشطاء من أبناء منبج، وكان يهتم بالدرجة الأولى بأخبار منبج، ومؤخراً انطلقت “مجلة الرحى” وهي تهتم أيضاً بشأن منبج.
ويرى الناشط الإعلامي أن تلك الوسائل كان لها دور كبير من نقل أخبار المنطقة، فضلاً عن متابعة انتهاكات داعش وقسد ونقل جرائم النظام بحق أهالي منطقة منبج.
وفي ردّ منه حول أهم الانجازات التي حققتها تلك الوسائل قال “شلال”: إن أغلب التقارير التي عملت عليها تلك الوسائل كانت مميزة من خلال رصدها للانتهاكات وتسليط الضوء على الواقع الإنساني الصعب، وأضاف: أذكر على سبيل المثال مادة نشرها مرصد NSO عن قيام قسد بتسليم 50 شاباً من أبناء ريف منبج كانت اعتقلتهم سابقاً وقامت بتسليمهم انظام الأسد، وكذلك تقرير نشر في موقع “تلفزيون سوريا” عن سرقة الآثار في منبج وغيرها الكثير من التقارير الهامة.
وختم “شلال” حديثه حول أهم الصعوبات التي اعترضت العمل الإعلامي في “منبج” والمتمثلة بملاحقة الاعلاميين والصحفيين من قبل داعش وقسد، حتى أن الأمر وصل لحد التصفية الجسدية.
عذراً التعليقات مغلقة