محمد العبد الله – حرية برس
مع اقتراب نظام الأسد من السيطرة على الجنوب السوري، تزداد التكهنات حول مدى نيته فتح عمل عسكري نحو إدلب، بعدما استعاد معظم المناطق المحررة في سوريا، وهو ما يثير مخاوف السكان في الشمال، بعدما شاهدوا كيف خرق الأسد اتفاق “خفض التصعيد” في درعا وفتح عملاً عسكرياً نحوها، وبات التخوف من تكرار هذا السيناريو في إدلب التي تضم حوالي ثلاثة ملايين ونصف نسمة من الأهالي والنازحين والمهجرين.
وأعلن الأسد صراحةً نيته السيطرة على إدلب في أيار الماضي، حيث أكد أنه سيستعيد كل نقطة في سوريا، ومن ضمنها إدلب، مشيراً الى أنه سيسعى في بداية الأمر للسيطرة على إدلب عبر “المصالحات والتسويات”، وفي حال فشل في ذلك فإنه سيلجأ الى الخيار العسكري والتصعيد العنيف.
كما ألقت طائرات مروحية تابعة للنظام السوري في أيار الماضي، منشورات على مناطق في ريف إدلب الشمالي، تضمنت عبارات وتهديدات إلى السكان ومقاتلي المعارضة، بإلقاء السلاح والتوجه إلى “المصالحة” مع النظام، وجاءت المناشير على المحافظة عقب الانتهاء من نشر نقاط المراقبة التركية والحديث عن وقف إطلاق نار شامل بين النظام والمعارضة.
سيناريوهات محتملة
وفي ظل المؤشرات السابقة حول تهديدات النظام بفتح عمل عسكري على إدلب مع اقترابه من السيطرة على الجنوب وتواجد نقاط المراقبة التركية في مختلف مناطق إدلب، يبقى التساؤل الأهم هل ستكون إدلب وجهة النظام القادمة بعد درعا، وكيف ستكون السيناريوهات المحتملة للسيطرة عليها، أم أن التواجد التركي في إدلب سيحول دون أي عمل عسكري للأسد؟
وفي هذا الصدد قال المحلل العسكري العقيد أحمد حمادة لحرية برس: إن “النظام والروس والايرانيون يريدون السيطرة الجغرافية على كل مناطق سوريا، ولكن إدلب تخضع لاتفاق خفض التصعيد وتختلف هذه المنطقة عن غيرها، حيث أن تركيا لها مصالح حيوية واستراتيجية فيها، ونشرت 12 نقطة مراقبة فيها لمنع أي عمل عسكري نحوها”.
وأضاف حمادة أن “الفرق بين اتفاق خفض التصعيد في إدلب وبين اتفاق درعا الذي تم نسفه بالكامل من قبل الأسد، أن تركيا وضعت نقاط مراقبة في إدلب للحيلولة دون تقدم النظام، وكما لاحظنا حين حاول الأخير التقدم شرقي إدلب ووصل إلى مطار أبو الظهور، ومن ثم سعى للتقدم نحو سراقب، قامت حينها تركيا بنشر نقطة مراقبة في تل الطوقان قرب سراقب، وبالتالي منعت الأسد من التقدم وتم ايقافه عند أبو الظهور”.
ووافقه في الرأي المنسق العام للمجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية مضر حماد الأسعد الذي قال لحرية برس: “لا أتوقع أن تكون إدلب مثل حلب أو درعا أو الغوطة، لأن إدلب لها خصوصية جداً وأهمية خاصةً بالنسبة إلى تركيا التي نشرت فيها نقاط مراقبة، وكذلك بالنسبة للشعب السوري في ظل وجود أكثر من 3 مليون نسمة بين سكان (أصلاء ونازحين ومهجرين)، إضافةً لوجود أكثر من 70 ألف مقاتل من الجيش الحر وهيئة تحرير الشام وغيرها من الكتائب الأخرى”.
وأوضح الأسعد أن “النظام لا يستطيع الاقتراب من إدلب أو خرق اتفاق خفض التصعيد فيها، لأنه سيصطدم أولاً مع القوات التركية، وهذا الأمر سيكون وبالاً على ميليشيا النظام، وحتى روسيا لن تسمح للأسد بأن يخرق اتفاق خفض التصعيد، لأن ذلك سيؤدي إلى تصعيد خطير سينعكس سلباً على النظام عسكرياً وأمنياً وسياسياً، كما أن النظام ليست لديه القدرة العسكرية على فتح أي جبهة بدون الدعم الجوي الروسي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هناك اصطدام بين الروس والأتراك”.
ولكن مدير “مركز التوثيق الكيمياوي لانتهاكات النظام” العميد زاهر الساكت اعتبر في حديث لحرية برس، أن “هناك مخططاً دولياً لمساعدة بشار الأسد على فتح عمل عسكري واستعادة السيطرة على إدلب، بحيث تكون كل مناطق سوريا تحت سيطرته، ومن ثم يتم تهديد الأسد إما بارساله للمحاكم الدولية لمحاسبته، أو اجباره على كتابة دستور جديد يخدم المصالح الدولية ومن ثم يتم الاطاحة به”.
.
.
.
بينما رأى مدير تحرير شبكة “الشرق نيوز” فراس علاوي لحرية برس، أن “هناك احتمالان لوجهة الروس والنظام بعد درعا، الأول هو إدلب والثاني هو الرقة، وكل احتمال له سيناريو مختلف، ففتح عمل عسكري نحو الرقة التي تتواجد فيها قوات (PYD)، يستلزم تفاهمات وتنازلات للأكراد الذين قد يُغيرون من تحالفاتهم في حال الحصول على مكاسب مادية”.
وأضاف علاوي “أما إدلب فوضعها يبدو معقداً نوعاً ما لوجود عدد من القوى المسيطرة وتنوع الفصائل المتواجدة فيها، لذلك دخول ادلب من قبل الأسد يستلزم أيضاً تفاهمات معينة وتقاسم النفوذ، فقد تتخلى روسيا عن بعض المناطق لصالح تركيا في ادلب، مقابل تخلي تركيا عن بعض المواقع لصالح النظام والروس، وقيامها بنزع سلاح الفصائل، ومعاقبة أي فصيل لا يمتثل للأوامر”.
لماذا يريد الأسد وحلفاؤه السيطرة على إدلب؟
وحول أسباب رغبة النظام في السيطرة على إدلب، رأى مضر حماد الأسعد: أن “الأسد يسعى إلى السيطرة على إدلب بكل الطرق لعدة أسباب منها: قرب إدلب جغرافياً من إقليم انطاكيا، وبالتالي سيطرته على إدلب تؤمن له اتصالاً مباشراً مع العلويين هناك، حينها يمكن له احداث مشاكل وفتن داخل تركيا، وهذا الأمر تتخوف منه أنقرة كثيراً، لأنه يؤثر على الأمن القومي التركي في جنوب بلادها، حيث تتنوع القوميات والطوائف والعشائر”.
وأضاف الأسعد “لهذا تركيا لا يمكن أن تسمح للنظام أو قسد ( PYD) أو الميليشيات الإيرانية أو حتى الروس من الاقتراب من الحدود التركية في المنطقة المقابلة للواء انطاكيا واسكندرون، فالمشروع التركي القادم يهدف لابعاد (PYD) عن كامل الحدود السورية التركية، أي منبج والرقة والحسكة ورأس العين، لذلك لا يمكن أن تكون إدلب قابلة للقسمة أو التفاوض مع الدول المعادية لتركيا أو الثورة السورية”.
في حين يرى الباحث في الشأن التركي محمد خورشيد، أن “الأسد جعل إدلب المعركة الأخيرة بالنسبة له لعدة أسباب أبرزها: التواجد الكثيف والقوي للفصائل في إدلب، وبالتالي فإن المعركة ستكون مكلفة وصعبة وستنهك قواته، كما أن الاقتتال الذي يحصل كل فترة بين الفصائل سيساهم في اضعافهم وهو ما سيكون في مصلحة الأسد، اضافةً الى أن موقع إدلب ليس له تأثيراً كبيراً على مجريات النزاع، لهذا أجّل الأسد معركة إدلب الى النهاية”.
وأضاف خورشيد في حديثه لحرية برس أن “الأسد يريد انهاء السيطرة على إدلب التي باتت خزاناً يحتضن الآلاف من مقاتلي المعارضة، ما يُشكل حالة قلق للأسد من احتمال أن تنفجر شرارة الفصائل في إدلب وتفتح عملاً عسكرياَ ضخماً نحو حلب أو حماه أو الساحل، لذلك يود النظام السيطرة على إدلب، كي يضمن عدم تعرضه لأي خطر مباغت مستقبلاً، وبنفس الوقت فإن ايران تقف وراء الأسد للتقدم في إدلب، والوصول الى كفريا والفوعة الشيعيتين”.
ما مصير “هيئة تحرير الشام”؟
من جهة أخرى يعتبر تواجد “هيئة تحرير الشام” في إدلب العقبة الأكبر، وسبق أن أشار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إلى “وجود العديد من المجموعات المتشددة في إدلب، والتي تشكل تهديداً لتركيا ولنقاط المراقبة التي أقامتها في الجانب السوري” موضحاً أن “تركيا تعمل على تطهير إدلب من هذه الجماعات من جهة، والحيلولة دون حدوث انتهاكات لاتفاق مناطق خفض التصعيد من جهة أخرى”.
وأكد مضر حماد الأسعد أن “هيئة تحرير الشام موجودة بقوة في إدلب رغم اختلافها فكرياً وعقائدياً وعسكرياً مع الجيش الحر، ولكن بالمحصلة لا يمكن أن تسمح للنظام بالاقتراب من إدلب، وكذلك الجيش التركي المتواجد في ريف إدلب لن يسمح لتحرير الشام بالاقتراب من النظام واندلاع معارك بينهما، ما قد يساهم في الإخلال بالواقع العام في المناطق المتاخمة للحدود التركية”.
بينما يرى محمد خورشيد أن “تركيا باتت أمام خيارين، أحدهما محاربة تحرير الشام وانهاء وجودها في إدلب، أو مواجهة هجوم عسكري للنظام بدعم روسي، يؤدي إلى مذابح ونسف مسار استانا وانسحاب نقاط المراقبة التركية، لذا ستختار تركيا الخيار الأول عبر انهاء وجود الهيئة تدريجياً، من خلال بناء تشكيلات عسكرية جديدة واستقطاب العناصر غير المتشددة من تحرير الشام، وعزلها تدريجياً وصولاً لإضعافها وإنهاء تواجدها بأقل الخسائر”.
عذراً التعليقات مغلقة