ياسر محمد – حرية برس
حُسم ملف الجنوب السوري عسكرياً بأسرع مما ظن أشد المتشائمين، إذ لم تحتج روسيا – العنصر الفاعل الحقيقي في المعركة- أكثر من أسبوعين لفرض اتفاق تهجير واستسلام على الفصائل المقاتلة هناك.
ومع إنجاز الاتفاق الذي بدأ سريانه أمس، ويُطبق بند التهجير فيه نحو الشمال اليوم الأحد، سارع آلاف النازحين بالعودة إلى بيوتهم وقراهم، فيما حضت الأردن مئات الآلاف على العودة بأسرع وقت ممكن، وأعلن بعض مقاتلي المعارضة التمرد على الاتفاق وفصائلهم معا، فانسحبوا منها وشكلوا فصيلاً مقاوماً غربي درعا بغية مواصلة القتال.
تحليلات كثيرة متباينة أطلقها عسكريون وسياسيون وصحفيون حول السيناريو الذي سقط فيه الجنوب بسرعة لم تكن متوقعة، فذهب بعضهم إلى تحميل “أصدقاء وحلفاء المعارضة” المسؤولية وذلك بإبرام صفقة دولية إقليمية على حساب المعارضة، فقال الباحث السعودي نواف القديمي “هزيمة الثورة السورية يتحمل مسؤوليتها (حلفاء الثورة) أكثر مما تتحملها الفصائل والناشطون والسياسيون مهما كانت انقساماتهم وصراعاتهم “،.. وهو هنا يشير إلى خسارة الجنوب ويعنيها في قوله “هزيمة الثورة”.
أما الصحفي والمعارض السوري منهل باريش، فله رأي آخر، حيث يرى أن قيادات الفصائل خذلت المقاتلين والمدنيين، وأنهم وقّعوا على اتفاق لم يعرفوا مضمونه حتى، وكتب في هذا الخصوص: “بعد بحث طويل.. أكتشف أنه ولا واحد من قادة درعا معه نص الاتفاق الذي وقع عليه مع الروس.”!.
وهو ما ذهب إليه أيضا الصحفي والسياسي المعارض عمر إدلبي، حين اتهم قيادات الفصائل بالغدر بالمدنيين وتركهم يواجهون مصائرهم، فكتب على تويتر: “أن تنسحب الفصائل وتسمح لرتل من جيش الأسد والروس بالوصول إلى معبر نصيب الحدودي.. أمر يمكن فهمه. لكن أن يفعلوا ذلك دون أن يعلم المدنيون شيئاً عن هذه التطورات فيجدوا أنفسهم فجأة بمواجهة العدو، فتلك نذالة من قيادات الفصائل لم تعد مستغربة أبداً.. يا حيف!!”.
ومع وصول قوات الأسد إلى معبر نصيب مع الأردن وسيطرتها على طريق دمشق عمان، وكذلك سيطرتها على الحدود مع كيان الاحتلال الإسرائيلي بطلب من “إسرائيل” واتفاق على ذلك مع روسيا، يبدو المشهد في الجنوب متجها نحو تصعيد جديد، حيث هددت دولة الاحتلال باجتياح الجنوب السوري إذا ما رصدت وجوداً إيرانياً، وهو بالفعل ما رصده سوريون، فقال الناشط هادي العبد الله: “في خرق صريح للتفاهمات الدولية فيما يتعلق بتواجد الميليشيات الطائفية في الجنوب، سُجل ظهور لقائد ميليشيا أبو الفضل العباس في مدينة داعل شمال غرب درعا، في حين أوضح شهود عيان من داخل مدينة داعل أن الكثير من المقاتلين المرتدين لباس (جيش الأسد) يتحدثون باللهجة العراقية”.
وهو ما أكده من المنظور السياسي الكاتب السعودي جمال الخاشقجي بقوله: “كل ما يشاع عن عدم مشاركة المليشيات الإيرانية في حوران بزعم شرط إسرائيلي ووعد روسي غير صحيح، بل مستحيل تعريف (المليشاوي الطائفي) في سوريا بعدما بات يرتدي زي الجيش السوري وينتحل اسم قتيل سوري ويغتصب بيت شهيد أو مهجر. الوجود الإيراني هناك تهديد للأمن القومي العربي لا الإسرائيلي”.
وتتقاطع آراء المحللين في تحميل الدول “حلفاء الثورة والمعارضة”، وفصائل حوران المقاتلة، مسؤولية سقوط الجنوب المدوي، فيما يرى آخرون أن المعركة مستمرة وأن فصولاً أخرى ستُكتب هناك، ليس لأن لـ”إسرائيل” اليد العليا والمصلحة الأكبر فقط، بل لأن روسيا ربما تضطر للتخلي عن إيران مبدئياً انطلاقاً من الجبهة الجنوبية، وما ستيبع ذلك من خلخلة في الصف، ومن ثم تضطر للتخلي عن الدمية التي تحكم باسمها في سوريا، “بشار الأسد”، وهو رأي الصحفي المعروف ياسر أبو هلالة الذي قال “من يعتقد أن النظام حسم المعركة في سوريا لم يقرأ التاريخ، سيتخلى الروس عنه كما تخلوا من قبل عن مجرمي الحرب الصرب، لكنه ضروري للمرحلة الانتقالية”.. مختتماً بالقول: “درعا البداية وليست النهاية”.
عذراً التعليقات مغلقة