كنت قد أوضحت في عدة مقالات سابقة أن استبداد النظام وطول فترة التصحر السياسي بالإضافة للعنف المجرم الذي قابل به الأنشطة الثورية بالإضافة لأنانية المعارضة السورية ومحاولتها الهيمنة على الثورة السورية انطلاقاً من قراءة خاطئة تختصر النظام بشخص الرئيس وترى أن إسقاطه سيكون حتمياً خلال فترة قريبة مثلما حدث في مصر وتونس، مما منع الكوادر الشابة التي قادت التنسيقيات من إنتاج قيادة موحدة للثورة، ولم تتشكل قيادة موحدة للثورة من هذه الأحزاب والتجمعات السياسية الموجودة قبل الثورة بسبب أنانية قادتها ونرجسيتهم وهو ما لم يسمح بالتقائها مع بعضها البعض لإنتاج قيادة للثورة.
وأكدت أن هناك ضرورة لمؤتمر وطني لقوى المعارضة والثورة السورية كي تدرس التجربة الماضية بكل سلبياتها وإيجابياتها وتنتج برنامج سياسي وقيادة موحدة للثورة.
لكن هل انتهت عقلية الهيمنة من ذهن المعارضة السورية؟ هل ابتعدنا عن الأنانية والنرجسية التي تحكم عملنا؟
لا أعتقد أن هذه العقلية التي هيمنت ولا زالت على أداء المعارضة خلال الفترة الماضية قد انتهت، فما زال هناك من يعتقد بنفسه الفئة الناجية، سواء من العسكر والفصائل أو من السياسيين، ولا زالت عقلية الانقسام هي العقلية المهيمنة والسائدة، حيث برزت الأنا المتضخمة لديهم مما أعاق انصهارهم ضمن مؤسسات الثورة، فهذه الأنا المتضخمة رأت في نفسها المعلم والموجه الذي يجب أن يخضع لها الجميع، وهي نفسها التي ترى في شريكها بأنه أقل منها في الفهم أو أنه جسر يعبر من خلاله لتلميع ذاته المتورمة، حيث تختصر المؤسسة بشخصه الكريم، فهو الذي بناها ليتربع على عرشها، وهو الأصل فيها، فإن ذهب هو فلتذهب هي، فيدمر ما بناه ليبني تنظيماً جديدا.
هذا ما جرى في الكثير من التنظيمات السياسية السابقة التي أنتجت في الثورة أو التي كانت متواجدة من ما قبل الثورة، فالسمة العامة التي كانت هي الانقسام والتشظي وليس الوحدة والتعاون، وهذا واضح من اعتماد معظم التشكيلات الحالية والتي نُصبت لقيادة الثورة على الأفراد البعيدين عن تنظيمات سياسية، حيث لا يمكن أن يخضعوا لمحاسبة ومساءلة من قبل تنظيماتهم السياسية التي يتبعون له، وبالتالي لا عمل جماعي ولا قوة ونفوذ لهؤلاء الأفراد الموجودين في الهيئات المختلفة بين الثوار لأنهم بعيدين عن الحاضنة الشعبية وعن الجمهور، لهذا فسيبحثون عن نقاط قوة ويجدونها في الولاءات المتعددة للدول التي رعتهم ومؤسساتهم المصنوعة من قبلها، وهذا ما تسبب في خروج القرار الوطني من بين أيدي السوريين جميعاً (معارضة ونظام) ليتحول السوري إلى مجرد مرتزق لدى هذه الدولة أو تلك يقاتل بإمرتها ويخضع قرار مؤسساته السياسية لمصالح هذه الدول دون البحث عن المصلحة الوطنية السورية، وقد رأينا هذا فاقعاً في الجنوب حين تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن حلفائها، وتركتهم لمصيرهم المحتوم، بعد أن منعتهم من نصرة أشقاءهم في الغوطة الشرقية، وفي الجهة المقابلة نجد الفيلق الخامس الذي شكلته روسيا من السوريين ليقاتل السوريين أنفسهم ويقتلهم.
المؤتمر الوطني للمعارضة السورية المطلوب إنجازه ضرورة ملحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن لا يمكن الوصول لهذا المؤتمر دون تشخيص الأمراض الموجودة في الثورة السورية، ومحاولة إيجاد حلول لها، والالتفاف عليها.
أعتقد أن استبعاد الأفراد والاعتماد على التنظيمات جزء أساسي من محاولات الالتفاف على هذه العقلية، حيث تكون التجمعات أساساً لبناء المؤتمر الوطني المنشود، وبهذا نبتعد عن عقلية الفرد ونعتمد على مؤسسة يخضع ممثلوها في المؤتمر الوطني للمساءلة والمحاسبة.
المشكلة الأخرى التي قد نواجهها هي أنانية التجمعات، فالجميع يريد أن يسجل اسمه في التاريخ على أنه منقذ سوريا ومخلصها من الدمار، وبهذه العقلية قد نجد حزباً أو هيئة يدعوا إلى مؤتمر وطني لتقاطعه أحزاب أو هيئات أخرى، وتبادر هي أيضاً للدعوة إلى مؤتمرات أخرى، وبهذا يزداد التشظي والانقسام بدلاً من الوحدة، وقد يكون أحد الحلول المطروحة، المبادرة لكتابة ورقة عامة جامعة من مجموعة أحزاب أو هيئات، تطرح على الجميع، ومن يقبل بهذه المبادئ العامة التي لا يمكن أن يختلف فيها أبناء الثورة السورية، فسيكون من ضمن اللجنة الداعية والتي ستحضّر للمؤتمر، وبهذا يكون الجميع في اللجنة التحضيرية، وينال الجميع شرف الدعوة للمؤتمر الوطني العام، ويشارك الجميع في تحضير مسودات المؤتمر معتمدين على ما سلف من وثائق تم إنجازها في مؤتمرات سابقة، أي لا يوجد ضرورة لإعادة اختراع العجلة من جديد، ومن أهمها تلك الوثائق التي خرجت عن مؤتمر القاهرة لوحدة المعارضة السورية في عام 2012، والذي تم إفشال تنفيذ مخرجاته من قبل المجلس الوطني السوري آنذاك.
عذراً التعليقات مغلقة