أحمد زكريا – حرية برس
يواصل أهالي مدينة الرقة شمالي سوريا، اكتشاف المقابر الجماعية التي تضم عشرات الجثث لضحايا قضوا خلال معركة السيطرة على المدينة، والتي دارت بين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من طيران التحالف الدولي.
أكثر من 10 مقابر جماعية في المدينة
وكانت مدينة الرقة، شهدت بتاريخ (22 نيسان/أبريل الماضي) عثور السكان على أكثر من 300 جثة متفسخة، في مقبرة جماعية داخل الملعب البلدي في المدينة، بحسب مصادر محلية.
وأفادت “صفحة الرقة تذبح بصمت” على فيس بوك، وهي صفحة تعنى بنقل أخبار الرقة، بعثور الأهالي، الخميس (21حزيران/يونيو الحالي)، على مقبرة جماعية جديدة قرب “جسر الرقة القديم” داخل المدينة، في حين سبق العثور على تلك المقبرة الجماعية، بعدة أيام، تمكن الأهالي من انتشال عشرات الجثث لمدنيين مجهولي الهوية، من تحت أنقاض أحد المباني، في الشارع الواقع خلف “بناء الجميلي” في مدينة الرقة، وفق المصدر ذاته.
الدكتور “فراس ممدوح الفهد” مسؤول الصحة والمستقيل من “مجلس الرقة المدني” منذ ستة أشهر، قال في تصريح خاص لحرية برس: إنه وبعد شهر أغسطس/ آب من العام الماضي أي مع بداية حصار مدينة الرقة، بدأ يلاحظ اكتشاف المقابر الجماعية داخل مدينة الرقة.
وأضاف “فهد” أنه تم اكتشاف ما يزيد عن 10 مقابر جماعية، فضلاً عن وجود عشرات الجثث تحت الأبنية المهدمة، مبيناً أن تلك المقابر تنتشر في أغلب مناطق المدينة، ولفت إلى اكتشاف مقابر جماعية في داخل كل من “الملعب البلدي، وحديقة الحيوانات القديمة، وقرب الكراجات” بالإضافة لعدد من المناطق الأخرى.
ونوّه، إلى عدم وجود إحصائية لأعداد الجثث التي تضمها تلك المقابر، كونُ الأعداد تتفاوت بين مقبرة وأخرى، لافتاً الانتباه إلى انتشال ما يقارب من 350 جثة من داخل مقبرة جماعية واحدة تم اكتشافها في الملعب البلدي مؤخراً.
وعزا “الفهد” انتشار المقابر الجماعية في عدة أحياء داخل المدينة، إلى عدة أسباب منها، بقاء قسم كبير من مدنيي الرقة فيها وعدم خروجهم قبل اكتمال الحصار، نظراً لمنع التنظيم لهم من الخروج، بالإضافة للتكفير وتطبيق حكم الردة والقتل بحق كل من يحاول الخروج، يضاف إلى ذلك أيضاً إيثار بعض المدنيين البقاء ببيوتهم عوضاً عن مصادرة التنظيم لبيوتهم، وتحمل قصف الطيران الجوي، الذي طالهم بداخل منازلهم.
جثث مضى على وجودها 9 أشهر في المقابر
ووثقت “صفحة الرقة تذبح بصمت”، في شهر أيار/ مايو الماضي، انتشال 254 جثة من تحت الأنقاض، من الذين قضوا خلال معركة السيطرة على المدينة العام الفائت.
وذكرت مصادر أهلية، أن 90% من تلك الجثث التي يتم انتشالها من داخل المقابر الجماعية، تعود لمدنيين مقيمين في المدينة أو لنازحين وفدوا إليها من مناطق مختلفة من الداخل السوري، مشيرين إلى صعوبة التعرف على هويات تلك الجثث نظرًا لتفسخها.
وفي هذا الصدد قال “الفهد”: إن قليلاً من الأهالي تعرفوا على ذويهم لقدم الدفن أثناء حصار المدينة، وعدم توافر تقنية DNA لدى مجلس الرقة المدني، مضيفاً أن أغلب الجثث طالت فترة بقائها في القبور الجماعية مدة 9 أشهر.
وأشار، إلى أن هناك جثثاً ومبانٍ ومنازلَ كثيرة لم يتم انتشال الضحايا من داخلها، مؤكداً في ذات الوقت أن ربع مساحة المدينة أو أكثر لم يتم حتى الآن البدء بانتشال الجثث منها، على حد تقديره.
روائح الجثث تنتشر في كل مكان
ويشتكي سكان مدينة الرقة من انتشار الروائح الكريهة في بعض المناطق داخل المدينة، مرجعين السبب إلى وجود جثث لمدنيين لم يتم انتشالها من تحت الأنقاض.
وأرجع “الفهد” التأخر في انتشال الجثث لعدة أسباب، من أبرزها قلة الإمكانات لدى مجلس الرقة، وقلة الكوادر المخصصة لانتشال الجثث وضعف الدعم الدولي لهذه العملية، يضاف إلى ذلك عدم تواجد أي فريق دولي لانتشال الجثث أو التقنيات الحديثة المخصصة لذلك.
وفي السياق، لفت “الفهد” الانتباه، إلى وجود تواصل مع جهات دولية وصحية لدعم الجهود لانتشال الضحايا من المقابر الجماعية، مبيناً قيام دولة “كندا” وعدة دول أوربية أخرى، بتقديم مساعدات مالية ولوجستية لمجلس الرقة المدني لهذا الشأن، إلا أن تلك المساعدات كانت قليلة ولا ترتقي لما هو كافي لانتشال كافة الضحايا، على حد تعبيره.
وأوضح، أن روائح الجثث كانت منتشرة بشكل أكبر قبل عدة شهور، إلا أنها انحسرت بشكل كبير، باستثناء ربع المدينة التي لم يباشر العمل بانتشال الجثث منها، والتي تشهد بعض الأماكن فيها انبعاث روائح واضحة، خاصةً مع ارتفاع درجات حرارة الجو في الرقة.
قتلى للنظام في مقابر جماعية بريف الرقة
ولم تكن قوات الأسد بمنأى عن العثور على قتلاها في مقابر جماعية، خاصة في ريفي محافظة الرقة الشمالي والغربي، تم قتلهم على يد تنظيم “داعش” ودفنهم في عدد من المقابر الجماعية.
“محمد الخضر” مدير “منظمة صوت وصورة” والتي تغطي أخبار المنطقة الشرقية، قال لحرية برس: هناك أربع مقابر تم اكتشافها في النصف الثاني من العام 2014، في ريف الرقة الغربي، ضمت جثث جنود للنظام ممن اعتقلهم “داعش” خلال سيطرته على مطار الطبقة، وهناك أيضاً مقبرة واحدة في الريف الشمالي اكتشف فيها وجود جثث لعناصر تتبع للنظام ممن تم اعتقالهم على يد داعش أثناء سيطرته على الفرقة 17.
المال مقابل انتشال الجثث
وتحدث “الخضر” عن الممارسات التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية بحق المدنيين، ومن ضمنها منع الأهالي من إزالة الأنقاض والبحث عن الضحايا والمفقودين وانتشال جثثهم وتضع في طريقهم العراقيل والحجج الواهية، ولا تكتفي بذلك وحسب، وفق “الخضر” بل إنها تعمد إلى طلب مبالغ مالية من السكان لقاء انتشال الجثث ورفع الأنقاض، مضيفًا أنه ولهذا السبب لاتزال هناك جثث كثيرة تحت الأنقاض والمباني لم يتم انتشالها.
وحذر “الخضر” من كارثة صحية تهدد مدينة الرقة، في حال لم يتم انتشال الجثث من تحت الأنقاض واتخاذ الإجراءات اللازمة على وجه السرعة، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي تؤدي بدورها لتعفن الجثث وصدور روائح منها تسبب بالعديد من الأوبئة والأمراض، مبيناً أنه وفي كل أسبوع يتم اكتشاف جثث لا تزال تحت الأنقاض داخل المدينة.
وحمّل “الخضر” الهيئات الدولية مسؤولية التأخر في انتشال الجثث من تحت الأنقاض، مؤكداً أنه وعلى الرغم من التقارير التي يتم رفعها لتلك الهيئات فيما يتعلق بالمقابر الجماعية والانتهاكات التي تقوم بها “قسد” على صعيد عدم رفع وإزالة الأنقاض واستغلال حاجة الناس وطلب مبالغ مالية لقاء ذلك، إلا أنه لا يوجد أي استجابة من قبلها برغم أنها لا يمكنها نكران ذلك وعدم درايتها بتلك التقارير، متهماً في الوقت ذاته أن تلك الهيئات “مسيسة” بعكس ما تدعي به، مشيراً إلى استمرار دعمها وتسترها لقوات سوريا الديمقراطية التي تواصل ارتكاب الانتهاكات بحق المدنيين.
الجدير ذكره، أن نظام الأسد يسيطر منذ صيف العام 2017 على أجزاء واسعة من ريف الرقة الغربي والجنوبي، في حين تسيطر قوات سوريا الديمقراطية(قسد)، على الجزء الأكبر من المحافظة ومن بينها مدينة الرقة.
Sorry Comments are closed