أحمد زكريا – حرية برس
تعود محافظة “إدلب” إلى واجهة الأحداث الميدانية مجددًا والعنوان الأبرز لتلك الأحداث “خروقات متجددة من طيران روسيا والنظام لاتفاق تخفيض التصعيد” والضحية هم المدنيون الأبرياء.
وشهدت مدن وبلدات ريفي إدلب “الجنوبي الشرقي” خلال الأيام الخمسة الماضية، حملة جوية عنيفة من طيران روسيا والنظام، أسفرت عن مقتل ما لا يفل عن 70 مدنيًا بينهم نساء وأطفال وإصابة آخرين، وفق ما تحدثت به مصادر محلية.
وكان لبلدة “زردنا” شماليّ إدلب النصيب الأكبر من عدد الضحايا، بعد أن ارتكبت المقاتلات الحربية الروسية مجزرة مروعة، الخميس الماضي، راح ضحيتها نحو 50 قتيلًا مدني، فيما توزعت بقية الضحايا على مدن وبلدات “بنش، وتفتناز، ورام حمدان، وأريحا” جراء الغارات التي طالتها من طيران النظام الحربي.
وأدت الغارات الجوية إلى خروج مشفىً وأربع مدارس عن الخدمة في مدينة “بنش” بالإضافة لخروج مشفى وحيد عن الخدمة في بلدة “تفتناز”، بالتزامن مع حركات نزوح للمدنيين من تلك المناطق، تخوفًا من أي قصفٍ جويٍ مفاجئ من قبل طيران النظام وروسيا، وفق ذات المصادر.
قلقٌ أممي وإداناتٌ سياسية ودولية
ولاقت تلك التطورات المتلاحقة في إدلب وريفها، ردود فعل دولية وسياسية، حيث عبّر الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريس” في بيان له، عن قلقه العميق من المجازر التي ترتكب في ريف إدلب، داعيًا الأطراف الضامنة لاتفاق خفض التوتر للوفاء بالتزاماتهم.
في حين، حذر الائتلاف الوطني السوري المعارض، يوم الأحد، “الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي” من مخاطر المستجدات التي تشهدها محافظة إدلب، مطالبًا بتحرك عاجل يوقف التصعيد على إدلب ويمنع استهداف المدنيين، ويضمن أمنهم وسلامتهم، مجددًا مطالبته الدول الكبرى، والدول الصديقة للشعب السوري، بتحمل مسؤولياتهم تجاه ما يجري على أرض سورية من جرائم، والعمل على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، فيما يتعلق بوقف القتل والإجرام.
بدورها، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، يوم الإثنين: إن 13 طفلًا على الأقل قتلوا، منذ الخميس الماضي، جراء الهجمات التي استهدفت أحياء مدنّية ضمن حدود مناطق “خفض التوتر”، في محافظة إدلب شمالي سوريا.
وطالب فريق “منسقو الاستجابة” في بيان لهم، يوم الثلاثاء، جميع الأطراف الفاعلة وفي مقدمتها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بالضغط بجدية لإيقاف هذه الحملة العسكرية على محافظة إدلب، وتحمّل مسؤوليتهم تجاه المنطقة، كون المنطقة لم تعد تحتمل المزيد من المزايدات أيّاً كان نوعها أو طرفها.
انزعاج روسي من التقارب التركي الأمريكي بخصوص منبج
وأرجع مراقبون تجدد الخروقات الروسية على منطقة خفض التصعيد في إدلب بشكل مفاجئ، إلى عدة أسباب من أبرزها محاولة الطرف الروسي إيصال رسائل محددة لجانبين التركي والأمريكي عقب حالة التقارب التي تمت بين الطرفين فيما يخص اتفاق منبج، الأمر الذي أزعج روسيا وجعلها تحاول إعادة حساباتها في المنطقة.
وقال “مصطفى سيجري” رئيس المكتب السياسي في “لواء المعتصم” التابع للجيش السوري الحر في تصريح خاص لموقع حرية برس: إنه وعلى اعتبار أننا كنا على أبواب إعلان وقف إطلاق النار بحسب اتفاق آستانا بعد تثبيت نقاط المراقبة التركية والروسية، للانتقال إلى البدء بلجنة إعادة صياغة الدستور بحسب مخرجات سوتشي، فإننا لا نجد مبرر لهذه الجرائم والتصعيد إلا الانزعاج من التقارب التركي الأمريكي بما يخص اتفاق منبج.
وعزا “سيجري” سبب الانزعاج إلى أن الروس يدركون بأن اتفاق منبج بين الأمريكان والأتراك سيكون البداية لعودة اللاعب الأمريكي إلى الساحة السورية وعلى حساب الاحتلال الروسي، لذلك نعتبر ما قام به من جرائم بمثابة رسائل مستعجلة للجانب التركي، بأنه قادر على خرق الاتفاق والعودة بالأمور إلى الصفر بما يخص الملف السوري.
وتابع: بالتأكيد عندما نتحدث عن تقارب وتفاهم بين الأمريكان والأتراك، فهذا لا يعني ضمن منطقة واحدة بل سيمتد إلى أبعد مما يتصور الجميع، صوب شرق الفرات وغربه، ولا نستبعد تفاهم كامل حول إدلب وأبعد من ذلك، ووقف العربدة الروسية، لذلك نحن نعتبر هذا التقارب مصلحة لنا ولشعبنا وندعم بقوة اتفاق منبج وسنبذل جهدنا من أجل إنجاح هذه التجربة بهدف تكرارها في باقي المناطق السورية.
وأضاف، أن “الأمريكان ظهير دولي مهم، وكسبه إلى جانبنا هدف بالنسبة لنا، وسنعمل على بناء تحالف حقيقي وراسخ مع واشنطن ضد الأعداء المشتركين، والموقف من روسيا كدولة احتلال وواجب المقاومة ثابت لدينا ولن يتغير، ولن يوقف الروس عند حدهم إلا المقاومة القوية، وتوجيه ضربات نوعية، والاستفادة من التقارب التركي الأمريكي”.
محاولات روسية لفرض نفسها دوليًا
ووافق “عاطف زريق” رئيس الهيئة السياسية في إدلب، ما تحدث به “سيجري” وقال: أظن أن روسيا تسعى لفرض نفسها على المجتمع الدولي، وإثبات أنها قادرة على إمساك كل الأوراق متى أرادت، وأظن أن ذلك جاء بعد اتفاق تركيا مع أمريكا حول منبج.
ورأى “زريق” أن هذا التصعيد الروسي أتى لتنبيه الأتراك أنها ملتزمة بأستانة ومنطقة إدلب كلها ضمن منطقة خفض التصعيد، وبنظرها فإن منطقة خفض التصعيد ليست وقف إطلاق نار فقط وتستطيع الدول القصف متى أرادت بحجة تواجد الإرهاب.
وأشار “زريق” في حديثه لحرية برس، إلى أن إدلب تحت الرعاية التركية، وبعد الانتخابات التركية تتجلى الصورة بشكل أوضح حول موضوع خلط الأوراق في المنطقة، في رد منه على سؤال حول السيناريوهات التي تنتظر منطقة إدلب، في ظل تلك الخروقات التي تطالها من قبل الجانب الروسي.
روسيا غاضبة من فشل مخططات كانت تسعى لها
وفي منتصف شهر أيلول الماضي، توصلت الدول الضامنة لمسار أستانة “روسيا، وتركيا، وإيران” إلى اتفاق لإنشاء منطقة خفض توتر في إدلب، إلا أن الضامن الروسي ورغم ذلك الاتفاق ما يزال مستمر في خروقاته.
وقال العقيد “مصطفى بكور” قائد العمليات في “جيش العزة” قال لحرية برس: في الحقيقة لم تتوقف الخروقات الروسية والأسدية على ما يسمى مناطق خفض التصعيد، وخاصة في ريف حماه الشمالي وريف ادلب.
ورأى “بكور” أن التصعيد الروسي يأتي في الأيام الأخيرة، في محاولة للضغط على تركيا للتنازل عن بعض مطالبها بتنفيذ اتفاق أستانا، الذي ينص على انسحاب قوات الأسد من مناطق معينة مثل مدن “صوران وطيبة الامام وحلفايا” في ريف حماه الشمالي، ومناطق أخرى في “منطقة الغاب وجسر الشغور” مستغلة الموقف الحرج للحكومة التركية بسبب قرب الانتخابات التركية المبكرة، يضاف إلى ذلك، فشل حملة الاغتيالات والتفجيرات الأخيرة في إعادة إطلاق عملية الاقتتال الفصائلي، كما كانت تسعى روسيا وبعض القوى الإقليمية مثل إيران.
وفيما يتعلق بالمخاوف من محاولة اجتياح إدلب عسكريا، قال “بكور”: لا أعتقد بأن هنالك مخاوف من محاولة اقتحام إدلب بريًا لأن المواقف الدولية غير مناسبة لمثل هذا العمل، وإنما يمكن أن تبقى إدلب منطقة توتر كما هي الحال هذه الأيام حتى يتم التوافق الدولي على مصير إدلب، والحل النهائي في سوريا.
من جهته، رأى “النقيب ناجي المصطفى “المتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتحرير” التابعة للجيش السوري الحر، أن روسيا وفي هذا الوقت بالذات تحاول إثبات وجودها وأنها هي الوحيدة التي تسيطر على الملف السوري، في محاولة للرد على التقارب “التركي-الأمريكي” في تعبير واضح على انزعاجها من ذلك الأمر، لذا تصعد عسكريًا وترتكب المجازر بذريعة وجود تنظيمات إرهابية.واستبعد “المصطفى” استمرار التصعيد الروسي على محافظة إدلب وقال: لا أتوقع استمراره بشكل كبير إنما سيكون من حين لآخر، لأن روسيا تريد إرسال رسائل محددة عبر هذا التصعيد”.
مخاوف من تكرار سيناريو الغوطة في إدلب
وفي وقت حذّر فيه المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، حذّر في شهر (أيار/ مايو الماضي) مجلس الأمن الدولي من تكرار سيناريو الغوطة الشرقية في إدلب، وأن من سيدفع الثمن هم المدنيون، استبعد “هادي البحرة” رئيس الائتلاف الوطني السوري السابق وعضو الهيئة السياسية حاليًا في الائتلاف، حدوث مثل هذا الأمر.
وقال “البحرة” في تصريح خاص لحرية برس: أستبعد أن يتكرر سيناريو الغوطة في إدلب وذلك لعدة أسباب أهمها: وجود أكثر من مليونين ونصف مليون سوري، أضف إلى ذلك أن النظام لا يملك لا هو ولا ميلشياته القوة العسكرية الكافية للقيام بعمل عسكري في هذه المنطقة، واختبار الإرادة التركية وقوتها العسكرية، والأهم من ذلك كله وجود الاتفاقية التي تضع قوات مراقبة تركية في هذه المنطقة، وبالتالي القوات التركية حسب ما أعتقد مستعدة لكل الإحتمالات الأخرى، ويوجد لديها من القوات العسكرية ما يكفي لصد أي اعتداء محتمل على الأرض في تلك المنطقة.
ولفت “البحرة” الانتباه، إلى أن التحدي الأكبر أمام إدلب اليوم هو وجود تنظيمات مصنفة إرهابيًا وفق مجلس الأمن وكيفية مواجهتها، ولكن تم وضع هذه المنطقة وفق اتفاقية أستانا بعهدة الضامن التركي والذي بدوره بات محرجًا كونه مسؤول عن إيجاد حل لهذه المعضلة، لذا يجب علينا نحن كسوريين ألا ننتظر الأطراف، ويجب قراءة الوضع واتخاذ الخطوات الإيجابية اللازمة، لتجنيب إدلب الغارات والضربات الجوية.
Sorry Comments are closed