ناقش الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي “يوري بارمين” الموقف الروسي من المواجهات الأخيرة بين إسرائيل وإيران في سوريا، مشيراً إلى أن موسكو تعتزم الحفاظ على مكانتها ومكاسبها العسكرية في سوريا في الوقت الذي تستمر فيه المواجهة بين إسرائيل وإيران.
أشار “بارمين” وهو خبير مختص بساسية موسكو تجاه المنطقة ولا سيما الصراع في سوريا، إلى أن المرحلة الأكثر نشاطاً من الضربات الإسرائيلية في سوريا تزامنت مع زيارة رئيس وزراء حكومة الاحتلال “بنيامن نتنياهو” إلى روسيا في 9 مايو/أيار الجاري، حيث شارك الرئيسي الروسي “فلاديمير بوتين” الاحتفال في ذكرى مقتل الجنود السوفييت خلال الحرب الثانية.
وتحدث “نتيناهو” مع “بوتين” خلال وجوده في موسكو عن الاتفاق النووي الإيراني، الذي انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية منه مؤخراً، والمواجهة الإسرائيلية الإيرانية المتصاعدة في سوريا.
ونوّه “بارمين” إلى أن إسرائيل اعتبرت حتى يومنا هذا التدخل الروسي في سوريا إيجابياً، وعاملاً مساعداً على احتواء تطلعات إيران لمواجهة إسرائيل، كما أشادت كل من روسيا وإسرائيل بالتواصل وتنسيق الإجراءات بين جيشيهما، حيث قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق “موشيه يعلون” مؤخراً أن هذا التنسيق العالي ساعد في تجنب التصعيد غير الضروري بعد أن عبرت طائرة روسية المجال الجوي لمرتفعات الجولان في عام 2015.
خطوط حمراء تم انتهاكها
استطرد “بارمين” في شرح العلاقة الروسية الإسرائيلية قائلاً: “على الرغم من التنسيق المستمر مع روسيا، تقول إسرائيل بأن خطوطها الحمراء قد انتُهكت من خلال تنامي موطئ قدم لإيران في جنوب سوريا وهو شيء لا تستطيع أو لا ترغب موسكو في منعه حيث زاد اعتماد روسيا على القوات التي تقودها طهران في سوريا من ثقة إيران، مما خلق مناخاً يصعب على روسيا فيه أن تضمن خطوط إسرائيل الحمراء، أو أمنها”.
وأضاف “بارمين” بأن روسيا كانت تحت الأضواء في الأسابيع الأخيرة، حيث جازف التصعيد بين إيران وإسرائيل إلى جر روسيا إلى مواجهة جديدة، مشيراً إلى أن موقف “بوتين” ليس واضحاً حتى الآن، لكن وزارة الدفاع الروسية استدعت إسرائيل بعد ضرباتها ضد إيران في مطار تي-4 في التاسع من نيسان/أبريل، مما دفع الكثيرين للاعتقاد بأن موسكو تضع ثقلها خلف إيران.
ويرى “بارمين” أنه في واقع الأمر ليس لدى بوتين أي خيارات جيدة في هذه المواجهة، حيث سيحتاج لتخفيف آثار المواجهة التي من غير المرجح أن تنتهي وضمان عدم خروجها عن السيطرة، مما سيؤدي إلى خسارة مكاسب روسيا في سوريا، ويدفع روسيا إلى تحقيق توازن بين المخاوف والمصالح في كلا البلدين.
ويشرح “بارمين” في مقالته بأن روسيا لا تؤيّد فكرة إسرائيل والولايات المتحدة بأن الوجود الإيراني في سوريا يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، وقد أعلن هذا الموقف وزير الخارجية “سيرغي لافروف” في العام الماضي عندما قال إن الوجود الإيراني في سوريا كان مشروعاً وجاء بناء على دعوة من دمشق. والأهم من ذلك، أنه اقترح بأن اتفاق منطقة تصعيد في جنوب سوريا بالتفاوض مع الولايات المتحدة والأردن، قد طالب بسحب التشكيلات غير السورية من البلاد، لكنه لم يذكر إيران.
الخطاب السياسي
وبالحديث عن موقف روسيا الفعلي، أشار “بارمين” إلى أن تعليقات لافرورف تُشير في جوهرها إلى أن الانسحاب الكامل لإيران من سوريا ليس ضمن أوراق روسيا، ولكن هذا الموقف قاد أيضاً إلى إدراك إسرائيل بأنها لم تعد قادرة على الاعتماد على روسيا في احتواء توسع إيران في سوريا، كما يرى صانعو السياسة في موسكو أن الشعارات السياسية الإيرانية التي تتوعد بتدمير إسرائيل، تستهدف بشكل كبير الجمهور المحلي أكثر من كونها تشير إلى مسار سياسي، وبالمثل، فإن وزارة الدفاع الروسية تعرض على الملأ خرائطاً لمرتفعات الجولان على أنه جزء من سوريا، لكن في الواقع، لن تتجاوز القوات الجوية للبلاد المجال الجوي لمرتفعات الجولان، على اعتباره جزءاً فعلياً من إسرائيل.
وأوضح “بارمين” أن ذلك يعني أن موسكو تتجاهل الخطاب السياسي الذي يصبح حامي الوطيس عندما يتعلق الأمر بسوريا، ولكنها تنظر إلى الإجراءات عندما يتعلق الأمر بالتخطيط للخطوات التالية. وتشير التصرفات الأخيرة لإسرائيل وإيران أن أياً من البلدين لا يسعى لدخول حرب شاملة، وبدلاً من ذلك، يتكيّف البلدان مع بعضهما في بيئة جديدة، حيث لم تعد دمشق تتخذ وضع الناجي، وتتطلع القوات الإيرانية إلى تعزيز موقعها في سوريا بعد الحرب.
كما تحاول كل من موسكو وإسرائيل اكتشاف ما هو الحد المبالغ فيه بالنسبة لوجود إيران في سوريا. حيث تعتبر روسيا هذا الأمر بمثابة إعادة تعديل للخطوط الحمراء القائمة، وإدخال طريقة جديدة للتعايش في سوريا. فالنقطة الأساسية بالنسبة لموسكو هي ألا تضر المواجهة المستمرة بين إسرائيل وإيران بموقف روسيا في سوريا، وألا تقوّض مكاسبها العسكرية هناك.
ومن جهتها، دأبت إسرائيل حتى الآن على التحرك بحذر عندما يتعلق الأمر بتوضيح نواياها للروس. حيث لم يتخطَّ نتنياهو الخط الأحمر الوحيد الذي يعكس لبوتين أن طموحات إسرائيل في سوريا تتجاوز مجرد احتواء توسع إيران. كما تتجنب إسرائيل عمداً استهداف الحكومة السورية، بينما تضاعف استهداف المنشآت الإيرانية في البلاد، وهذا دليل واضح للروس على أنها لا تسعى إلى تغيير النظام. وبالتالي، لا يتم تجاوز الخط الأحمر.
ونوّه “بارمين” إلى أنه يجب على إسرائيل ألا تتوقع من روسيا طرد إيران من سوريا بسهولة، حيث أن التخلي عن حليف، ولو كان مشكوكاً بأمره، ليس ضمن خيارات بوتين ويمكن أن يكون له ثمن. أولاً، لا تزال موسكو تعتمد إلى حد كبير على القوات البرية الإيرانية في سوريا، ويمكن أن تكون هذه القوة القتالية في متناول اليد في الوقت الذي ما يزال فيه مصير إدلب – أكبر منطقة خفض تصعيد – غير واضح.
ثانياً، التخلي عن إيران لصالح إسرائيل في سوريا من شأنه أن يدق أجراس الإنذار في دمشق وأن يتساءل الرئيس بشار الأسد عما إذا كان مصير مماثل ينتظره.
إعادة تأسيس السيطرة
أضاف “بارمين” في مقالته أنه في سياق المنافسة غير المعلنة بين روسيا وطهران حول النفوذ في دمشق، فإن تدهور قدرات إيران بشكل جزئي في سوريا أمر يمكن أن يخدم مصلحة روسيا، مما يساعدها على إبقاء الأسد في مكانه وتعزيز سلطته بشكل مستقل عن الإيرانيين.
كما أن الخطوط الحمراء الجديدة التي وضعتها إسرائيل في سوريا تعتبر ذات أهمية خاصة قبل السيطرة المحتمل على مناطق المعارضة في جنوب سوريا على حدود مرتفعات الجولان. حيث لا تعارض إسرائيل بالضرورة لفكرة قيام النظام السوري بإعادة فرض سيطرته في منطقة خفض التصعيد الجنوبية بعد كل شيء، حيث كانت المنطقة سلمية لأكثر من 40 عاماً قبل الحرب في سوريا، لكنها لن تتسامح مع أي دور لإيران أو مليشيا حزب الله في هذه العملية.
واستنتج “بارمين” أنه بالنظر إلى الغارات الجوية الأخيرة ضد المنشآت الإيرانية في الجنوب، فإن إسرائيل تحاول هزيمة عدوها في الشمال من حدودها والذي يمكن أن يتوسع في وقت لاحق إلى منطقة خفض التصعيد. مشيراً إلى أن هذا أيضاً تحدٍ بالنسبة لروسيا، لأنها ستحتاج إلى دعم الأسد بشكل كبير إذا أرادت قوات الأسد أن تسيطر على المنطقة.
وخلص “بارمين” في ختام مقالته إلى أنه طالما ظل الطرفان يلعبان لعبة محصلتها صفر، يدفعان ويسددان الخطوط الحمراء لبعضهما البعض دون وضع روسيا في تبادل لإطلاق النار، فإن موسكو ستكون على ما يرام مع هذا الأمر.
إلا أن قدرة روسيا ورغبتها في تأسيس وضع جديد في سوريا من خلال الموازنة النشطة بين إيران وإسرائيل ما زالت موضع تساؤل، وما يمكن أن تفعله موسكو هو تسهيل التوازن غير المتكافئ، حيث يتم مضاعفة مصالح إيران في سوريا ما بعد الحرب إلى أقصى حد في المجال غير العسكري، مع الاحتفاظ بحق إسرائيل في ضمان أمنها بالوسائل العسكرية.
Sorry Comments are closed