مالك الخولي – حرية برس
أتمت قوات الأسد والمليشيات الطائفية وقوات الاحتلال الروسي السيطرة على مدن وبلدات شمالي حمص، بعد تهجير من لا يرغب بالتسوية نحو الشمال السوري، فيما تبقت دفعة عالقة تنتظر الخروج حتى اللحظة.
وخرجت باتجاه الشمال السوري ثماني دفعات من المهجرين، ضمت نحو 35 ألف شخص من أهالي شمالي حمص وجنوبي حماة، بحسب منسقي الاستجابة في الشمال السوري.
وقال مراسل “حرية برس” محمود أبو المجد، إن دفعة مكونة من نحو 1500 شخص يودون الخروج نحو الشمال لا زالوا عالقين في بلدة السمعليل شمالي حمص، ويواجهون ذرائع بعدم وجود حافلات كافية لنقلهم، وانتهاء المهلة المحددة للخروج.
ومع خروج فصائل المعارضة وتسليم سلاحها الثقيل، دخلت قوات الأسد والمليشيات الطائفية، رافعة أعلام نظام الأسد وصور بشار الأسد على المباني والممتلكات العامة، ليحكم الأسد وحلفاؤه سيطرتهم على مركز البلاد.
حمص.. قلب الثورة وقبلة الثوار
مع انطلاق الحراك الثوري في مارس 2011 اكتسبت حمص أهمية كبرى لدى السوريين، وباتت تشهد مظاهرات حاشدة بشكل شبه يومي، كان أشهرها اعتصام الساعة في أبريل 2011 حيث تجمع مئات الآلاف من أبناء المحافظة في ساحة وسط المحافظة، ارتكبت قوات الأسد مجزرة حينها ونجحت بتفريق الاعتصام، وعلى الرغم من وحشية نظام الأسد في التعاطي مع مطالب المتظاهرين، تحدى أهل حمص بكل بسالة قوات الأمن والشبيحة بأساليب سلمية وطابع فكاهي، إلا أن استمرار البطش دفع العديد من الشبان لحمل السلاح بغرض حماية التظاهرات.
شيئاً فشيئاً، ازداد عدد حملة السلاح، ومع بداية العام 2012 سيطر الثوار على العديد من أحياء المدينة أبرزها حي باباعمرو وأحياء حمص القديمة ومدينة القصير جنوب غرب المحافظة.
علاوة على أهميتها الاستراتيجية وموقعها الجغرافي الهام في وسط سوريا، أدرك الأسد رمزية حمص بالنسبة للثوار وصمم على إخضاعها مهما كلف الثمن.
في فبراير 2012 بدأت أولى عمليات التهجير القسري بحق أهالي حمص وسوريا عموماً، حيث اقتحمت قوات الأسد حي باباعمرو وارتكبت عدة مجازر وحشية، تمكنت عائلات من الفرار نحو مدن وبلدات الريف الجنوبي، وتعرضت أخرى لإعدامات ميدانية، سيطر الأسد على حي باباعمرو والتوزيع الإجباري بعد تدميرهما بشكل شبه كامل، بالإضافة إلى أحياء السلطانية وجوبر وبساتين بابا عمرو والإنشاءات، واحتفى موالوه بالانتصار الكبير.
وقد ارتكب نظام الأسد عشرات المجازر بحق أهالي حمص كان أبشعها تلك المجازر ذات الطابع الطائفي، لا سيما مجزرة الحولة ومجزرة كرم الزيتون والعدوية وباب السباع في مارس 2012، التي ارتكبتها قوات الأسد ومليشياته الطائفية، وراح ضحيتها عشرات النساء والأطفال ذبحاً بالسكاكين، دفعت عشرات العائلات إلى الفرار من تلك الأحياء وجوارها.
لم تنكسر عزيمة ثوار حمص بسقوط باباعمرو وباقي الأحياء، فاستغلوا تجمعهم في جنوبي المحافظة، وبدأوا بتسديد ضربات موجعة لقوات الأسد، ونجحوا من تحرير مساحات واسعة والعديد من القطعات العسكرية في منطقة القصير خصوصاً، أبرزها مطار الضبعة وكتيبة المدفعية في الضبعة وكتيبة أم الصخر وتل النبي مندو وعشرات الحواجز العسكرية.
بعد حصار وقصف شديدين، ومعارك استمرت نحو شهر في منطقة القصير، شهدت أول تدخل علني لحزب الله اللبناني بجانب قوات الأسد، سيطرت الأخيرة في يونيو 2013 على المنطقة، الدمار في المدينة والبلدات وصل إلى نحو 70%، آلاف الشهداء والجرحى وعشرات الآلاف اضطروا إلى النزوح مقابل أرواحهم فقط، ومع ذلك؛ ارتكبت قوات الأسد مجزرة بشعة بحق النازحين، فقد المئات قرب الاوتوستراد الدولي دمشق – حلب ولم يعرف مصير الكثير منهم.
تفرق أهالي الجنوب الحمصي بين القلمون ولبنان، منهم من اتجه شمالاً نحو ريف المحافظة، أو أكمل طريقه إلى إدلب أو تركيا، وتشير التقديرات إلى نزوح نحو 100 ألف شخص من جنوبي المحافظة، وظهرت جلية نوايا الأسد في تفريغ المحافظة من أهلها بتخييرهم بين الموت أو التهجير.
وفي شهر حزيران يونيو من العام ٢٠١٢ وبالتزامن مع العمليات العسكرية على أطرافها، ضرب نظام الأسد حصاراً خانقاً على أحياء مدينة حمص القديمة، وهي 14 حياً أبرزها البياضة، جورة الشياح، الخالدية، القصور، باب تدمر، باب التركمان، باب الدريب، باب السباع، باب هود، والقرابيص. بلغ الجوع بأهالي تلك الأحياء حتى أكلوا أوراق الأشجار والسلاحف، مع ذلك؛ كان الثوار يؤرقون نظام الأسد الذي فشل باقتحامها عشرات المرات.
مايو 2014، ثلاثة أعوام على الحصار والصمود مقابل وحشية لا نظير لها، لا طعام ولا أدوية، لم تفلح أي من المحاولات لفك الحصار، ولم يبق في تلك الأحياء سوى المقاتلون وبعض من عائلاتهم، الخروج نحو الريف الشمالي خيار بات حتمياً، والبقاء مصيره الموت.
أحكمت قوات الأسد سيطرتها على مركز المدينة بخروج الثوار، لم يتبق هناك سوى حي الوعر أو حمص الجديدة.
قبل نحو عام من التهجير الجاري في شمالي حمص، انتهت عمليات السيطرة على المدينة بتهجير حي الوعر في مايو 2017، كان الوعر على مدار خمس سنوات ملاذاً للفارين من بطش قوات الأمن وجيش الأسد في باقي الأحياء الحمصية، الحي المحرر محاصر أيضاً، ويسكنه مئات الآلاف من المدنيين، لكنه بات وحيداً في مواجهة آلة القمع الأسدية.
إمكانيات الثوار المحدودة، والكثافة السكانية الكبيرة، فضلاً عن عشرات المجازر بكافة الأسلحة المحرمة، دفعت الثوار للقبول بالتهجير نحو الشمال السوري، من يرفض ذلك كان عليه “التسوية” والالتحاق بجيش الأسد وقتال الرفاق القدامى – في أحسن الأحوال -.
أحكم الأسد اليوم سيطرته على محافظة حمص، وباتت خالية من الثوار وأهلها، لكن حمص لم تخرج من معادلة الثورة، هي باقية لطالما بقي أبناؤها، من الشمال إلى الجنوب يرابط الحمصيون، وأعينهم عليها..
عذراً التعليقات مغلقة