ولاء عساف – حرية برس
إن الأيام الأخيرة التي تسبق شهر رمضان، تعدّ بالنسبة للسوريين أيام الاستعداد لاستقبال الشهر الكريم. وتعدّ مائدة الإفطار السوريّة من الموائد المميزة بتنوعها، ومن الملفت أن وجبة الاغنياء لا تختلف عن وجبة الفقراء فالصائم لا يستطيع أن يبدأ إفطاره بوجبة دسمة.
ومع آذان المغرب، يبدأ الإفطار مع كأس العرقسوس أو التمر الهندي، المشروبين المشهورين في هذا الشهر، لينتهي مع قائمة حلويات سوريّة غنيّة.
لكن الحرب اليوم التي لم تبقي ولم تذر، قلبت موازين الحياة رأساً على عقب، فتراجعت حالة الفرح والابتهاج التي كانت تحدثك عنها البيوت قبل أصحابها. وبقي شهر رمضان عبارة عن شهر عبادة يتضرع فيه السوريين لحلّ هذه الحرب التي طالت.
غائبون عن موائد الإفطار
أصبح شهر رمضان يتعب الذاكرة بذكريات شهيد أو فقيد أو معتقل..حيث قالت في ذلك (أم محمد) وهي من بلدة الغدفة في محافظة إدلب “فقدت اثنين من أبنائي.. وابني الثاني لم يمضي على استشهاده سوى سنة.. كان ابني محمد يقوم بإيقاظنا على السحور ويبقى ينادينا حتى نستيقظ ونجتمع على مائدة السحور وضحكته الجميلة لا تفارقه.. فأي ذاكرة بات يحمل السوري وأي رمضان سوف يمر”.
يوصف شهر رمضان بأنه شهر “جمعة الأقارب والأحباب” حول مائدة الطعام وأوقات صلاة التراويح، لكن ذاك السوريّ النازح والذي يسكن خيمة في أحد المخيمات، أو حتى ذلك النازح الذي يقطن منزلاً بالإيجار ولا يتنعم بلقمة هانئة بعد دمار منزله وبقائه مشرداً بلا بيت ولا وطن.. كيف سيقضي رمضان.. وأي جمعة أقارب ستكون لديه؟
قال (أبو سعيد) عندما سألناه عن وضعه في أحد المخيمات وكيف يستعد لاستقبال رمضان، قال إنه “حصل على سلة إغاثية” حامدا الله أنها جاءت قبل رمضان، فلم يتبق في خيمته سوى القليل من الطعام، وسيستقبل بهذه السلة شهر رمضان راضياً رغم أنه فقد ولده وأخيه في قصف طيران منذ ستة أشهر، تابع قائلاً “كان أخي شاباً طموحاً ومؤمناً.. في كل سنة كان يتلو القرآن بصوته الشجي بتلاوة يخشع لها القلب.. لن نسمع في رمضان هذا صوته..”.
أما (أم صلاح) وعندما سألتها عما تشعر به وهي تستقبل شهر رمضان المبارك والدمعة سبقت لسانها “الشهداء لا يجلبون الحلوى في رمضان يا أمي”.
رمضان يفرض طقوسه
ولكن رغم كل الوجع المتغافي في القلوب والألم الذي لا تخلو منه خيمة ولا بيت، الحياة ما زالت مستمرة والشعب السوري قوي بما يكفي ليستمر، فها هو سوق الغدفة في ريف معرة النعمان يعج بالناس من بائعين ومشترين، حيث ينتشر باعة الحلويات الشهيرة كالكنافة، والمعجنات كالمعروك والمعروك المحشي بالتمر (العجوة)، ومحلات بيع الحمص والفول والسوس والمخللات، حيث يتنافسون في عرض بضائعهم على المشترين والمستهلكين.
كلّ يشتري حاجاته ولوازمه المنزلية استعداداً للشهر الكريم، إضافة إلى “السلة الرمضانية” التي يحصل عليها معظم السكان والتي تعيلهم على مصاريف شهر رمضان في ظل هذا الارتفاع الكبير بأسعار السلع.
ويبقى شهر رمضان شهر الخير والعطاء الذي ينتظره السوريين بنفاذ صبر رغم كل ما يحيط بهم.
Sorry Comments are closed