اختتمت المقال السابق (دروس حمص) بالتأكيد على أن من خسر في ريفي حمص الشمالي وحماه الجنوبي هم أمراء الحرب والفصائل المتفرقة وهذا الشكل من العمل، وقلت أن الظروف الموضوعية للثورة مازالت موجودة، لا بل توسع تأثيرها حتى على قسم كبير من جمهور الموالين لنظام الأسد، وأن ما نحتاجه هو تسريع إنضاج ظروفنا الذاتية، وتغيير طرائق وأساليب العمل.
لقد حددت في مقالات سابقة من سلسلة حكاية سوريا، طبيعة نظام الأسد وطبيعة الثورة وقلت أنها ثورة وطنية، شارك فيها الملايين من أفراد الشعب السوري بمختلف أطيافهم وطوائفهم، بهدف إسقاط نظام الاستبداد النظام القاتل لشعبه الناهب لثرواته، نظام العمالة للقوى الخارجية التي تشاركه في سرقة ثروات البلد، والانتقال للدولة المدنية الديمقراطية التعددية، دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون بغض النظر عن طائفة أو قومية.
لقد انطلقت ثورة الشعب السوري نتيجة ظروف موضوعية للاستبداد والقهر والنهب والفساد وعدم تكافؤ الفرص .. الخ، ولم تنطلق الثورة السورية من أجل بناء مسجد أو تطبيق حد السرقة وقطع الأيدي والرؤوس، وأول من وقف إلى جانب نظام الأسد هم كبار رجال الدين المشهورين في سوريا، ومعظم الشعب بغض النظر عن انتمائهم القومي أو الطائفي، يعيش فقيراً تحت سلطة الاستبداد والقمع وعدم تكافؤ الفرص و…، ويستثنى من ذلك فقط المنتفعين من الفساد الذي تؤمنه العلاقة مع النظام والقرب من سلطته، وهم ينتمون لكل مكونات الشعب السوري.
لازالت هذه الظروف الموضوعية موجودة، بل يمكن أن نقول أنها زادت وتوسعت خصوصاً لدى جمهور الموالاة، حيث يعاني من تأثير الحرب على الاقتصاد، وازدياد معدلات الفقر، ويعاني من فقدان عدد كبير من الشباب بين قتيل ومصاب، ويعاني من تبعات الاحتلال وميلشياته، وهيمنتها على المجتمع، وفرضها ثقافات تختلف عن ثقافة المجتمع المحلي السوري الذي يستضيفهم.
في مقابل نضج الظروف الموضوعية لاستمرار الثورة حتى لدى جمهور الموالاة في هذه الأيام، لازالت الذاتية غير ناضجة لعدة أسباب شرحتها في مقالات سابقة من سلسلة حكاية سوريا، وحتى بعض مضي سبع سنوات على انطلاق الثورة السورية لا نزال ندور في حلقات مفرغة، وهذا يتطلب سعياً حثيثاً لإسراع إنضاجها، خصوصاً مع وعي الكثير من أبناء الشعب للأخطاء الحاصلة، والتي أوصلتنا لما وصلنا إليه، هذا الشعب الذي خدع بالشعارات الإسلامية البراقة التي حملتها الفصائل العسكرية، وانتشى لأخبار التحرير، ولأخبار الملاحم، والمعارك الكبرى، التي أعلنت عنها تلك الفصائل، هذا الوعي جاء متأخراً بسبب عدم اهتمام المعارضة بنشر الفكر الديمقراطي، وتوعية وتعبئة الشباب بوعي وطني، واقتصارهم على التعامل مع سفارات الدول.
لقد أثر الخطاب الطائفي والمذهبي والقومي الذي مارسه النظام والقوى الإسلامية والقومية المتطرفة على إضعاف الوحدة الوطنية لدى الشعب السوري، وساهم في إعادة الاصطفاف بما ينسجم مع حاجة النظام، ويجب أن نعيد للخطاب الوطني مكانته، ونساهم في الضغط لإسراع انضاج الظروف الذاتية، والتي تتيح لنا إعادة المبادرة، والوصول لأهداف الثورة، والخلاص من الدول المحتلة، ومن التدخلات الأجنبية كافة.
إنضاج الظروف الذاتية يعني أول ما يعني إبعاد كل من لا يؤمن بالخط الوطني للثورة السورية، وكل من يريد تقسيم الشعب لطوائف وقبائل، وانتهاج خط وطني لا يميز بين سوري وآخر، ويفرق بين النظام القاتل وبين باقي الشعب، ولا يحمل فئة من الشعب مسؤولية هذا النظام.
من الأمور التي تدفع باتجاه إنضاج الظروف الذاتية أيضاً الابتعاد عن الأنانية والاستئثار، وهذا يتطلب من المؤسسات السياسية المعارضة الحالية (ائتلاف وهيئة تفاوض و…) العمل بجد للوصول لمؤتمر وطني جامع، يضم جميع المعارضة السورية المؤمنة بالوطنية السورية، ودولة المواطنة، والنظام الديمقراطي، وتداول السلطة، وتقدم خلال المؤتمر دراسات تحضرها لجنة تحضيرية، تستخلص من التجارب السابقة خصوصاً لتجربة المجلس الوطني والائتلاف في قيادة المرحلتين السابقتين من الثورة، وتوضح فيها الأخطاء التي وقعوا فيها، والتي أوصلتنا لما نحن عليه الآن، ثم توضع الخطط والبرامج والوثائق السياسية، وتعرض على المؤتمرين الذين يناقشونها، ويصوبونها، ويقرونها، ثم ينتخبون قيادة موحدة للثورة السورية، تشرف على جميع أنواع النشاط الثوري الهادف للانتقال من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي تعددي.
عذراً التعليقات مغلقة