هل مازال بالإمكان تعويم الأسد عبر البوابة الفرنسية؟

مصطفى عباس26 أبريل 2018آخر تحديث :
مصطفى عباس

عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في العام 2005، أشارت كل أصابع الاتهام إلى النظام السوري بأنه وراء هذه العملية، فتم تضييق الخناق كثيراً عليه، وغدا شبه معزولٍ دولياً، وبقي على هذه الحالة حتى العام 2008، إذ تم حينها تطبيع العلاقات الدولية معه عبر البوابة الفرنسية، عندما دعا الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بشار الأسد إلى العرض العسكري للعيد الوطني الفرنسي في 14 نيسان يوليو في باريس، وعلى إثر ذلك عاد تباعاً عدة سفراء غربيين إلى دمشق، وتم الانفتاح غربيّاً على النظام، بعد تمييع قضية اغتيال الحريري.

الأسد معزول بعد مجازره

مع انطلاقة الثورة السورية وعقب مجزرة الحولة في العام 2012 وعدة مجازر أخرى ارتكبها النظام سحبت أغلب الدول الغربية سفراءها من دمشق، وبقي النظام معزولاً حتى الآن، فلو زاره وفد يميني متطرف من فرنسا أو ألمانيا لأقام الدنيا وما أقعدها، فرحاً وابتهاجاً، ورغم أن الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون كان قبل فوزه بالانتخابات ضد نظام بشار الأسد ويدعو إلى رحيله، إلا أنه بعد تسيّده قصر الإليزيه أصبح له كلام آخر، فبات في كل مرة يقول إن “الأسد ليس عدو فرنسا، إنما داعش هي العدو”، كلام رأى فيه الكثير من المراقبين أنه يحمل في ثناياه إمكانيةً لإعادة تعويم بشار الأسد، خصوصاً وأن ماكرون لا يتعاطى السياسة من منحى أخلاقي، كما كان سلفه فرانسوا هولاند. ويعني ما يقوله ماكرون كذلك القبول بالأمر الواقع، بعد التدخل الروسي الوحشي في العام 2015 واتباعهم سياسة الأرض المحروقة التي لم تستطع المعارضة أن تصمد كثيراً أمامها. فبدأ النظام بالسيطرة تباعاً على كل الأراضي التي عجز عن استرجاعها، حتى بمساعدة ميليشيا حزب الله وإيران والميليشيات الطائفية الدائرة في ذات السرداب.

بعد استخدام النظام للكيماوي في دوما في السابع من الشهر الجاري، عاد صوت ماكرون ليرتفع ضد استخدام النظام للكيماوي وليس ضد النظام ذاته، وقامت فرنسا بمشاركة الولايات الأمريكية المتحدة وبريطانيا بقصف مواقع يعتقد أن فيها يتم تصنيع الأسلحة الكيميائية، ولكن ماكرون عاد ليقول مبرراً في تصريح أمام برلمان الاتحاد الأوروبي بستراسبورغ إن الضربات لا تغير أي شيء!.

أصيب المئات من المدنيين في هجوم لنظام الأسد بأسلحة كيماوية على بلدة دوما ـ تنسيقية دوما

اقفال ملف التعويم بشكل حاسم

حدث آخر دخل على الخط هو سحب وسام جوقة الشرف الذي قلده الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك لبشار الأسد في العام 2001، ففرنسا انتظرت كل هذا الوقت ورأت كل تلك المجازر حتى تسحب وسامها، فهل هذا يعتبر مؤشراً على عدم إمكانية تعويم الأسد من جديد؟ توجهنا بهذا السؤال إلى الباحث السياسي والأستاذ في جامعة باريس خطار أبو دياب، الذي رأى أنه بعد الضربة الثلاثية ونزع وسام جوقة الشرف قد تم إقفال ملف التعويم بشكل حاسم، “مسألة الإصرار الروسي على تأهيل النظام لم تقابل من الدول الغربية بأي حماس”، مؤكداً أن هناك إقراراً بإمكانية إشراك النظام بالمفاوضات من أجل تطبيق جيد لاتفاق جنيف، ولافتتاح مرحلة انتقالية حقيقية وليس من أجل تشكيل حكومات شكلية، واستدرك أبو دياب ” لكن هذا لا يعني عدم وجود جماعات ضغط فرنسية وحتى ضمن الطبقة السياسية ورجال الأعمال  يريدون التعامل مع الأسد ويراهنون عليه، ولكن ليس لهم الغلبة حالياً”.

الأكاديمي والباحث السياسي خطار أبو دياب

ولكن لماذا يكرر ماكرون كثيراً عن أن الأسد عدواً للشعب السوري وليس للفرنسيين؟ الأستاذ في جامعة باريس أجاب” أن ماكرون يحاول أن يتمايز عن سلفيه ساركوزي وهولاند، ويكرر كلاماً سابقاً لوزير خارجيته الحالي(جان إيف لودريان)، والذي كان وزيراً للدفاع عندما تكلم عن الفارق في العِداء، أثناء احتدام الصراع مع تنظيم الدولة، حينما قالت فرنسا إن الهجمات ضدها انطلقت من الرقة، ولكن هذا لا يعني أن ماكرون متساهل مع الأسد، فلولا تشدد ماكرون بخطوطه الحمراء لما تمت الضربات الثلاثية”.

دور الاتحاد الأوروبي ليس مركزياً

فرنسا التي لا تملك لوحدها اليوم الكثير من أوراق الضغط الفعلية، يبقى لها قوة ناعمة تستطيع من خلالها فعل الكثير، خصوصاً في بلد كسوريا، كان محتلاُ من قبلها، بعد اتفاق سايكس بيكو لتقاسم مناطق النفوذ بين بريطانيا وفرنسا، ومن هذا المسار يحاول ماكرون الدخول سياسياً، فالملف السوري كان حاضراً بقوة خلال لقاء ماكرون ترامب في العاصمة الأمريكية، واستبق ماكرون اللقاء ليصرح لقناة أمريكية إن أمريكا وفرنسا وحلفاء آخرين سيكون لهم دور مهم جداً بعد انتهاء الحرب السورية، محذراً من أن إيران، ستسيطر على سوريا إذا انسحبت هذه الدول بشكل أسرع من اللازم.

وعن الدور الذي يمكن أن تلعبه فرنسا في سوريا أجاب الباحث الجيوسياسي “أن هناك دوراً كبيراً للاتحاد الأوروبي ككل، خاصة في مسائل تصور سوريا المستقبلية، وإعادة الاعمار وهذا الدور يفترض الوجود السياسي، وباريس كما برلين ولندن هي الدول الأكثر تأهيلاً من الناحية السياسية للعب هكذا أدوار، لن يكون هذا الدور مركزياً، كما دور موسكو وواشنطن، ولكنه سيكون أحد الأدوار الدولية الفاعلة في الساحة السورية”.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل