بسام الرحال ـ حمص ـ حرية برس:
الماء هو الحياة، شعاراً كثيراً ما سمعناه في حياتنا اليومية، فالماء عنصر أساسي بكافة سبل الحياة، وقد يستخدم بكثير من الأحيان بطرق توليد الطاقة، ولكن في سوريا يختلف الحال عن باقي مدن ودول العالم، فقد عمد نظام الأسد إلى حرمان الأهالي من هذه النعمة خاصة في المناطق المحررة.
فلم يكن ينقص سكان ريف حمص الشمالي في معاناتهم الاقتصادية نتيجة توقف الأعمال والارتفاع الجنوني في الأسعار بسبب الحصار وفقدان البضائع والمنتجات من الأسواق، حتى أضيف إلى مشاكلهم أزمة توفير الأموال لشراء المياه، والتي تفاوت ثمنها بين منطقة وأخرى بحسب مجريات المعارك، حيث يفتقد الريف للمياه الصالحة للشرب بسبب استهداف طائرات النظام لآبار المياه ومضخاتها، ما فاقم من الأزمة الموجودة في المنطقة، إضافة إلى انعدام مادة الديزل التي تستخدم لتشغيل مضخات الآبار وارتفاع أسعارها وانقطاع الكهرباء بشكل شبه تام، والتي ازدادت خلال الحرب المستمرة.
يعاني أهالي مدينة الحولة في الريف الحمصي من نقص في كل احتياجاتهم الأساسية، إلا أن انقطاع المياه لأيام طويلة هي المعاناة الأشد، لاسيما مع قدوم فصل الصيف والذي على ما يبدو ستعيش فيه المدينة صيفاً جافاً ولا يبدو في الأفق أي أمل لحل الأزمة، مع مسؤولية نظام الأسد الكاملة عن أزمة انقطاع المياه.
يقول “أيمن سليمان” رئيس المجلس المحلي في الحولة: “استهدفت شبكة المياه كغيرها من البنية الأساسية والخدمية للمواطنين، بشكل مباشرة من قبل قوات الأسد بكافة أنواع الأسلحة، وتحول عدة أبار منها إلى ركام جراء استهدافها بغارات من الطيران أيضاٌ، في حين نقوم دائماً بعمليات الصيانة والترميم للخزانات المتضررة وعودتها إلى الخدمة بأسرع وقت ممكن قدر المستطاع، و بالإمكانيات المتاحة”.
وبين “السليمان” أن “هناك عدة مشاريع لتأمين مياه الشرب وحفر الآبار في عدد من بلدات مدينة الحولة، لكن لا يمكن التصريح عنها خوفاً من قصف النظام لها، بالإضافة إلى وجود تعاون وثيق مع رابطة مغتربين في الخارج من أهالي المنطقة، إذ تقدم رابطة المغتربين الجزء الأكبر من تمويل مشاريع المياه خصوصاً ما يتعلق بصيانة شبكات المياه المتضررة جراء قصف النظام، وتأمين مادة الديزل للأبار”.
“عدة توجيهات قمت بإلقائها على العائلة من الكبير حتى الصغير للحفاظ قدر المستطاع على المياه”،يقول “محمد الفارس” أحد قاطني مدينة الحولة: “فالحصول عليها يكلّف مالاً كثيراً وأنا أجد صعوبة في تأمينه بالوقت الحالي، وكثيراً ما ينقطع عنّا المياه يوماً أو يومان، ونجد صعوبة كبيرة في إيصاله إلى الخزان الرئيسي، وحتى ذلك الوقت نعتمد على المياه المخزّنة بعبوات صغيرة تم تجهيزها لوقت الحاجة، وفي وقت الإنقطاع التام نستعين بالأقارب أو الجيران لتعبئتها؛ فالحياة باتت دَين”.
ويضيف “الفارس” قائلاً: “أكثر من (13000 ل.س) أدفعها شهرياً ثمناٌ لصهاريج المياه، بكلفة (800 ل.س)، ثمن الصهريج الواحد ويكفينا لمدة لا تتجاوز الثلاثة أيام، مع العلم أننا نستهلك المياه بالقطارة كما يقال، ولا أمتلك أنا ومعظم الأسر في مدينة الحولة القدرة المالية على شراء المياه بشكل متواصل، وغالباً ما نقوم بتعبئة براميل صغيرة بدلاٌ من خزانات المياه، والتي غالباً ما تكون غير نظيفة تماماً، ومعرضة للتلوث بسبب عدم وجود غطاء يغلق البرميل من الأعلى”.
من جانبه يقول” أبو محمد” الفني الذي يعمل في إصلاح مضخات الآبار في المدينة: “إن مشاكل انقطاع المياه عن المدينة لها أسباب عديدة، منها انقطاع الكهرباء وإنخفاض منسوب المياه، وفي بعض الأحيان تكون الآبار تحت سيطرة قوات الأسد ولا يتم الضخ منها، وعدم توفر قطع الغيار لبعض الآبار كاللوحات الالكترونية والمولدات الكهربائية يخرج الببر عن الخدمة ريثما يتم تأمين الأغراض اللازمة لإصلاحه والتي نبقى شهور بانتظار إحضارها”.
ويرى “أبو محمد” أن المجلس المحلي في المدينة هو المسؤول عن تفاقم أزمة المياه، ولابد من إيجاد حلول بديلة من خلال حفر أبار سطحية قليلة العمق وتوزيع المياه منها مجاناٌ على الأهالي الذين ليس بوسعهم شراء الصهاريج، لاسيما وقد ارتفع سعرها بسبب إرتفاع مادة الديزل، وإلا سنكون في وضع لا نحسد عليه مع فصل الصيف الذي بدأنا نشعر بحره من الآن”.
“مصائب قوم عند قوم فوائد”،يقول “فراس العلي” صاحب سيارة صهريج لنقل المياه، ويتابع قائلاٌ: ” شكلت أزمة المياه فرصة عمل جديدة، فأنا لم أتوقف خلال الأيام الماضية عن نقل المياه وبيعها للأهالي، وأحصل على مردود جيد، في حين كنت أعمل سابقاً على نقل الخضار من سوق الهال في مدينة حمص إلى الحولة وبأجر زهيد، ومع انتشار الحواجز على الطريق فيما بعد ونتيجة للوضع الأمني والتنكيل بالعاملين من قبل قوات النظام المنتشرة على طريق ( حمص – الحولة)، قمت ببيع السيارة واستبدلتها، وعملت في نقل المياه وبيعها، ذلك بعد شراء صهريج مخصص للمياه”.
وعن ارتفاع سعر صهريج المياه والعبء الجديد الذي يفرض على المواطن، يوضح “فراس” قائلاً: “الوقود هو العامل الرئيسي في ارتفاع أسعار المياه، فهو يدخل بعملية تأمينه من بدايتها وحتى نهايتها، ذلك لأن سعر لتر المازوت الواحد يتراوح بين (450 و 500 ل.س)، ونستخدمه لسحب المياه من الآبار بواسطة مولدة المياه الخاصة بالبئر، ومن ثم نقله بالسيارة التي تحتاج إلى ما لا يقل عن اللترين من المازوت، ومن ثم إفراغه عبر مضخة المياه المركبة على الصهريج، المردود المالي الصافي من تلك العملية يعتبر معقولاً ومقبولاً نوعاً ما”.
بدأت درجات الحرارة بالارتفاع في وقت مبكر في العام الحالي، مقارنة مع الوضع المعتاد، ما يجعل من أزمة المياه مسألة جوهرية في الأيام المقبلة، وينذر بأوضاع مزرية في المنطقة.
عذراً التعليقات مغلقة