تنفرد صحيفة التايمز بين صحف السبت البريطانية بنشر مقال تحليلي على مساحة صفحتين داخليتين فيها بشأن الحرب في سوريا والأوضاع المتأزمة في الشرق الأوسط تحت عنوان “خصومات تدفع بالشرق الأوسط إلى حربه المقبلة”.
ويرى المقال، الذي كتبه محرر الشؤون الدبلواسية روجر بويز، أن الصراع السري بين إيران وإسرائيل بات الآن مفتوحا وعلنيا، ولا أحد يعرف أين سينتهي ما يسميه صراع “الجبابرة” في الشرق الأوسط.
ويقول بويز إن الحرب الدائرة في سوريا استمرت لثلاثين شهرا أكثر من الحرب العالمية الثانية ومازالت مستعرة في صراع غيّر طبيعة الحرب الحديثة وسيعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط، بحسب تعبيره.
ويضيف أن هذه الحرب شهدت اختبار نحو 150 من أنظمة الأسلحة الروسية، وقد أعيد استخدام التكتيكات القتالية للقرن العشرين من القصف المكثف المعروف باسم “سجادة القنابل” إلى التسميم بغاز الكلور لاختبار مدى امكانية استخدامها في حروب اليوم. كما مطّت وسائل التواصل الاجتماعي الحدود الاخلاقية: فبتنا نرى مسلحين يأخذون صور “سيلفي” مع أعضاء بشرية مبتورة، أو مقاطع الفيديو التي تصور قتل رهائن غطيت رؤوسهم بأكياس وباتت تأخذ طريقها إلى الانترنت، حيث يتلقى مراهقون غربيون محبطون تعليمات من مسلحين لنقل حمام الدم السوري إلى مدنهم وبلداتهم.
ويشير بويز إلى أن الأكاديميات العسكرية ومراكز الأبحاث تحلل تجربة المذبحة الجماعية تلك وتستخلص العبر منها. ومن بين الدروس الكثيرة المستخلصة من الحرب السورية يشدد على ثلاثة منها: الأول هو أن معظم المشاركين في هذه الحرب بدأوا من دون خبرة وبشح في التمويل وبدون كفاءة، الأمر الذي أدى إلى زيادة الخسائر بين المدنيين والعسكريين، ولكن بمرور الزمن تعلم معظم هؤلاء المقاتلين دروسا خاطئة وفشلوا في التأقلم لذا باتوا ورقة محترقة اليوم بنظره.
ويرى بويز أن ما نراه انخفاضا في معدل الخسائر البشرية والإصابات ناجم فقط عن أن جماعات المراقبة توقفت عن عد الضحايا بعد أن تجاوز الرقم المقدر للقتلى أكثر من نصف مليون.
أما الدرس الثاني بنظره فيتمثل في أن الاستخدام الروسي للقوة منذ عام 2015 أدى إلى نتائج متسارعة ولكن أكثر قساوة مما تنتجه تكنيكات القتال الحربية المقيدة المعتمدة في الدول الديمقراطية، وهو ما يعني بنظره أن المبادرة للانتصار بالحرب قد مُررت إلى الدولة القادرة على تجاهل التمييز بين المسلحين والمجتمعات المحلية التي تحتضنهم.
أما الدرس الثالث الأكثر أهمية بنظر الكاتب هو أن حربا طويلة الأمد مثل تلك ستنتهي إلى قتال بين الأكثر كفاءة وبين الماكينات العسكرية التي عركتها الحروب وامتلكت الخبرة القتالية. وفي هذه الحالة يشير بويز إلى أننا لن نرى استعراضا للقوة بين واشنطن وموسكو، إذ أن الرئيس دونالد ترامب لا يخفي نيته بسحب جنوده الـ 2000 من سوريا وإعادتهم إلى بلادهم.
لذا يرى الكاتب أن المواجهة ستكون بين إيران التي تدعم بشكل مباشر بقاء الأسد في السلطة وتقاتل من أجل تحقيق تفوق وهيمنة إقليمية، وإسرائيل التي تعد التوسع الإيراني تهديدا لوجودها.
بين نتنياهو وسليماني
ويسترجع بويز أحداث المواجهات المباشرة بين الجانبين في سوريا، ومن بينها إسقاط طائرة إيرانية مسلحة من دون طيار فوق إسرائيل في فبراير/شباط الماضي، وتحرك إسرائيل لضرب قاعدة إيرانية لتسيير طائرات من دون طيار “وقتل قائدها وضباطها في التاسع من الشهر الجاري قبيل أيام من الضربات الجوية الغربية على منشآت الأسد الكيمياوية”.
ويضيف أن حربا خاصة تكشفت مع ما لا يقل عن 100 ضربة على قوافل أسلحة إيرانية، لم يعلن عنها، وزرع فايروسات في أنظمة كومبيوتر البرنامج النووي الإيراني وعمليات اغتيال لعلماء ذرة، وباتت معروفة بعد رفع الستارة عن الحرب السورية.
وينقل الكاتب عن الباحث البرتغالي الخبير في مجال الجغرافيا السياسية، برونو ماكايس، حديثه عن احتفال جنرال صيني بالتدخل الروسي في أوكرانيا في عام 2014، قائلا إنه أعطى الصين عشر سنوات إضافية للتهيؤ لمواجهتها الكونية مع الولايات المتحدة، حيث تحولت روسيا إلى العدو رقم واحد للولايات المتحدة وتنفست الصين الصعداء.
ويرى بويز أن شيئا مماثلا حدث في سوريا أعطى إسرائيل وقتا إضافيا وحول الانتباه إلى الأسد، مخفيا اللحظة التي عليها فيها أن تحوّل حربها السرية مع طهران إلى مواجهة ضارية مكشوفة.
ويخلص بويز إلى أن هذه الفسحة قد انتهت الآن، وباتت كل من إيران وإسرائيل في مواجهة مباشرة، ولكن لا أحد يعلم كيف ستدار؟
ويخصص بويز بقية مقاله لمقارنة تفصيلية بين خبرات وقدرات الرجلين الأبرز في هذه المواجهة وهما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والجنرال قاسم سليماني، ذراع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية العسكري، وقائد فيلق القدس، المسؤول عن المهمات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني.
Sorry Comments are closed