حروب الآخرين في سوريا

فريق التحرير16 أبريل 2018آخر تحديث :
جانب من الدمار الذي خلفه قصف قوات الأسد والعدوان الروسي في مدينة كفربطنا في الغوطة الشرقية – 26/2/2018 عدسة أمير أبو جواد، حرية برس©

طرحت مجلة “أتلانتك” الأمريكية قراءة عامة للقضية السورية، أوضحت من خلالها التنافسات والمصالح الدولية في سوريا، والتصادمات القائمة والمرجحة فيما بين الدول لكسب امتيازات في سوريا ومن بينها حماية حدودها من تداعيات الأوضاع السورية، وكسب موطئ قدم لها في المنطقة، وردع حلفاء نظام الأسد وتحجيم نفوذهم المتزايد.

وأشار الصحفي “كريسنادييف كالامور” في بداية مقالته إلى الضربة “الأمريكية، البريطانية، الفرنسية” التي استهدفت مواقع لنظام الأسد بهدف ردعه عن استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين، وذلك في الوقت الذي يبدو فيه أن كفة الميزان مالت لنظام الأسد، إلا أن ذلك لا يعني أن السلام سيحل، ففي الواقع يبدو أن الصراع يتصاعد بتغذية من القوى الخارجية العديدة التي انضمت إلى ساحة المعركة السورية بمصالحها الخاصة.

وفي معرض حديثه عن التدخلات الخارجية في سوريا اقتبس الصحفي من “كريستوفر فيليبس” المؤلف الأمريكي وصاحب كتاب “المعركة من أجل سوريا: التنافس الدولي الجديد في الشرق الأوسط”، قوله: “إذا نظرنا إلى الأدبيات المتعلقة بالحروب، فإنها تُشير إلى أنه كلما زاد التدخل الأجنبي، كان المن الصعب إنهاء الحرب، وذلك لأن معظم هذه القوى لا ترغب بالاستسلام إلا حتى تستنفد طاقتها أو أن تحقق أهدافها وتثبت مزاعمها، وباعتبار أن الكثير منهم يدعم الوكلاء، فليس بالضرورة أن تكون التكلفة عالية لذلك الحد”.

واستطرد “كالامور” قائلاً: “لقد أصبحت الحرب أكثر تعقيداً وأكثر فتكاً على مدى سبع سنوات، ومستقبل سوريا أصبح الآن بعيداً جداً عن حدودها”، وتساءل عمن يقاتل في سوريا الآن، ولماذا؟ وفي ضوء الإجابة على هذا التساؤل، فنّد “كالامور” الدول التي جذبتها الحرب السورية للمشاركة في هذا المشهد، ومصالح كل منها.

الولايات المتحدة الأمريكية

شرح “كالامور” سياسة الولايات المتحدة المتذبذة تجاه الصراع في سوريا منذ بدايته، وقد اقتصرت مهمة الولايات المتحدة في البداية على مكافحة الإرهاب، حيث صرح المبعوث الأمريكي في التحالف الدولي “بريت بريتوك” أن قوات الولايات المتحدة موجودة في سوريا لمحاربة تنظيم “داعش” إلا أن الولايات المتحدة لديها مصالح أخرى هناك، بما في ذلك تطويق نفوذ إيران وتطبيق العقاب مقابل استخدام الأسلحة الكيماوية، فقبل ظهور تنظيم “داعش” في عام 2014، سعت الولايات المتحدة إلى احتواء الصراع في الوقت الذي فشلت فيه الجهود الدولية في حلها، ودعت إدارة أوباما إلى تنحي الأسد، لكنها كانت مترددة من دعم المعارضة بالمال أو السلاح خشية أن تصل إلى أيدي الإسلاميين.

وفي عام 2012 وضع “أوباما” خطاً أحمر يتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية، موضحاً أن استخدامه سيغير حساباته حول الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، ولكن عندما استخدام الأسد غاز السارين في عام 2013 لجأ أوباما إلى عقد اتفاقية مع روسياً لتدمير مخزون الأسلحة الكيماوية في سوريا بدلاً من استخدام القوة، وبعد ذلك بعام بدأت الولايات المتحدة بقصف سوريا للمرة الأولى مستهدفة تنظيم “داعش”.

وفي الوقت الذي أعلن فيه ترامب نية الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا، جاء الهجوم الكيماوي على دوما الذي رد عليه ترامب بهجوم مماثل للهجوم الذي حدث في العام الماضي، مما يعني أن الولايات المتحدة وسعت مرة أخرى مهمتها إلى أكثر من مكافحة الإرهاب،

أوروبا

بدأت الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا التدخل في سوريا بهدف مكافحة الإرهاب، إلا أن سياسات هذه الدول تقاطعت بشكل كبير مع الولايات المتحدة، بما في ذلك المشاركة بالهجمات الانتقامية على نظام الأسد يوم الجمعة الفائت، ويرى “كالامور” أن أزمة اللاجئين التي تعاني منها الدول الأوروبية غيرت الديناميكيات السياسية في القارة، مما ساعد على تعزيز النجاحات للأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تعارض الهجرة في الانتخابات.

وقال “جيرارد أراود” السفير الفرنسي لدى واشنطن، هذا الأسبوع: “لمواجهة هذه التهديدات، ما نحتاجه هو تثبيت الاستقرار في سوريا، ولتحقيق الاستقرار، نحتاج إلى تحول سياسي ذي مصداقية”، “يجب أن يكون هدف الغرب هو الانخراط السياسي مع روسيا وتركيا وإيران مع التحول السياسي”.

روسيا

سعت روسيا منذ عام 2014 من خلال تدخلها العسكري في سوريا لحماية نظام الأسد ومساعدته على استعادة خسائره، وساعدت عشوائية السياسة الأمريكية تجاه سوريا، وتبعثر تنظيم “داعش” في تحقيق هذا الهدف.

وبحسب “كالامور” فإن بعض الاعتبارات بما فيها علاقة روسيا مع سوريا منذ الحرب الباردة، إضافة إلى وجود قاعدة روسية في طرطوس، ليست هي المحرك الرئيس للسياسة الروسية في سوريا. حيث أن أحد أهداف روسيا الرئيسية هي استخدام الصراع السوري لإيصال رسالة إلى العالم بأن روسيا قد عادت إلى المشهد.

وبحسب فيليبس “من المهم جداً بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يستخدم سوريا كمنصة لعرض القوة الروسية، وترك انطباع بأن روسيا اليوم هي لاعب رئيسي في الشرق الأوسط تماماً كما كان الاتحاد السوفييتي”.

إيران

إن إيران موجود في سوريا لحماية نظام الأسد، واستخدام وكلائها لتهديد عدوها اللدود “إسرائيل”، وأوضح “كالامور” القيمة الاستراتيجية لسوريا بالنسبة لإيران، حيث أن سوريا بمثابة حاجز ضد أي عمل عسكري تقوم به إسرائيل أو غيرها من دول الغرب، بالإضافة إلى كونها موقع استيطاني يمكن من خلاله تسليح ودعم مليشيا “حزب الله” للضغط على إسرائيل واحتواء أعمالها العسكرية في المنطقة.

المملكة العربية السعودية

يعتقد “كالامور” أن المملكة العربية السعودية تدخلت في الصراع السوري بتمويل المعارضة بسبب انغماس المنفس الإقليمي لها “إيران” بهذا الصراع، حيث رأت المملكة العربية السعودية أن الصراع يشكل فرصة لتحويل سوريا إلى دولة معادية لإيران، وذلك من خلال استمالة الطائفة السنية التي تشكل الغالبية في سوريا، كما رأت تركيا وقطر في الانتفاضة فرصة لتحويل سوريا إلى دولة صديقة، وقد قال “محمد بن عبدالرحمن آل ثاني” وزير الخارجية القطري للصحفيين في واشنطن يوم الخميس إن الأسد “مجرم حرب” ويستحق أن يحاكم، ودعا إلى عملية دبلوماسية من شأنها أن تؤدي إلى انتقال السلطة.

إسرائيل

لطالما كانت إسرائيل عدواً لإيران، وتخشى من إنشاء إيران قواعد عسكرية دائمة في سوريا، وأن إيران إلى جانب مليشيا حزب الله ستبقى بالقرب من الحدود مع إسرائيل وتبني قدرات هجومية مثل المخابئ التي يمكن استخدامها في صراع مستقبلي مع الدولة اليهودية.

وقد قامت إسرائيل بشن هجمات عدة مرات في سوريا كان آخرها الهجوم الذي استهدف قاعدة عسكرية إيرانية يوم الاثنين، ونقل كالامور قول المحلل في مجموعة الأزمات الدولية “زالزبيرغ” أن إسرائيل كانت تأمل أن تنجح إدارة ترامب أو السعودية في دحر الوجود الإيراني من سوريا، وأنه كان بإمكان إسرائيل القبول ببقاء الأسد لولا أنه مصحوب بالوجود الإيراني.

وبحسب “زالزبيرغ” إن ما ينبغي أن تفعله إسرائيل للرد على هذا التهديد هو مسألة نقاش داخلي كبير، مع خيارات تتراوح من الضربات المحدودة التي تقوم بها إلى حرب شاملة.

تركيا

تحدث كالامور عن الوجود التركي في سوريا الذي يهدف إلى محاربة المليشيات الكردية، فقد كانت تركيا في بداية النزاع معارضة بشدة لنظام الأسد، ودعمت المعارضة، إلا أن إحدى النتائج غير المقصودة للنزاع السوري هي دخول الأكراد إلى المشهد، وسرعان ما أصبحت تركيا واحدة من أكثر القوى المحاربة فاعلية في سوريا، حيث ساعدت الولايات المتحدة في القتال الناجح ضد تنظيم “داعش” وقامت بشن هجوم ضد المليشيات الكردية في عفرين التي تقع غرب الفرات حيث تسيطر روسيا، وهددت بالتقدم إلى منبج حيث تتواجد القوات الأمريكية إلى جانب الأكراد.

وختم كالامور قراءته باقتباس لفيليبس: “حتى لو انتهت الحرب، فإن سوريا ستكون غير مستقرة لبعض الوقت”.

المصدر مجلة أتلانتك الأمريكية - ترجمة: إسراء الرفاعي
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل