منذ تدخل روسيا لمساندة نظام بشار الأسد في العام 2015 وكفة الحرب السورية تميل لصالح النظام المجرم شيئاً فشيئاً، إلى أن أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها عن توجيه ضربة عسكرية لمواقع نظام الأسد الحيوية مما فتح الباب على مصراعيه لتفاقم الصراع الروسي الأمريكي والذي سيفرض على واشنطن الوقوف إلى جانب المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً خصوصاً وأن الأخيرة أبرز أعداء الدب الروسي حالياً وأنسب الأطراف لتتحالف معها.
ولا يخفى على القاصي والداني تلاشي حظوظ الأسد في الاحتفاظ بالسلطة وإنهاء مقومات الثورة في الوقت التي غرقت روسيا في المستنقع السوري وباتت تبحث عن قشة نجاة تتعلق بها رغم ادعائاتها الكاذبة حول اكتمال تحقيق أهدافها من تدخلها العسكري في سوريا.
أما إيران الشمولية والمفتتة داخلياً فقد استنزفت شعبها بشرياً وأرهقته اقتصادياً منذ أقحمت نفسها في خضم الصراع السوري والذي تعد طهران الخاسر الأكبر فيه نسبة لما تلقته من خسائر بشرية في المعارك واستمرار تدهور الاقتصاد الإيراني بالإضافة لكونها أكثر الأطراف المنبوذة بين أطراف النزاع السوري من قبل الغرب والخليج وإسرائيل وحتى حلفاء إيران النظام وروسيا، حيث انتهجت هذه الأخيرة سياسة تجاهل الدور الإيراني واعتباره تابعاً مباشراً للقرار الروسي الآمر الناهي على النظام وحلفائه وتعاظمت خلافات المرتزقة الإيرانيين مع شبيحة نظام الأسد وتطورت إلى اشتباكات بالأسلحة المتوسطة والخفيفة وتجلت في عدة مناسبات وانتهت أغلبها بمقتل عناصر من الطرفين.
تظهر أسباب الضربة الأمريكية البريطانية الفرنسية على أنها رد فعل غربي على استهداف النظام للمدنيين في مدينة دوما بالأسلحة الكيميائية ولكن في حقيقة الأمر هي نتيجة لخلافات دارت من تحت الطاولة بما يخص الملفين السوري والأوكراني بين المحور الغربي الذي تتزعمه واشنطن والمحور الشرقي الذي تقوده روسيا.
كان لا بد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يتخذ خطوة الضربة العسكرية ليحفظ ماء وجهه أمام الأمريكيين حكومة وشعباً بعد وضوح الأدلة التي تثبت تورطه بالتنسيق مع الروس أثناء حملته الانتخابية والتي أدت لاستقالة شخصيات سياسية رفيعة المستوى في حكومته مما أجبره على تحريك أساطيل قواته البحرية إلى الساحل الشرقي للبحر المتوسط والقيام بضربة عسكرية ظاهرها محاسبة نظام بشار الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيميائية في قصف المدنيين وباطنها صرف أنظار الداخل الأمريكي إلى نصر خارجي قد يحفظ له مقعده الرئاسي لولاية ثانية.
ومن ناحية أخرى تتطلع الحكومة الأمريكية للحصول على النصيب الأكبر من الكعكة السورية والتي باتت روسيا وإيران تملكان معظمها فلذلك يتحتم على الولايات المتحدة تحجيم الروس وإضعاف الإيرانيين ليتسنى لها ما أرادت.
وفي سياق آخر لا تزال تركيا تتمايل على الحبلين الروسي والأمريكي ولكنها سترتمي في حضن بلاد العم سام في حال استطاع أن يكون اللاعب الأبرز على الساحة السورية.
وتبدو إسرائيل أكثر المرحبين بالضربات المشتركة (لفرنسا وبريطانيا وأمريكا) في ظل امتعاضها من التواجد الإيراني المكثف على الساحة السورية ومن المؤكد أنها ستشارك بضربات جوية على مواقع عسكرية إيرانية (ولكن بشكل مستقل) وهي التي سبق لها شن غارات جوية مباغتة على مواقع تابعة للنظام وإيران في عدة مناسبات.
ومن المنتظر أن تتطور الخلافات الروسية الأمريكية في الأيام القليلة القادمة مما سيجبر الولايات المتحدة على التحالف مع المعارضة السورية لزيادة الضغط على الروس والقبول بالمطالب الأمريكية وسيكون خيار تمويل المعارضة المسلحة المعتدلة الخيار الأنسب والأقل كلفة للأمريكيين إضافة لكونه أخف مسائلة في مجلس الأمن والمجتمع الدولي.
ومن المرجح أن تستعيد المعارضة السورية زمام المبادرة وتبدأ بالسيطرة العسكرية من جديد على المساحات الشاسعة التي فقدتها لصالح قوات النظام، كما من المؤكد أن الأمريكان سيزودون المعارضة المسلحة المعتدلة بالصواريخ المضادة للطيران في حال استمرت روسيا في تعنتها بسياساتها وسيظهر بذلك الأمريكان بأبهى صورة لهم منذ عقود في الساحتين العربية والعالمية في حال استطاعوا إزاحة بشار الأسد من السلطة وتحقيق تطلعات الشعب السوري في نيله لحريته واستقلاله.
بعد صمت واشنطن والغرب عن أفعال نظام الأسد الإجرامية بحق الشعب السوري منذ ثماني سنوات كان لابد لها من القيام بخطوة استباقية ومساعدة المعارضة السورية حرصاً على ضمان مصالحها في الخارطة السورية وخوفاً على طفلتها المدللة أسرائيل من ضربات المعارضة في حال استطاعت الإطاحة بالنظام دون مساعدة أحد.
Sorry Comments are closed