تناولت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مسألة المعركة الأمريكية ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، مشيرة إلى أن مهمة البنتاغون ضد التنظيم في سوريا مازالت مفتوحة، في الوقت الذي وعد فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخروج سريع من سوريا. وأن القادة العسكريين الأمريكيين يصبّون جُلّ اهتمامهم على دحر هذا التنظيم، الذي كان قوياً يوماً ما، من موطئ القدم الأمريكي في شرق سوريا، ويسعون لضمان عدم قدرة التنظيم على التخطيط لشن هجمات ضد الولايات المتحدة، وذلك بحسب ما أشار إليه مسؤولو الدفاع الأمريكيون.
ويرى كل من الصحفيان ميسي راين وبول سن المسؤولان عن تغطية قضايا الأمن القومي والقضايا العسكرية في مقالتهما أنه من غير الواضح كيف سيعمل الجيش على التوفيق بين رؤيته ورؤية ترامب، التي لا تثق في الحروب الخارجية وترغب في إظهار نصر سريع، وتجلى ذلك في الأسبوع الماضي حيث تعهد بمغادرة القوات الأمريكية لسوريا قريباً جداً.
وألقى الصحفيان الضوء على التعليقات العامة والخاصة حيال تصريح ترامب القائل: “أريد الخروج، أرغب بإعادة قواتنا إلى البلاد.. لقد حان الوقت”. حيث كشفت التعليقات عن وجود فجوة حيال الدور الأمريكي المستقبلي في سوريا. فقد تحدث القادة العسكريون، الذين يضعون نصب أعينهم الطبيعة العابرة للمكاسب العسكرية السابقة في العراق وأفغانستان، مراراً وتكراراً عن الحاجة لوجود أجندات بعد الحرب.
وتوقع الجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية الأمريكية أن الجزء الأصعب قادم، حيث تسعى المدن والبلدات السورية التي تحررت من داعش إلى إعادة البناء وضمان عدم عودة المقاتلين. مُعلقاً “بالطبع هناك دور عسكري في هذا”.
وفي حين يحذّر القادة من المغادرة قبل استقرار الأمور في الأراضي السورية بما يضمن منع إعادة إحياء التنظيم، فإن ترامب يريد من الدول الأخرى تحقيق الاستقرار في المنطقة. وقد سعى ترامب في اجتماع مع كبار مساعدي الأمن القومي في نفس اليوم إلى الحد من مشاركة الولايات المتحدة في أنشطة تحقيق الاستقرار، لكنه لم يُلح من أجل الانسحاب الفوري.
وذكر الصحفيان أمثلة عن محاولة العسكريين، الذين يركزون جهودهم على المهمة العسكرية المتبقية في سوريا، معالجة مخاوف ترامب حتى أثناء تقدمهم في تنفيذ خططهم التي وصفها الكثيرون ب “إنهاء المهمة”.
فقد قال الجنرال كينيث ماكينزي رئيس هيئة الأركان المشتركة للصحفيين هذا الأسبوع: ” لقد كان الرئيس جيداً جداً في عدم منحنا جدولاً زمنياً محدداً، وكان هذا التصرف أداة يمكننا استخدامها بما يخدمنا بينما نمضي قدماً”. كما اقترح وزير الدفاع جيم ماتيس، في إشارة إلى النهج المتطور للبنتاغون، يوم الجمعة أن الولايات المتحدة لم تقرر بعد فيما إذا كانت ستواصل دعم شريكها الرئيسي في الشمال السوري بعد سحب القوات. قائلاً “سنعالج كل ذلك”.
وأشارت المقالة إلى عدد مقاتلين داعش المتواجدين حالياً في العراق وسوريا والذي يُقدّر ما بين 1000 إلى 3000 مقاتل، إلا أن رسالة القادة الأمريكيين واضحة “النصر في متناول اليد”.
واستطردت المقالة في شرح الدور العسكري الأمريكي في سوريا في إطار محاربة داعش، موضحة وجود حوالي 2000 جندي أمريكي في شمال وشرق سوريا، يقدمون المشورة والدعم لمليشيا قوات سوريا الديمقراطية (SDF) وهي الشريك العسكري الرئيسي لأمريكا ضد تنظيم الدولة “داعش”. وقد أعرب القادة العسكريون عن إحباطهم بسبب تحول جهود قوات سوريا الديمقراطية إلى مدينة عفرين الشمالية الغربية للتصدي للهجوم التركي على المدينة. مما أدى لتوقف العملية ضد تنظيم داعش. وعلقت جينفير كارفيللا من معهد دراسة الحرب “لقد كانت أسابيع تفصل الجيش عن تحقيق العمل العسكري في القتال ضد داعش”.
وتقوم القوات الأمريكية الآن بتوسيع أنشطتها في جميع أنحاء منبج، حيث التوترات الكردية_التركية التي من الممكن أن تولد مزيداً من العنف، وفي الوقت نفسه يخشى المسؤولون الأمريكيون من عودة ظهور داعش. كما ذكرت المقالة الأعمال التي تقوم بها قوات الولايات المتحدة في إطار محاولتها لمنع عودة داعش، حيث تدعم عدد من المقاولين لتفكيك الألغام البدائية من مدينة الرقة التي كانت معقلاً سابقاً للتنظيم، إضافة إلى مهمة مدنية تعمل على استعادة الحكم وتفعيل الخدمات الأساسية.
كما تقوم القوات الأمريكية بتدريب قوة محلية جديدة للحفاظ على الرقة آمنة، على غرار ما تفعله القوات الأمريكية في مناطق أخرى في شمال وشرق سوريا. فضلاً عن دعمها لقوات الأمن الداخلية في المناطق الواقعة على حدود سوريا التي يسهل اختراقها.
وبالحديث عن الوضع الراهن لما تبقى من مقاتلي داعش، نقلت المقالة آراء عسكريين ومحليين. حيث وصف العقيد في مشاة البحرية سيث فولسوم ما تبقى من داعش بأنهم “مجموعات صغيرة ممزقة وتفتقر للتنظيم”. وحذّر المحللان ديفيد ستيرمان ونات روزنبلات في تقرير حديث صدر من منظمة الأبحاث الأمريكية أنه في حين تمكن الجيش الأمريكي من خفض التواجد المادي لدولة الخلافة الإسلامية، إلا أنه لم يعالج الأسباب الجذرية التي أدت إلى ظهور مقاتليه في المقام الأول. وخلص الصحفيان إلى إن المناقشات حول مستقبل عمليات الدولة الإسلامية لا تتعدى كونها المحاولة الأخيرة لصياغة مقاربة ناجحة للصراع الذي تحدت تعقيداته صناع السياسة الأمريكيين منذ اندلاعه في عام 2011.
وتأخذ هذه المناقشات حيزاً في الوقت الذي تستمر فيه الحرب السورية الكبرى بدعم من روسيا وإيران. مشيرين إلى قول أنتوني ه. كوردسمان، وهو مسؤول سابق في البنتاغون ويعمل حالياً في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، بأنه من غير المرجح أن تعمل روسيا كقوة لإحلال الاستقرار، ولا أن تشارك نظام الأسد في منع عودة ظهور داعش مجدداً. مضيفاً بأن روسيا تقوم بعمل رائع في لعب دور “المُفسد”، لكنها ليست قادرة على السيطرة على بلد ما على أرض الواقع ولا قادرة على تمويل أي شكل جديّ من إعادة البناء والتنمية. وحذر كوردسمان من أن الخروج المتعجل من سوريا قد يسمح للمقاتلين بإعادة تنظيم صفوفهم وشن هجمات على غرب العراق.
وذكّر الصحفيان في ختام مقالتهما بموقف ترامب الذي لم يفصح عن الكثير حيال وجهة نظره حول البصمة العسكرية الأمريكية في العراق المجاور، وذلك على الرغم من تأكيده مراراً وتكراراً على ضرورة سحب القوات الأمريكية من سوريا.
Source
صحيفة "واشنطن بوست" - ترجمة: إسراء الرفاعي - حرية برس
Sorry Comments are closed