تحوّلات سياسية كبيرة حصلت على الصعيد الدولي والإقليمي والداخل السوري بعد الانتكاسة الأخيرة للثورة السورية من خلال السقوط المحزن للغوطة الشرقية بمحيط العاصمة، حيث يتوالى سقوط الهياكل الكرتونية السياسية منها والعسكرية وحتى الإعلامية بفعل التخلي عنها من قِبل الدول التي صنعتها، وكأن تلك الفصائل أدت الدور المنوط بها بإفشال الثورة على الأقل لتاريخ اليوم ومنعت سقوطه.
يمكننا أن نطلق على هذه المرحلة مرحلة غياب المأجورين وانسحاب الخونة وتحولهم لإدارة مشاريعهم التجارية والاستثمارية خارج الحدود والتي انشأت بمال الثورة المسروق على حساب الملايين من الضحايا و المهجرين، هذه المرحلة تؤسس لصراع دولي مباشر بعد سقوط الوكلاء، مرحلة تدفع بأطراف الصراع الدولي والاقليمي إلى البدء بتشكيل تحالفات مضادة تتصدر عناوينها لغة المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية لكلٍ منها بغض النظر عما حصل وسيحصل لنا كسوريين من تدمير وقتل وتهجير ما زال مستمراً ولن يتوقف كلما اقتضت مصلحتهم لذلك.
في الأزمات والحروب خاصة والسياسة بشكل عام لا مكان للعاطفة والأخلاق عند الساسة ودولهم وهم يبحثون عن مصالحهم رغم الاختلاف والعداء في بعض الجوانب، فعدو الأمس لا مانع أن يصبح صديق اليوم فما بين قمة واشنطن التي جمعت ترامب وولي العهد السعودي وسبقتها زيارة لندن وبين قمة أنقرة التي جمعت اردوغان وبوتين وروحاني هناك تساؤلات عدة يطرحها واقع الحال الذي نحن فيه.
نبدأ بأنقرة والموقف التركي الذي يسوِّق نفسه كصديق ومساند لثورة الشعب السوري منذ انطلاقها باعتبار أن الروس والإيرانيين كانوا وما زالوا أعداءاً جاهروا بالوقوف إلى صف النظام السوري ويحاربون معه لهذه اللحظة ضد الثورة التي اندلعت ضده منذ سبع سنوات.
تركيا التي تتغنى بالدين والإسلام كما النظام الذي يتغنى بالمقاومة والممانعة وكلاهما بريء مما يتغنى به، أليست هي من استعدَت السعودية ومصر من أجل حزب الاخوان المسلمين غير المرغوب من أغلب السوريين، أليست تركيا هي وقطر من حاربت السعودية ونفوذها في سوريا وتخلوا عنها في حربها على الحوثيين اللذين تدعمهم ايران بالمال والسلاح والميليشيات علناً وروسيا خفية مما دفعها للابتعاد عن الملف السوري منذ أواخر سنة 2014.
أليس حليف روسيا وايران هو بالنتيجة حليف النظام السوري مقابل قطعة يحتلها؟ أليسوا كلهم محتلون لسوريا ويقتسمونها شعباً وأرضاً حسب لغة ومتطلبات مصالحهم؟ لمن تتبع معظم الفصائل التي تم سحبها من حمص والقلمون وداريا والزبداني وحرستا ومحيط دمشق والغوطة الشرقية وتهجير أهلها الى الشريط الحدودي مع تركيا ليصنعوا منهم حاجزاً وإقليماً سنياً عربياً لمصلحة تركيا في وجه الأكراد السوريين.. أليست فصائل اخوانية تأتمر بالقرار التركي؟
المسألة لم تعد تحتمل المجاملة؛ فكل من يتحالف مع روسيا وايران التي تقتل السوريين وتساند النظام هو حليف الأسد، فالمراوغة وتجميل الصور القبيحة لم يعد ينفع.
ليس تبريراً للسعودية وأخطائها بقدر ما هو توضيح للصراع السلطوي وجنون العظمة الذي يدفع بأردوغان ليجعل من نفسه وتركيا حاضرة تمثّل وتقود العالم الاسلامي وسحبه من يد السعودية التي تسيطر عليه كحق وإرث تاريخي وعربي إسلامي يراد له أن يسحب منها وما بين هذا وذاك مازلنا كسوريين ندفع ثمن جبروت النظام وهذه الصراعات الإقليمية السياسية التي تجد فيها القوى الدولية باباً ووسيلة لنهب خيرات وثروات المنطقة بالمجمل.
هذا التحالف الروسي الإيراني التركي بدأت تتوضح معالمه بقمة الأمس التي عقدت بمشاركة رؤساء تلك الدول لكنه يبقى تحالفاً هشاً؛ فروسيا وايران وبقايا النظام كحلف مستمر يسعى لضم تركيا التي تضع قدماً في هذا الحلف والأخرى في الجانب الأميركي الغربي بوصفها عضواً في الناتو، ماذا يملك هؤلاء لتقديمه لتركيا التي ستخسر العمق العربي والاسلامي بفعل معاداتها للسعودية ومصر والذي جرها له الإخوان المسلمين كما جروا سوريا لهذا الخراب تماماً كما فعل النظام البعثي.
يبدو أن كل أطراف الحلف الروسي الإيراني التركي تتبع سياسة حافة الهاوية وهي ماضية بالعمل الذي ترى فيه تحقيقاً لأهدافها ومصالحها، لكّن المغالاة باتباع هذه السياسة قد يحدث مفاجآت كبيرة وغير سارّة ليست بالحسبان حسب المتغيرات السياسية والعسكرية التي قد يقدم عليها التحالف الغربي الذي بدأ يتشكل في الجهة الأخرى.
ماذا تفعل السعودية غير ذلك وقد حوصرت بحرب الحوثيين والإيرانيين في اليمن وعداء قطر وتركيا التي إن ذهبت بعيداً بتحالفها مع الروس والإيرانيين الداعمين للنظام ستكون أكبر الخاسرين بعد إيران التي لا بد أنها ستهزم خاصة وأن السوريين المعارضين للنظام لن ينسوا أفعالها.
تدخل المملكة الآن لواشنطن من باب المتغيّر في السياسة الأميركية المحمول على الموقف الأميركي الجديد من الملف النووي الإيراني والعمل على إلغائه لتعود العقوبات وتشدّد لإسقاط نظام الملالي من الداخل وسحب إيران من النفوذ الروسي والعودة إلى فترة العلاقات أيام حكم الشاه، وسقوط حكومة الملالي يعني تلقائياً انكفاء الميليشيات التي تقودها إيران من المنطقة العربية.
السؤال الذي بدأنا الحديث به عن اتجاه الثورة السورية وأي طريق ستسلك، والجواب ببساطة إن بقي السوريون متفرقين وكلّ يتبع سياسة الدولة التي تحتضنه ويأتمر بسياستها فالنهاية وبكل صراحة لا تبشّر بالخير على المدى القريب والمتوسط، إلا إذا ولدت قوة جديدة من رحم الثورة وحاضنتها الشعبية بعد سقوط كل الهياكل الكرتونية وزوال كل المأجورين سياسياً وعسكرياً وادارياً وإعلامياً وتمهيد الطريق لمرحلة فاصلة من عمر الثورة تستعيد بها الثوار الحقيقيين والشرفاء من القادة الوطنيين المختصين بالمجالات العسكرية والسياسية تحت مرجعية عمل وقيادة واحدة، تمنع المجتمع الدولي والاقليمي الذي نفذ صبره من العودة بالتوجه لمؤسسات النظام علماً أنها عديمة المهنية وغير ديمقراطية ولا عادلة ولكن يرى أنها على الأقل تعتمد مرجعية واحدة ولاتجرؤ على محاربة بعضها البعض علناً كما تفعل مجاميع المعارضة السياسية والعسكرية.
علينا جميعاً أن نضافر جهودنا ونكرسها ضمن مشروع وطني تحت عنوان العدالة والمساواة والديمقراطية والتخلص من إرث عقلية السيطرة وأتباعها التي انتهجها تجار الدم والحرب وقد أسميناهم قادة والذين استخدموا اتباعهم للحفاظ على كراسيهم ومكتسباتهم كما بشار وأتباعه.
عذراً التعليقات مغلقة