ترجمة رانيا محمود – حرية برس:
طرح الكاتب “مايكل جيرسون” في مقالته في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تساؤلاً موجهاً للشارع الأمريكي، طالباً من القراء من باب التعاطف تخيّل أنهم سوريون مؤيدون لأمريكا. وراح يرسم لهم سيناريوهات مختلفة يمكن أن يعيشوها لو كانوا سوريين، كمشاهدتهم لاثنين من أطفالهم يقتلون عند مهاجمة دبابة لمنزلهم، أو تسوية حيّهم بالأرض بفعل البراميل المتفجرة، أو تطويق منطقتهم وتجويعها في محاولة لإخضاعها، ولربما شاهدوا بناتهم يتم اقتيادهن من قبل جنود يختارون الضحية التي سيغتصبونها اليوم.
وتحدث “جيرسون” الذي كان زميلاً سابقاً في مجلس العلاقات الخارجية، عن زياراته للشرق الأوسط على مدى السنوات القليلة الأخيرة، ولقائه بلاجئين سوريين قصّوا عليه جميع تلك القصص. مشيراً إلى رغبة هؤلاء اللاجئين بالعودة إلى سوريا ومحاربة نظام الأسد، ويُرجّح أن بعضهم قد قام بذلك بالفعل. فقد أعلنت إدارة أوباما في عام 2013 أنها ستقدم دعماً عسكرياً مباشراً لقوات المعارضة الموالية لأمريكا، وكان مسؤول في الأمم المتحدة قد عرض لجونسون رسماً بيانياً يشير إلى ارتفاع كبير في نسبة العائدين إلى سوريا (الذين يُتوقع أن يكونوا عادوا للتسلّح ومحاربة الأسد).
ويرى جيرسون أن الجهود الأمريكية لتسليح المعارضة السورية كانت محض دعابة أو شيئاً تافهاً، وكانت خدعة قاسية بالنسبة للسوريين. وفي المقابل كان الدعم من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى للجهاديين في سوريا أمراً خطيراً للغاية، وكذلك الأمر بالنسبة لدعم إيران لوكلائها، مما حافظ على بقاء نظام الأسد.
واستطرد جيرسون في تحليله معتبراً أن السياسة الأمريكية في سوريا منذ عام 2011 هي قصة من الارتباك والتردد والخيانة. وأشار إلى التدوينة التي نشرها المستشار الخاص للرئيس أوباما في الفترة الانتقالية في سوريا “فريدرك هوف” في موقع المجلس الأطلسي، التي تُمثل جزءاً مهماً من السجل التاريخي. حيث وصف “هوف” خلال تدوينته السياسة المُتبعة تجاه سوريا في عهد أوباما بسلسلة من الإخلال بالالتزامات وتجاهل الخطوط الحمراء. واقتبس الكاتب جزءاً من مدونة هوف: “لقد أراد أوباما أن يتعامل مع المعارضة الداخلية من خلال التعاطي مع مسؤوليها عبر سيناريوهات متعددة بحسب شدة سوء الأوضاع، بفرضيات لما قد يعقب أي محاولة أمريكية ولو كانت متواضعة عبر إيجاد ثغرة في العقد الناجمة عن سياسة القتل الجماعي”.
وأوضح جيرسون أن إحدى النقاط المقلقة التي تُثير الاستياء من السياسة الخارجية لأوباما وترامب تتمثل بوصف أوباما للصراع في سوريا بأنه “حرب أهلية تخص أحداً آخر”. مشيراً إلى التشابه في استراتيجية النأي بالنفس التي اتبعها الرئيسان حيث أعلنت إدارة ترامب في تموز/ يوليو الماضي عن إنهاء عملية “سي آي ايه” السرية لتسليح المعارضة السورية. وفي الوقت الراهن، جمّد ترامب أكثر من 200 مليون دولار مخصصة لإعادة الإعمار في سوريا، وأعلن _ على ما يبدو بعكس رغبة جيشه_ “بأنهم سيغادرون سوريا قريباً جداً”، وذلك ينطوي على انسحاب حوالي 2000 جندي أمريكي. وأضاف ترامب “فليعتني الآخرون بها الآن”.
واعتبر جيرسون أن كلمة “الآخرون” يُقصد بها الروس والإيرانيون وإرهابيو حزب الله وأركان نظام الأسد. ويرى الكاتب أن انتصار الأسد من المرجح أن يترتب عليه في النهاية ما أطلق عليه الرئيس جون كيندي “سلام القبر وأمن العبد”. إلا أن النتيجة الفورية للانسحاب الأمريكي ستكون تصعيداً كبيراً للنزاع في شرق سوريا، كما أنها سترفع غطاء الحماية عن الحلفاء الأمريكيين القلائل المتبقين على الأرض.
وخلص إلى أن سنوات من القرارات الخجولة _وعدم اتخاذ قرارات_ تركت سوريا في أزمة معقدة. إلا أن القوات الأمريكية تحدث فرقاً، حيث أن انسحابها في هذه المرحلة سيكون ضرباً من الحماقة الاستراتيجية. ستطلق يد روسيا كوسيط قوة في قلب الشرق الأوسط بلا منازع. كما أن الانسحاب الأمريكي يعني التنازل عن حقول النفط التي تخضع لسيطرة القوات المتحالفة معها، ويبارك لإيران في سعيها إلى الهيمنة الإقليمية. ويتساءل جونسون فيما إذا كان ترامب يدرك حقاً عدم التناغم في الاعتراض على هشاشة الاتفاق النووي الإيراني بينما ينسحب من سوريا ويتركها لإيران؟
ويضيف الكاتب أنه يترتب على ذلك أيضاً الكابوس الإنساني الأكثر انتشاراً، فربما يكون هناك أكثر 3 ملايين طفل سوري لاجئ في المخيمات والمجتمعات. منهم من تعرض للعنف والمضايقات والتنمّر باعتباره شخصاً غريباً، ومنهم من اضطر للعمل، ومنهم من هو عرضة للانجرار إلى التطرف، وما يقارب 40% من الأطفال متسربون من المدارس. ويرى جونسون أن عدم المبالاة من قبل أمريكا تشحن هذه الأجيال بالاستياء والغضب.
واعتبر أن الانتصار النهائي لإيران وروسيا والأسد سيعكس عدداً من الرسائل الواضحة التي تتلخص بأن القتل الجماعي، استخدام الأسلحة الكيماوية، وتجويع المدنيين جميعها أساليب تُؤتي ثمارها. وأن الولايات المتحدة يمكنها أن تتجاهل قوانين الحرب والإدانات، وتسمح بالإفلات من دون عقاب.
وفي ختام مقالته رجّح الكاتب أن الإجابة على تساؤله الأول -بعد أن بعثت الخيانة الأمريكية لسوريا رسالة لكل لاجئ التقى به جونسون بالإضافة إلى كل صديق محتمل لأمريكا- بأنه قد يكون من الخطير الثقة بأمريكا.
عذراً التعليقات مغلقة